الأمر أبعد ما يكون عن الطيش هذه المرة لا كما حدث في خطابات سباق الترشح،
لا يختلف اثنان على أن حالة الاتحاد الأمريكية تمر بمرحلة غير مسبوقة من التصدّع، فمن خلال عام منذ دخوله للبيت الأبيض لم يترك ترامب فرصة في الصدام مع كل مكونات المجتمع الأمريكي؛ الذي بات يرفض سياساته تجاه كل شيء تقريباً، لاسيما صداماته العنيفة مع خصومه من الديمقراطيين في الشارع الأمريكي والمؤسسات الإعلامية المحسوبة على الديمقراطيين.
واللافت هذه المرة أن ترامب قرر أن يتخذ وضعية هجومية تجاه كل الدول التي صوتت ضد قراره بمن فيهم الحلفاء، ذلك القرار المشؤوم الذي اعتبره "حقاً سيادياً" اعتبر فيه القدس عاصمة لدولة الاحتلال، أمر لم يسبق لرئيس أمريكي أن فعله فيما مضى من خطابات حالة الاتحاد، فالطبيعي أن يحاول الرئيس أن يستفيد من هذه المناسبة ليكسب ود خصومه السياسيين في الكونجرس، وأن يكسب ثقة الشارع عبر استعراض ما تم إنجازه في العام الذي سبق حالة الاتحاد، إضافة إلى استعراض إنجازاته على صعيد السياسة الخارجية، والطبيعي أن ينتظر الشارع إعلاناً عن علاقات طيبة مع العالم لا أن يستعديه بكلمات طائشة.
لكن الأمر أبعد ما يكون عن الطيش هذه المرة لا كما حدث في خطابات سباق الترشح، حيث يشارك في كتابة خطاب حالة الاتحاد فريق من مستشاري الرئيس وهذا يعني أن كل كلمة تُكتَب بعد دراسة لعواقبها وتكون مقصودة تماماً؛ ولهذا فالصدمة كبيرة هذه المرة بكل المقاييس .. طالب الرجل الكونجرس أن يعاقب من صوتوا ضد قراره واصفاً إياهم بالأعداء.. بأن تُمنَع عنهم المساعدات التي تُدفَع من أموال دافعي الضرائب، مشيراً إلى أنه في العام 2016 دفعت أمريكا حوالي 20 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب، ولا أدري إن كان يدرك أي أثر سيتركه هذا التصريح الممتلئ بالعنف في نفوس من وصفهم ب "الأعداء"، وقد شكلوا أغلبية في الجمعية العامة للأمم المتحدة لحظة التصويت ضد قراره.
الرجل لم يُوفَّق في الاستفادة من هذه المناسبة، وهذا التقليد القديم الذي استغله من سبقه من الزعماء الأمريكيين في إظهار حسن النوايا، ليس فقط إلى الداخل الأمريكي والجهة الرقابية والتشريعية في البلاد، بل للعالم بأكمله.
كان يوجّه خطابه حين قال تلك الجملة للداخل الأمريكي ولأعضاء الكونجرس تحديداً، وكان يعني بها سياسات سلفه الديمقراطي أوباما، حيث أشار إلى تاريخها وأنها لم تؤد الغرض المطلوب منها (في خطوة تصادمية أخرى مع الديقراطيين)، لكنني أراهن على أن هذه التصريحات ستكون لها أصداء قوية في الداخل الأمريكي قبل الخارج.. حيث لا يريد المجتمع الأمريكي المسالم غير السلام مع العالم.
كان لافتاً أيضاً لحظة إعلانه عن توقيعه أمراً تنفيذياً يكلف فيه جيمس ماتيس وزير دفاعه بإعادة النظر في سياسة احتجاز الاحتجاز العسكري، وإعادة فتح معتقل غوانتنامو، حيث لم يتمكن ماتيس من إخفاء ذهوله وصدمته لحظة إعلانه ذلك، ومعروف أن الرجل كان معارضاً لتوجه ترامب في هذا الملف ودخل سابقاً في سجالات مع ترامب حول ملفات عسكرية مختلفة أدت إلى تعرضه للاستجواب، والمعروف أن يأخذ الرئيس رأي مستشاريه بمن فيهم وزير الدفاع المعني الأول بترجمة ما يُتخذ من قرارات على المستوى السياسي، وفي هذا إشارة إلى العشوائية التي يتبعها الرجل في إدارته لمفات مهمة.
خلاصة القول أن الرجل لم يُوفّق في الاستفادة من هذه المناسبة، وهذا التقليد القديم الذي استغله من سبقه من الزعماء الأمريكيين في إظهار حسن النوايا، ليس فقط إلى الداخل الأمريكي والجهة الرقابية والتشريعية في البلاد، بل للعالم بأكمله، فتاه حين فضّل أن يتبع أسلوبه الخاص وكسر التقليد القديم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة