الإجهاد يربك الهرمونات ويهدد توازن الجسم والصحة

كشف باحثون من جامعة كولومبيا الأمريكية عن حلقة مفقودة تشرح كيف يمكن للإجهاد النفسي أن يترك بصمته على صحة الجسد.
بحسب دراسة جديدة نُشرت في دورية "نيتشر ميتابوليزم"، تبين أن الهرمون المعروف باسم "FGF21"، الذي لطالما ارتبط بتنظيم عملية التمثيل الغذائي ومستويات السكر في الدم، يعمل أيضا كـ"هرمون للإجهاد"، يتأثر مباشرة بالحالة النفسية ويؤثر في المقابل على وظائف الجسم الحيوية.
يقول البروفيسور مارتن بيكارد، المؤلف الرئيسي للدراسة وأستاذ الطب السلوكي في جامعة كولومبيا "لأول مرة نثبت أن هرمون (FGF21) يستجيب للإجهاد النفسي، ليشكل جسرا هرمونيا بين العقل والجسد".
ويشرح الباحثون أن هذا الاكتشاف يوسع مفهوم "هرمونات التوتر" التقليدية ليشمل آليات جديدة تربط الحالة النفسية بوظائف الأيض، ما قد يفسر لماذا يؤدي الضغط النفسي المزمن إلى اضطرابات مثل السمنة والسكري وأمراض القلب.
في التجارب التي أُجريت على متطوعين أصحاء وآخرين مصابين باضطرابات في الميتوكوندريا (مصانع الطاقة في الخلايا)، لاحظ العلماء أن مستويات "FGF21"، تتغير بسرعة عقب التعرض لموقف ضاغط، لكنها تعود إلى طبيعتها خلال ساعة ونصف لدى الأصحاء، بينما ترتفع بشكل مطرد لدى المصابين، مما يشير إلى اختلاف جوهري في استجابة الجسم للإجهاد تبعًا لحالته الخلوية.
ويقول الدكتور مانغيش كورادي، الباحث المشارك في الدراسة: "نتائجنا تكشف محور ضعف جديد يربط بين الحالة الاجتماعية والنفسية وصحة الميتوكوندريا، بما ينعكس مباشرة على خطر الإصابة بالأمراض الأيضية المزمنة".
ولتأكيد النتائج، استعان الفريق ببيانات أكثر من 20 ألف مشارك من قاعدة بيانات البنك الحيوي البريطاني، إلى جانب بيانات من دراسة "MiSBIE" المستمرة بجامعة كولومبيا، والتي تربط بين الضغوط الاجتماعية والمؤشرات البيولوجية.
وأظهرت التحليلات أن مشاعر الوحدة والإهمال في الطفولة أو الانفصال العاطفي ترتبط بارتفاع مستويات الهرمون، بينما ترتبط العلاقات الاجتماعية القوية والدعم العاطفي المنتظم بانخفاضه، ما يشير إلى أن "FGF21" يمكن أن يعكس حالة الفرد النفسية والاجتماعية على المدى الطويل.
ويعلق الدكتور ميتسيو هيرانو، أستاذ طب الأعصاب في المركز الطبي لجامعة كولومبيا: "يبدو أن هذا الهرمون لا يستجيب فقط للإجهاد اللحظي، بل يعكس أيضا نوعية حياة الإنسان العاطفية والاجتماعية مع مرور الوقت".
ويرى العلماء أن تحديد "FGF21" كهرمون يربط بين الإجهاد والتمثيل الغذائي قد يمهد لتطوير أدوات جديدة لمراقبة تأثير التوتر على الجسم، وربما تصميم علاجات موجهة لصحة نفسية وجسدية أكثر توازنا.
ويختم بيكارد قائلًا: "هذا الاكتشاف يقربنا من فهم أعمق لكيفية ترجمة تجاربنا الحياتية،علاقاتنا، ضغوطنا، ومرونتنا، إلى إشارات بيولوجية، إنها خطوة نحو رؤية أكثر شمولية للصحة الإنسانية".