معاهدة ستارت.. أصداء اجتماع القاهرة المؤجل تطلق جرس إنذار من حرب نووية
بعد مرور قرابة ثلاثة أشهر على تأجيل اجتماع أمريكي روسي كان مقررا إقامته في مصر بشأن معاهدة ستارت، أثير الجدل بشأنه مرة أخرى.
إلا أن ذلك الجدل المثار كان مصحوبا بنغمات تحذيرية روسية، ألقت بثقلها على العلاقات الروسية الأمريكية، التي شهدت جانبا تصعيديا خلال الآونة الأخيرة.
وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أرجأت روسيا اجتماعا كان مقررا عقده بين 29 نوفمبر/تشرين الثاني و6 ديسمبر/كانون الأول الماضي مع الولايات المتحدة، لمناقشة استئناف عمليات التفتيش بموجب معاهدة "نيو ستارت" الموقعة بين القوتين عام 2010 إلى أجل غير مسمى.
وفيما لم تذكر روسيا -آنذاك- سببا لإرجاء اجتماع اللجنة الاستشارية الثنائية بين البلدين، أعربت واشنطن عن أملها باستئناف المناقشات "في أسرع وقت ممكن"، مشددة على "أهمية هذا الأمر ليس فقط للبلدين وإنما أيضا لبقية العالم".
أزمة أمريكية روسية
وبعد مرور قرابة ثلاثة أشهر على تأجيل ذلك الاجتماع وليس إلغاؤه، أطلق نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف تصريحات بددت آمال انعقاده في الوقت الحالي، وكشفت عن أزمة بين موسكو وروسيا، على خلفية الأزمة الأوكرانية.
وقال الدبلوماسي الروسي، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام روسية، إن موعد المفاوضات بين موسكو وواشنطن بشأن معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية الجديدة (ستارت) لم يتحدد بعد، مؤكدا أن الوضع الحالي في العلاقات الروسية الأمريكية لا يسمح بعقد مثل ذلك الاجتماع.
وأضاف ريابكوف: "لا يسمح الوضع بتحديد موعد جديد، مع الأخذ في الاعتبار هذا الاتجاه التصاعدي في كل من الخطاب والأعمال من جانب الولايات المتحدة".
وشدد المسؤول على أن الولايات المتحدة تواصل استفزاز روسيا، متوقعا "أن رد فعلنا في مرحلة ما سيؤدي إلى نوع من الانهيار". ورغم ذلك، إلا أنه ذكر أن السفير الأمريكي الجديد لروسيا سيصل إلى موسكو خلال أيام.
واتفاقية ستارت الجديدة، التي بنيت على صفقات الحرب الباردة للحد من الأسلحة النووية، من المقرر أن تنتهي في فبراير/شباط 2026، لكن عمليات التفتيش المنتظمة التي نصت عليها المعاهدة لم يتم إجراؤها منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، أولاً بسبب جائحة فيروس كورونا، ثم بسبب العلاقات "المسمومة" بسبب العملية العسكرية الروسية لأوكرانيا، بحسب صحيفة "واشنطن بوست".
وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا ربطت، في تصريحات سابقة لها، قرار تأجيل الاجتماع بإمدادات الأسلحة من واشنطن إلى أوكرانيا، مطالبة الولايات المتحدة بـ"تهيئة الظروف" لعقد الاجتماع العام الجاري.
حرب مختلطة
واتهمت المسؤولة الروسية في تصريحات -آنذاك- واشنطن بشن "حرب مختلطة" ضد روسيا و"مساعدة نظام كييف على قتل جيشنا ومدنيينا في المناطق الروسية، وتوفير هذه الوسائل المدمرة بشكل متزايد للكفاح المسلح وإرسال المدربين والمستشارين والمرتزقة الأمريكيين إلى أوكرانيا".
وقالت زاخاروفا إن محادثات الحد من التسلح لا يمكن فصلها عن "الحقائق الجيوسياسية"، وألقت باللوم على الولايات المتحدة في قرار روسيا عدم حضور الاجتماع، "مع الأخذ في الاعتبار الوضع السلبي للغاية في العلاقات الروسية الأمريكية التي أوجدتها واشنطن وتستمر في التدهور باطراد"، على حد قولها.
وقالت "واشنطن بوست" إن فشل معاهدة ستارت الجديدة سيكون علامة على الانهيار شبه الكامل لهيكل حظر الانتشار النووي الذي بنته الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي خلال الثمانينيات والتسعينيات.
وسبق وجرى التخلي عن معاهدة القوات النووية متوسطة المدى (INF) في عام 2019 من قبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التي اتهمت روسيا بارتكاب انتهاكات.
القناة الوحيدة
واجتماعات معاهدة ستارت الجديدة هي القناة الثنائية الوحيدة المتبقية لواشنطن وموسكو للتفاوض حول القضايا الفنية الدقيقة المتعلقة بالحد من التسلح.
وفيما عقد الاجتماع الأخير للجنة الاستشارية الثنائية في أكتوبر/تشرين الأول 2021، ظهرت علامات اضطراب العلاقات بين البلدين في أغسطس/آب 2022، عندما منعت روسيا عمليات التفتيش الأمريكية لمنشآت الأسلحة النووية بموجب المعاهدة، واتهمت واشنطن بمحاولة إجراء تفتيش دون إشعار مسبق وسط "القضايا المستمرة التي لم يتم حلها".
وتحدد اتفاقية ستارت الجديدة، الموقعة في عام 2010، لكل جانب 1550 رأسا نوويا استراتيجيا منتشرة على 700 نظام إيصال استراتيجي.
حرب نووية
وفي أغسطس/آب الماضي، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه مستعد للتفاوض مع روسيا بشأن إطار جديد للتحكم في الأسلحة النووية ليحل محل نيو ستارت في عام 2026 عندما تنتهي صلاحيته، لكنه أضاف أن هذا "يتطلب شريكا راغبا يعمل بحسن نية".
وتقول "واشنطن بوست" إنه حتى استئناف الاجتماعات وعمليات التفتيش بموجب اتفاقية "ستارت الجديدة"، فإن الآمال في التفاوض على معاهدة متابعة تبدو قاتمة.
وحذرت افتتاحية لجمعية الحد من الأسلحة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي من أنه مع تفاقم التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا فإنه "من المحتمل أن يكون خطر نشوب حرب نووية أعلى من أي وقت منذ عام 1962"، عندما كانت واشنطن وموسكو على شفا حرب نووية، خلال أزمة الصواريخ الكوبية.