الكاتب المغربي عبدالكريم برشيد: العدالة الاجتماعية قضيتي الأولى
عبدالكريم برشيد يعد من أبرز دعاة تأصيل المسرح العربي وربطه بالتراث، وحصل على الدكتوراه من جامعة المولى إسماعيل بمكناس
قال الكاتب المسرحي المغربي عبدالكريم برشيد إنه يعتبر قضيته الأولى هي العدالة الاجتماعية، معتبرا أن أي مبدع مهتم بمحاربة الإرهاب والتنوير يجب أن يتخذ العدالة الاجتماعية منهجا لها، مؤكدا أن التزام الفنان يتجاوز حدود وطنه ليشمل الإنسانية كلها.
وعبدالكريم برشيد مؤلف ومخرج مسرحي مغربي، من أبرز دعاة تأصيل المسرح العربي وربطه بالتراث، حصل على الدكتوراه من جامعة المولى إسماعيل بمكناس، ولد عام 1943 بمدينة بركان شرق المغرب، وهو واحد من أكبر المسرحيين العرب، أسس تيار المسرح الاحتفالي في المسرح العربي عام 1971، وله أكثر من 40 نصًا مسرحيًا باللغة العربية الفصحى، وترجمت بعض أعماله إلى اللغة الفرنسية والإنجليزية، والكردية، وتم تكريمه في أغلب دول العالم العربي كأحد أبرز منظري المسرح.
وفي حواره مع "العين الإخبارية" يؤكد برشيد أن حال المسرح العربي يعكس أحوال العرب السياسية، مشيرا إلى أن "هناك تجريبا لكنه لا يبنى على أسس علمية لعدم وجود تصور واضح عما نريد"، وإلى نص الحوار:
ما الأسس التي يقوم عليها مسرحك؟
كل أعمالي المسرحية قائمة على أساس التفاعل مع الواقع، ومع الحياة، ومع الوجود، أعتبر نفسي كاتبًا مسرحيًا من هذا الزمان الذي يعيش به الناس، لينصتوا إلى نبض الحياة ونبض التاريخ، محاولًا أن أجيب على عدد من الأسئلة، هي بالأساس أسئلة وجودية، واجتماعية، وفكرية، وسياسية.
هناك تداخل بين عالمين، عالم عربي نعيشه وهو الأقرب، وهناك عالم أوسع، وهذا العالم الكوني وما به من حروب ومتغيرات ومن قضايا، وتبقى مسألة وضع الإنسان الاجتماعي هي قضيتي الأولى.
كيف أثرت المتغيرات العلمية على قضيتك في المسرح؟
بالطبع هناك متغيرات علمية لم تكن معروفة من قبل، فقد تربينا مع الراديو ثم جاء التلفزيون، ثم جاءت كل هذه الوسائط المتعددة، وبدأنا نشعر أن هناك هجمة على القيم الإنسانية النبيلة، والأمر الأخطر هو تشييئ الفنون، وتحويل كل شيء إلى بضاعة، فحتى الإنسان أصبح سلعة، فعندما يصبح الفنان المبدع وسيلة لإعلان صابون أو معجون أسنان فأين هي كرامة الفنان، أين قيمة الفن الجمالية، والحداثية والإبداعية؟
هل بذلك نستطيع القول إن رسالة المسرح في القرن الـ21 أصبحت عالمية؟
أرى أن مهمة الفنان في القرن الـ21 أكبر أو أخطر ويجب ألا تختصر على المستوى الوطني أو القبلي والإثني، لأن كلنا ننتمي إلى هذا الكون أو إلى هذا الكوكب الذي يسمى الأرض، مصيره مصيرنا، فعندما نجد انتخابات في دولة أوروبية يصعد فيها اليمين المتطرف الحاقد الذي يحارب المهاجرين ويدعو إلى نبذهم هذا يقلقنا بكل تأكيد، وعندما تحدث مثل هذه الانتخابات نتخوف من أن يصعد مجنون مثل هتلر، فإننا نعيش لحظات مرعبة رغم بعد هذه الانتخابات عنا.
ما دور التراث في تسليط الضوء على القضايا المعاصرة مسرحيا؟
التراث له دور كبير، فنحن بحاجة إلى إعطاء الناس الحق في أن يفكروا دون تكفير أو تخوين، بعد النكسة كتبت مسرحية "عنترة في المرايا المكسرة" استحضرت شخصية عنترة بن شداد. عنترة قوي ولكن في زمن الانكسارات، يطلب منه كما يطلب من الشعب أن يدافع عن وطنه وهو المهزوم من طرف وطنه، فكيف للمهزوم أن يفعل؟
إذا كنت أنت في وطنك تشعر بأن الحاكم يظلمك ولا يعطيك حقك فكيف تبحث أن تقاتل عدوا أجنبيا خلف الأسوار؟ الأساس هو العدالة الاجتماعية، وأن تشعر بأن لديك كرامة، حق في التعليم، في الصحة، وأن وطنك يقدرك، لذا ستحارب من أجله وستموت من أجله، أما أن تجد وطنك يدفعك للهروب منه، والموت في قوارب الموت، فنحن بحاجة إلى منظومة فكرية جديدة ومنظومة علاقات إنسانية أخرى.
كيف انعكست الأحداث السياسية المعاصرة على مسرحك؟
كتبت نص "يا ليل يا عين" بعد الانفجار الإرهابي الذي وقع في الدار البيضاء عام 2004، المسرحية تدور في ليلة واحدة في حي به فنادق ومقاهٍ وأناس يعيشون، وفيهم عميان يدعون أنهم عميان وفيهم عميان بالفعل، وآخرون عميان بشكل إرادي، وأيضا هناك عميان عماهم فكري ونظري ورمزي، وطرحت فيها هذا المنظور بأنه يجب أن نرى أولًا، لنمشي ونختار ينبغي أن نرى، ليس فقط بعيوننا، وإنما ببصيرتنا وقلوبنا ووجداننا، فإما نكون أمة العميان ونخلط بين الأشياء، بين الدين والفن، ونحارب الفن، باسم الدين والدين بريء من ذلك، وأن نسمي الإرهاب جهادًا.. هذه نظرة إنسان مريض لديه نزعة عدوانية للقتل وسفك الدماء، وينسبها إلى الله ويقول الله أكبر، والله أكبر من فعله.
المطلوب من المسرح العربي أن يحارب الإرهاب والأفكار المريضة، والمتخلفة، والتي بها أكاذيب بمنطق حقيقي، وأن يشعر الناس أن أجمل ما في هذا الوجود الحياة وأخطر ما فيها هو أن تنزع هذه الحياة، لقد خلق الإنسان لكي يحيا ويفرح ويسعد من أجل أن يكون غنيا كما قالها الكاتب والشاعر الكبير صلاح عبدالصبور في مأساة الحلاج، الله غني فكونوا أغنياء، الله قوي، فالإنسان في وطنه يحب أن يكون قويًا يكون عالمًا بصيرًا. فالإسلام ليس كيف تتوضأ وكيف تصلي، ولكن كيف تعيش، وكيف تحيا بكرامة.
كيف ترى حال المسرح العربي؟
حال المسرح العربي هو حال العرب، هناك تجريب ولكنه غير مبني على أسس علمية، نجرب الاشتراكية لم تصلح نذهب إلى الليبرالية أو الرأس مالية، فليس هناك تصور واضح ماذا نريد، ينبغي على المسرحي أن يسأل نفسه من أنا؟ أنا عربي أعيش في القرن الحادي والعشرين، في أمة تكالبت عليها قوى متعددة، عانت من الاستعمار من الإقطاعيين الانتهازيين.. إلخ، فيجب أن يكون لي كلمة حول ذلك، وإلا ما الداعي لأن أستدعي الناس إلى مسرحية كي أقول لهم كلمة ولا أقول لهم شيء، لذا يحضرني قول صلاح عبدالصبور "هل يرضيك يا ضيفي أن أدعوك إلى مأدبتي ولا تجد إلا جيفة".
aXA6IDE4LjExOC4xNDQuMTA5IA==
جزيرة ام اند امز