الوقوف بعرفة وركن الحج الأعظم.. ماذا يحدث على الجبل؟
يعد الوقوف بجبل عرفة يوم التاسع من ذي الحجة هو ركن الحج الأعظم؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "الْحَجُّ عَرَفَةُ".
وتتوافد جموع حجاج بيت الله الحرام، مع شروق شمس يوم 9 من ذي الحجة إلى صعيد جبل عرفات الطاهر، على بُعد 22 كيلومترًا من مكة، ليشهدوا الوقفة الكبرى ويقضوا الركن الأعظم من أركان الحج، وذلك بعد أن قضوا يوم التروية في “مشعر منى” يوم 8 من ذي الحجة.
ويجتمع الحجاج في مكان واحد وزمان واحد وبلباس واحد لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى في هذا اليوم المشهود الذي وصفه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأفضل الأيام.
نسك الحاج في يوم عرفة
الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأكبر، والوقوف بعرفة يكون يوم التاسع من ذي الحجة، ولو لحظة، في أي جزء منها، ولو مارًّا.
ويبدأ وقت الوقوف بعرفة من طلوع فجر اليوم التاسع ويستمر وقت الوقوف إلى طلوع فجر يوم النحر (يوم العاشر من ذي الحجة).
وحدود عرفة هي: نهاية الحرم وبداية الحِبلِّ، وهي معلومة أجمع المسلمون عليها، إلا ما يُحكى من خلافٍ ضعيفٍ في نَمِرَة، حتى نَصَّ الفقهاء على أن مسجد إبراهيم وهو المسمَّى بـ"مسجد نَمِرة" ليس كله من عرفة، بل مُقدَّمُه من طرف وادي عُرَنَة وآخره في عرفات، قالوا: فمن وقف في مُقدَّمِه لم يصح وقوفه ومن وقف في آخره صح وقوفه.
وأجمع المسلمون على صحة الوقوف بأي جزءٍ من عرفة؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "وَقَفْتُ هَا هُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ" رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
ونصَّ أهل العلم على أن من أخطأ الوقوف بعرفة فوقف خارجها بطل حَجُّه ووجب عليه القضاء.
ومن السنّة أن ينزل الحاج بنمره - إن تيسر له ذلك – فإذا دخل وقت الظهر خطب الإمام في الناس خطبة تذكير وعظة وإرشاد ثم يصلي بالحجاج الظهر والعصر جمعاً وقصراً كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصلي قبلهما ولا بينهما ولا بعدهما شيئاً.
ويستحب للحاج الوقوف بجبل الرحمة (جبل عرفة)، متوضئًا، بعد أن يكون أدى صلاة الظهر والعصر جمعًا وقصرًا بنمرة مستمعًا للخطبتين، ملتزمًا بالدعاء، والتضرع إلى الله، حتى غروب الشمس من يوم التاسع من ذي الحجة.
ويجب على الحاج الانشغال بالتلبية والذكر والإكثار من الاستغفار والتكبير والتهليل ويتجه إلى الله - عز وجل - خاشعا متضرعا ويجتهد في الدعاء لنفسه وأهله وأولاده ولإخوانه المسلمين جميعا في ذلك اليوم.
فضل يوم عرفة
وليوم عرفة فضل عظيم إذ ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يوم عرفة هو أفضل يوم عند الله، وذلك في الحديث الذي رواه جابر رضي الله عنه عن حبيب الله محمد صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثا غبرا ضاحين جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي فلم ير يوما أكثر عتقا من النار من يوم عرفة).
وبعرفة نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا".
أخطاء شائعة
وهناك أخطاء يقع فيه بعض الحجاج تضيع الأجر والثواب في مثل هذا اليوم العظيم، يجب الحذر منها أبرزها:
-النزول خارج حدود عرفة وبقائهم في أماكن نزولهم حتى تغرب الشمس، وهناك الكثير من العلامات واللوحات الإرشادية التي توضح حدود عرفة، وعرفة كلها موقف.
- من الأخطاء أيضا الإنصراف من عرفة قبل غروب الشمس وهذا غير جائز لكونه مخالفاً لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم.
-أيضا من الأخطاء تزاحم بعض الحجاج وتدافعهم لصعود جبل عرفة والوصول إلى قمته والتمسح به والصلاة عليه وهذا من البدع التي لا أصل لها في الشرع، إضافة لما يترتب على ذلك من أضرار صحية وبدنية.
- من الأخطاء كذلك استقبال جبل عرفات أثناء الدعاء والسنّة استقبال القبلة عند الدعاء.
وبعد غروب شمس التاسع من ذي الحجة تسير قوافل الحجيج صوب مشعر مزدلفة ليصلّوا بها المغرب والعشاء جمعاً وقصرا بأذان واحد وإقامتين من فور وصولهم، ثم يبيتون ليلتهم هناك ملبين ذاكرين شاكرين الله على فضله وإحسانه بأن كتب لهم شهود وقفة عرفات.
مشعر عرفات
عرفة أو عرفات مسمى واحد عند أكثر أهل العلم لمشعر يعد الوحيد من مشاعر الحج الذي يقع خارج الحرم، وهو عبارة عن سهل منبسط به جبل عرفات المسمى بجبل الرحمة، الذي يصل طوله إلى 300 متر ويتوسطه شاخص طوله (7) أمتار، فيما يحيط بعرفات قوس من الجبال ووتره وادي عرنة، ويقع على الطريق بين مكة المكرمة والطائف شرقي مكة بنحو (22) كيلومترًا وعلى بعد 10 كيلومترات من مشعر منى و 6 كيلومترات من المزدلفة بمساحة تقدر بـ10.4 كيلومتر مربعة، وليس بعرفة سكان أو عمران إلا أيام الحج غير بعض المنشآت الحكومية.
وبعرفة جبلها المشهور وهو أكمة صغيرة شبيهة بالبرث يصعد عليها بعض الحجاج يوم الوقوف وليس الوقوف على الجبل خاصة من واجبات الحج لقوله صلى الله عليه وسلم: "وقفت ها هنا بعرفة وعرفة كلها موقف".
وعندما يقف الحجيج في عرفات ينتصب أمامهم مسجدة "نمرة" بفتح النون وكسر الميم وسكونها.
فنمرة هو جبل نزل به النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في خيمة ثم خطب بعد زوال الشمس وصلى الظهر والعصر قصرا وجمعا "جمع تقديم" وبعد غروب الشمس تحرك منها إلى مزدلفة.
وفي أول عهد الخلافة العباسية في منتصف القرن الثاني الهجري بني مسجدا في موضع خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يعرف الآن بمسجد نمرة.
توالت بعدها توسعاته على مر التاريخ وصولاً للوقت الحالي فأصبحت مساحته 124 ألف متر مربع، مؤلف من طابقين مجهزين بنظام للتبريد والمرافق الصحية حيث يتسع لأكثر من 300 ألف من المصلين.
ووادي عرنة، من أودية مكة المكرمة والجزء المقدم من مسجد نمرة يقع في هذا الوادي، وهو خارج عن عرفات وداخل في الحل، وليس بمشعر، وهو حد فاصل بين الحل والحرم.
كما أن في عرفات مسجد الصخرات، وهو أسفل جبل الرحمة عـلى يمين الصاعد إليه وهو مرتفع قليلا عن الأرض يحيط به جدار قصير وفيه صخرات كبار وقف عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة وهو على ناقته القصواء.
وأحيط هذا الموقف بجدار طوله من جهة القبلة 13.3 متر والجدار الذي على يمينه ويساره 8 أمتار، أما الجدار المقابل للقبلة فدائري غير مستقيم.