أبوجعفر المنصور.. تمثال يوقد نار الطائفية الكامنة تحت الرماد في العراق
مجرد تمثال لباني بغداد أبوجعفر المنصور في العاصمة، كان كافيا ليكشف مدى ترسخ الطائفية في العراق خلال آخر عقدين على الأقل.
وليست هذه المرة الأولى التي يفجر فيها تمثال أبوجعفر المنصور جدلا، فسبق أن هدد أتباع الطائفة الشيرازية بهدمه العام قبل الماضي، لتتحرك قوات الأمن وقتها وتفرض حماية عليه في موقعه بالعاصمة بغداد.
ثم يعود الجدل الجديد القديم مرة أخرى إلى الواجهة خلال الأيام الماضية، ويتحول إلى ساحة مبارزات كلامية أخذت طابعا طائفيا بين السنة والشيعة.
فما الذي حدث؟
ما حدث أن منشدا يدعى مهدي العبودي يتبع جماعة عصائب أهل الحق، من أبرز الفصائل الشيعية المنضوية في إطار قوات الحشد الشعبي، خرج ودعا إلى إزالة التمثال من حي المنصور في بغداد.
وهنا اشتعلت الحرب الكلامية عبر منصات التواصل الاجتماعي، بين من دعم دعوته، بداعي أن تمثاله يحمل إساءة لمشاعر البعض، في إشارة إلى الشيعة، وبين من يرى أن مطالب إزالته دعوات طائفية تستهدف النيل من "أعظم خلفاء بني العباس" وباني بغداد، وأنه جانب من التاريخ لا يمكن محوه من الذاكرة.
ويعتبر المؤرخون أبوجعفر المنصور المؤسس الحقيقي للدولة العباسية، وقد عاش في الفترة من 95 هجرية وحتى عام 158 هجرية، ونظرا لمكانته فقد وضع له هذا التمثال في 6 يناير/كانون الثاني من عام 1977، الذي نحته الفنان العراقي خالد الرحال، ليصبح أحد أشهر معالم بغداد.
عهد أبوجعفر المنصور
حول هذا الجدل، يقول الدكتور أيمن فؤاد أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر إن أبوجعفر المنصور هو مؤسس وباني مدينة بغداد التي تعرف بالمدينة المستديرة، وهو الخليفة العباسي الثاني، وكان عهده مرحلة تأسيس دولة جديدة، ولم تظهر وقتها مسألة السنة والشيعة بالشكل الذي قد يثار في الأذهان حاليا.
وأضاف، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أنه بالتالي الموقف الذي ربما اتخذه بعض الشيعة في الوقت الحالي من بناء تمثال أبوجعفر المنصور، أمر وليد الظروف السياسية التي يمر بها العراق.
وأعرب فؤاد عن اعتقاده أن هذا الموقف ليس ضد أبوجعفر المنصور في حد ذاته، وإنما الأمر يرتبط بموقف مضاد للخلافة العباسية ككل، خصوصا أن المنصور كان الخليفة الثاني، وفي بداية تكوين دولة وثورة على الخلافة الأموية، وبالتالي مسألة السنة والشيعة لم تكن حاضرة عنده.
وكان أبوجعفر المنصور بنى بغداد على الضفة الغربية لنهر دجلة ووضع حجر أساسها عام 145 هجرية، لتكون عاصمة لدولته، بعيدا عن المدن التقليدية الأخرى مثل الكوفة والبصرة، حيث كانت دائما تكثر الثورات والخروج على الحاكم في المدينتين.
تشييع للثقافة؟
الدكتور غازي فيصل مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية يقول، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن الشيعة رفضوا وجود تمثال أبوجعفر المنصور، لأنهم لا يعترفون من الأساس بالخلفاء الراشدين، باستثناء علي بن أبي طالب.
وأوضح أنهم لا يعترفون كذلك بخلفاء الدولة الأموية إلى جانب العباسية، بل ويعتبرون أنهم سرقوا الخلافة من آل البيت، معربا عن اعتقاده أن ما جرى بشأن هذا التمثال يأتي في سياق الطائفية والتمييز المذهبي ومحاولة تشييع الثقافة والمجتمع، مشددا على أن هذا "منهج الأحزاب الدعوية الإسلامية الشيعية"، على حد قوله.
وحول ما إذا كان من وضع تمثال أبوجعفر المنصور يعلم وقتها أنه سيفجر هذا الجدل، نفى الدكتور غازي فيصل ذلك على الإطلاق، قائلا إن التمثال وضع لباني مدينة بغداد في الحقبة العباسية.
وأضاف أن الدولة العباسية تعتبر "دولة الحضارة الإسلامية" بعد الدولة الأموية، وتمثل جانبا مهما من التاريخ الإسلامي وحضارته، لكن الأحزاب الدعوية الشيعية لديها نظرة عكس هذا تماما، وفقا له.
ومنذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وهذا البلد العربي يعاني انقساما طائفيا بين السنة والشيعة، وصل في كثير من الأوقات إلى الصدام المسلح، وهي الأزمة التي وفرت بيئة مواتية لكثير من التنظيمات الإرهابية.
aXA6IDE4LjIyNS4yNTUuMTk2IA== جزيرة ام اند امز