تيار "المستقبل": عون أفضل من الخراب
بعد سنوات من التعطيل والشلل وضع الجميع أمام خيارات أحلاها مر، تحديداً تيار "المستقبل"، الذي يعتبر رأس حربة المشروع المضاد، والذي بات في موقع لا يحسد عليه، ولا يملك فيه سوى المفاضلة بين الخيارات السيئة
نجح "حزب الله" في أسر لبنان وترهيبه، بعد سنوات من التعطيل والشلل وضع الجميع أمام خيارات أحلاها مر، تحديداً تيار "المستقبل"، الذي يعتبر رأس حربة المشروع المضاد، والذي بات في موقع لا يحسد عليه، ولا يملك فيه سوى المفاضلة بين الخيارات السيئة، التي يعترف فيها، ويحاول الاختيار بينها، بما يحقق ضرراً أقل.
يوم الأربعاء انعقدت الجلسة النيابية رقم 45 لانتخاب رئيس للجمهورية، لم تحمل الجلسة جديداً كالعادة، وتأجلت العملية الانتخابية مجدداً إلى 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، لكن في المضمون بدا واضحاً للمرة الأولى أن كل ما أشيع في المرحلة الماضية من احتمال سير تيار "المستقبل" في خيار انتخاب رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون حقيقي.
المؤشرات على التحول الرئيسي في موقف "المستقبل" بدأت بالبروز منذ عودة رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري إلى بيروت قبل أيام، حيث ربط البعض وخصوصاً في "التيار الوطني الحر" وقوى "8 آذار" هذه العودة بحلحلة ممكنة على صعيد الملف الرئاسي، واستند الفريق المتفائل بالعودة بما كان يقال عن اجتماع عقد في باريس بين رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل، ومدير مكتب الحريري نادر الحريري، تم خلاله الاتفاق على الخطوط العريضة.
منذ العودة هذه بدأ الحريري جولة من المباحثات والمشاورات داخل تياره، الذي يضم فريقاً وازناً معارضاً لانتخاب عون، وعلى الصعيد اللبناني العام أيضاً، حط في دارة رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية، وتباحث معه في الشأن الرئاسي، وأشاع الجميع أجواء إيجابية عن اللقاء، من دون تأكيد استمرار ترشيح الحريري لفرنجية من عدمه.
بعد ساعات من الجلسة الانتخابية الفاشلة، ويوم على لقاء الحريري - فرنجية، غرد الأخير عبر موقع "تويتر" بما يشبه النعي للقاء، على الرغم من كل ما قيل، وقال فرنجية ناصحاً الحريري: "إذا اتفق الحريري مع عون وسمّاه لرئاسة الجمهورية سيحصد نفس النتيجة حينما سمّى الرئيس أمين الجميل عون رئيساً للحكومة سنة ١٩٨٨"، في إشارة إلى ما حصل في نهاية عهد الجميل عندما نفذ عون الذي كان قائداً للجيش انقلاباً عسكرياً.
قبل موقف فرنجية الأول من نوعه منذ أن حظي بدعم الحريري للوصول إلى سدة الرئاسة، كانت كتلة "المستقبل" عقدت اجتماعاً لها خلص إلى التأكيد على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، من دون الإشارة إطلاقاً إلى موقفها من ترشيح فرنجية، وهو ما اعتبر البيان الأول الذي يخرج عن ثوابت "التيار" رئاسياً منذ تبني ترشيح فرنجية.
وما كان في الساعات الأخيرة مجرد إشاعات ينفيها تيار "المستقبل" تحول إلى حقيقية، إذ يردد كثر أن "التيار" بات أقرب إلى انتخاب عون إن كان هذا هو المخرج الوحيد للخروج من المراوحة السياسية، ويعطف كسر تنازل "المستقبل" هذا إلى مخاوف جدية على مصير البلد في ظل الوضع الراهن، وفي ظل التصعيد في الميدان الإقليمي.
وفي هذا السياق، يقول القيادي البارز في "التيار" والنائب السابق مصطفى علوش لـ"العين" إن الرئيس الحريري يقوم بمسعى لكسر الحالة الراهنة، والخيارات المطروحة من بينها عون، ومبينة على نصائح "القوات اللبنانية"، ومستندة إلى مقولة أن هدف "حزب الله" وتبني عون يحشره، لكن هذا ليس الخيار الوحيد أو النهائي.
ويحذر علوش من استمرار الفراغ في لبنان "ضمن الجو الإقليمي الحالي، خصوصاً أن المنطقة دخلت مرحلة التفتيت، وإيران والميليشيات الشيعية منتشرة من إيران إلى المتوسط، وسط غياب واضح للقوى المؤيدة لمنطق 14 آذار".
ويشدد علوش على أن تحرك الحريري الحالي هو "محاولة لتثبت الكيان اللبناني من خلال رئاسة الجمهورية، ولاحقاً عبر تشكيل حكومة، وانتخاب مجلس للنواب، على أمل أن يمنع ذلك البعض من التلاعب بمصير الكيان اللبناني في المرحلة المقبلة، التي قد تشهد أيضاً لعبة أمنية من قبل "حزب الله" من أجل وضع لبنان بشكل مباشر تحت الوصاية الإيرانية.
وإن كان الحريري أطلق فعلياً مرحلة مشاورات مكثفة قادته إلى بكفيا للقاء الرئيس الجميل بعد فرنجية، بانتظار لقاء قيادات أخرى، إلا أن مصادر سياسية مطلعة تؤكد أن انتخاب الرئيس لا يمكن أن يتم حتى لو أعلن الحريري تأييد عون، خصوصاً أن هناك أطرافا أخرى مؤثرة مسيحياً، التي عبر عنها مؤخراً النائب دوري شمعون، عندما دعا عون إلى تقديم تقرير طبي بما أنه تجاوز الثمانين لتبيان وضعه صحياً قبل الترشح الى المنصب.
لكن من يقف حالياً حجر عثرة بقوة في وجه عون هو الثنائي النائب وليد جنبلاط ورئيس مجلس النواب نبيه بري، خصوصاً أن الأول أوفد وزير الصحة وائل أبو فاعور إلى المملكة العربية السعودية، كما غرد لاحقاً بالقول: " يا لطيف تجعل البلاء خفيف"، فيما يرفض الثاني التعليق، خصوصاً أن علاقته بعون ليست جيدة. وكان بعض النواب نقلوا عن بري قوله: "ليس لدي شي حتى الآن بشأن ما يُثار ويقال حول الرئاسة والحراك الحاصل".