أما لغة السياسة عند أردوغان ووزرائه فقصة أخرى، فهم لا يستطيعون معالجة الأمور كرجال دولة، ولا يستطيعون تناول القضايا في شقها الموضوعي.
إن المتابع للخطاب الدبلوماسي التركي في عهد رجب طيب أردوغان يخرج بحقيقة واحدة؛ هي أن هناك درجة عالية من الانحطاط والتدني في التعامل السياسي مع كل من يقف في طريق تحقيق طموحات أردوغان المتوهمة في إعادة الخلافة العثمانية، أو ما كان يسميه هو وفريقه الحزبي "العثمانية الجديدة"، وهذا الانحطاط في لغة الخطاب يعود إلى الطبيعة الشخصية للرئيس التركي الذي نجح بتحويل النظام السياسي التركي إلى نظام الشخص الواحد، والزعيم الواحد؛ تماما مثل الزعامات الشيوعية التي لفظتها الشعوب، ولم يبق منها إلا نموذج كوريا الشمالية.
أردوغان شخص يعاني من عقد الطفولة، ويحاول أن يهرب منها بأي ثمن، فقد كان لنشأته المتواضعة، وبساطة حاله والمهن التي احترفها في شبابه، حين كان يبيع "السوبيا" والبطيخ للمارة في الطرقات، هذه النشأة المتواضعة إما أن تخلق إنساناً عظيما مثل "لولا دي سيلفا" بطل البرازيل ورئيسها السابق وصانع نهضتها الذي كان يفخر أنه عمل في طفولته ماسحاً للأحذية، أو أن تخلق مريضا بالعظمة، معقداً من تاريخه، يتصنع لنفسه شكلا ودورا، ومكانة ليعوض بها كل مشاعر النقص، والدونية المتجذرة في أعماق وجدانه مثل أردوغان.
وحين يتكلم أردوغان تراه وقد تحول إلى مُعلم يدير مقهى شعبيا في مدينة قديمة، يرفع صوته بصورة مزعجة؛ تسحب الهواء من المحيط، وتنشر فيه التوتر والصراخ، فمع خروج كلماته البذيئة تنتفخ أوداجه، وتجحظ عيناه، وتمتلئ شفتاه باللعاب، ويتحول وجهه إلى اللون الدموي؛ الذي يعكس ما في نفسه من غضب وحقد وتوتر، صوت أردوغان يفضح تاريخه، ويكشف مكنون نفسه، فهو لم ينل قسطاً من تعليم حقيقي، إلا لماما من دروس الخطابة والوعظ التي لم تكن له هدفا ولا غاية. صوت أردوغان يعكس مركب العقد التي يعاني منها منذ صغره، ولم يستطع أن يتحرر من آثارها رغم طول الزمن الذي قضاه منعما في هيلمان السلطان، وقصور آل عثمان، فصوته وكلماته تقول إنه شخص ضعيف مغرور، منكسر ومتكبر، مملوء بالغطرسة والجبن، تتصارع في نفسه كل قوى الضعف، ويحاول التغلب عليها بالبذاءة والصراخ، تراه يتعالى على القريب والقرين، ويتواضع أمام القوي بصورة هزيلة، ومواقفه مع القيصر الروسي خير دليل.
أما لغة السياسة عند أردوغان ووزرائه فقصة أخرى، فهم لا يستطيعون معالجة الأمور كرجال دولة، ولا يستطيعون تناول القضايا في شقها الموضوعي، أو تناول الخلافات مع الدول الأخرى بصفتها خلافات بين كيانات كبيرة هي الدول، ولا يستطيعون النظر للعلاقات بين تركيا والدول الأخرى كعلاقات بين دول. تراهم دائما لا يستطيعون الخروج من جلباب المعلم الذي يدير مقهى في حي شعبي في مدينة قديمة، دائما يقومون بشخصنة كل شيء، وكل قضية، وكل علاقة، ودائما يخاطبون رؤساء الدول والحكومات التي تدخل في خلاف معهم بصورة شخصية، فتكون وسيلتهم السباب والشتائم، والإهانة، والتهديد..... إلخ؛ وذلك على الرغم من أن أردوغان ومساعدوه يرفعون شعار الإسلام، وهم يعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء"
من لوازم اللغة السياسية عند أردوغان ووزرائه في التعامل مع حكام الدول الذين يدخلون معهم في خلاف؛ عبارات لا ترد إلا على ألسنة الفتوات والمعلمين أرباب الحرف مثل: " اعرف مع من تتكلم.. أنت لست من مستواي.. اعرف مركزك ومقامك.. سوف نعاقب فلانا أو فلانا.. لن نقف مكتوفي الأيدي.. سنؤدب فلانا.. وقد كانت أشد عبارات أردوغان فظاظة حين وجه خطابه للرئيس الفرنسي ماكرون بقوله: "أنت الميت دماغيا"، وذلك تعليقاً على وصف ماكرون لحلف الأطلنطي بأنه "ميت دماغيا"، وقد اعترضت الخارجية الفرنسية على هذا الأسلوب.
كل ذلك يحدث لأن أردوغان لم يكن، ولن يكون رجل دولة، لأن أول شروط رجل الدولة أن يتمالك أعصابه، ولا يكون أبدا سريع الغضب مثل أردوغان؛ الذي يدعي تمثيل الإسلام ويخالف أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالبعد عن الغضب وكذلك من أهم خصائص رجل الدولة أن يتحدث بلغة دبلوماسية مقننة راقية، ومن المستحيل أن يتجاوز حدود الأدب. أردوغان بعيد عن أبسط قيم وأخلاق الإسلام في سلوكه اللفظي وفي مظهره، ورغم ذلك يدعي لنفسه، ويدعي له الآخرون أنه النموذج والقدوة لحركات وتنظيمات وأحزاب تنسب نفسها للدين الحنيف، وهذه الأحزاب وأردوغان من الإسلام براء لسوء أخلاقهم، وما اقترفته أيديهم من سفك دماء المسلمين في سوريا وليبيا وغيرهما.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة