"سكون" الصناعة في أوروبا.. هل تهاجر الشركات إلى أمريكا؟
لن يكون البرد القارس هو الخطر الوحيد الذي يهدد أوروبا، في ظل أزمة الطاقة التي خلفتها الحرب الروسية في أوكرانيا، فهناك العديد من المخاطر التي تحاصر القارة العجوز.
في ظل أزمة الطاقة المتفاقمة، ومع الارتفاع الجنوني لأسعار الغاز، تواجه أوروبا هروب صناعتها ووظائفها ورأس مالها نحو الولايات المتحدة.
تغيير المشهد الصناعي في أوروبا، أصبح قريبا ووشيكا، حيث يشعر صانعو السياسة والمحللون الأوروبيون بالقلق بشكل متزايد من أن الشركات يمكن أن تحزم أمتعتها وتغادر إلى الولايات المتحدة.
وهو ما وصفه، فابريس لو ساتشي، المتحدث باسم أكبر اتحاد تجاري في فرنسا (MEDEF)، بأنه كارثة وقال "احتمال خسارة الشركات لصالح الولايات المتحدة يمثل كارثة على اقتصادنا".
بعد ارتفاع الغاز الطبيعي في أوروبا إلى 40% من تكاليف التشغيل من 4% قبل عام اضطرت العديد من الشركات إلى وقف الإنتاج.
تنتقل الشركات في جميع أنحاء أوروبا إلى وضع السكون، لقد أوقف صانعو الأسمدة الثقيلة الإنتاج تقريبا، وأغلقت شركة صناعة الصلب ArcelorMittal مؤقتا مصانع في فرنسا وإسبانيا وألمانيا وبولندا.
أيضا، خط التجميع في مصنع دورالكس للأواني الزجاجية في وضع الخمول، ومعداته الصناعية الضخمة مظلمة، ولا تعمل.
وسط هذه الأوضاع المؤلمة في أوروبا، وفي ظل المستقبل الضبابي، والتوقعات بتفاقم أزمة الطاقة، على الجانب الآخر من الأطلسي تجد الشركات الأوروبية المنقذ والملاذ المناسب لها.
الحديث متزايد عن تراجع التصنيع في أوروبا، مما يؤدي إلى البطالة وتغيير نمط الحياة وربما الاضطرابات الاجتماعية.
هناك في الولايات المتحدة، حيث تتوافر الطاقة الرخيصة، والدعم الحكومي للشركات، وهو ما يزيد من فرص هجرة الشركات الأوروبية وأصحاب رأس المال نحو واشنطن الأكثر استقرارا.
قانون خفض التضخم الأمريكي مثل حافزا قويا للشركات الأوروبية لبدء مرحلة جديدة في الولايات المتحدة، فالقانون الذي تم تمريره مؤخرا، يوفر 369 مليار دولار في الإنفاق الذي يشمل الإعانات لدعم الشركات التي تستثمر في الطاقة المتجددة، وفقا لـ"NPR".
في هذه الأزمة، تتجه أصابع الاتهام نحو الحرب في شرق أوروبا، والقرارات العقابية التي فرضتها أوروبا وواشنطن على روسيا، وما تبعها من رد روسيا التي تمثل المصدر الأهم للطاقة للقارة العجوز.
ما الحل.. هل ستقف أوروبا مكتوفة الأيدي أمام هجرة شركاتها نحو وجهات أخرى؟
بعض المحللين يرون أنه كان على صانعي السياسة في الاتحاد الأوروبي أن يخففوا من طموحاتهم لمكافحة تغير المناخ وأن ينظروا في الجهود المبذولة نحو استقلال الطاقة في أوروبا.
هذه الرؤية يتبناها، فرانسوا ريجيس موتون، المدير الإقليمي لأوروبا في الاتحاد الدولي لمنتجي النفط والغاز، والذي أكد أن الصناعات التي ستغلق أبوابها في أوروبا لن تبدأ أو لن تعود من جديد.
الزعماء الأوروبيون على دراية بالحاجة الجادة للطاقة، لملء الفراغ الناجم عن خفض روسيا للغاز، وهو ما اضطر بعض الدول للعودة مرة أخرى إلى الفحم، وضربت عرض الحائط بتعهدات أوروبا بالتخلي عن الوقود الأحفوري، والوصول إلى حياد الكربون بحلول عام 2050،
قبل الحرب في شرق أوروبا، التزمت ألمانيا بالتخلص التدريجي من الفحم بحلول نهاية العقد، ولكن بدلا من إغلاق العديد من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بحلول نهاية هذا العام، يتم إحياء 20 محطة أو تمديدها إلى ما بعد تواريخ إغلاقها لضمان طاقة كافية لتجاوز فصل الشتاء.
قد يكون مصنع دورالكس للأواني الزجاجية هو أكبر مثال على المشهد الضبابي الذي تعانيه الصناعة في أوروبا متأثرة بأزمة الطاقة التي فرضتها الحرب.
في الظروف العادية، كان المصنع يعمل به نحو 250 موظفا، ينتجون ما يقرب من 200 ألف كوب ووعاء، الآن، أوقف المصنع الفرنسي عملياته لأن تكاليف الإنتاج ارتفعت بعد أن قلصت روسيا صادراتها من الغاز الطبيعي إلى أوروبا، أدى ذلك إلى إجازة العديد من عمال المصنع.
الارتفاع الصاروخي في أسعار الطاقة قد يؤدي إلى تحطيم صورة صانع الزجاج الشهير.
مصنع دورالكس، الذي يصدر 80% من منتجاته، شه العديد من الارتفاعات والانخفاضات منذ تأسيسه في عام 1945. لكنه لم يصل إلى هذه الدرجة من التراجع طيلة تاريخه.
الأوضاع في دورالكس، تمثل صورة بسيطة للمشهد الصناعي في أوروبا، هل تتحرك القارة العجوز لإنقاذ صناعتها ومستقبلها؟ أم تقف مكتوفة الأيدي أمام رحلات الهروب نحو الولايات المتحدة؟