دعوة للإضراب.. الاتحاد العام للشغل يستبق رئاسيات تونس بالتصعيد
تصاعدت حدة التوتر بين الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر نقابة عمالية في البلاد والحكومة التي تتأهب لانطلاق الدعاية بانتخابات الرئاسة.
فعلى الرغم من مساندته للإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في صيف 2021، ودعمه الإطاحة بحكم الإخوان، فإن الأزمة بين السلطة والاتحاد توترت في الأشهر القليلة الماضية، على خلفية توقيف نقابيين بتهم تتعلق بالفساد، ورفض مطلب الحوار الوطني الذي تقدم به الاتحاد.
وفيما تترقب الساحة السياسية في تونس استحقاق انتخابات الرئاسة الشهر المقبل، أقر المجلس الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل أمس الأحد، مبدأ الإضراب العام في القطاع الحكومي، دون تحديد موعد لتنفيذه، احتجاجاً على ما قال إنه "ضرب السلطات حق التفاوض والحوار الاجتماعي وعدم احترام الحق النقابي". ويمثل القرار تحدياً لحكومة سعيد.
وأعلن موقع "الشعب نيوز" المتحدث باسم الاتحاد العام التونسي للشغل، أن اللائحة العامة للمجلس الوطني للاتحاد، الذي عُقد من الخامس إلى السابع من سبتمبر/أيلول الجاري، تبنت مبدأ الإضراب العام في القطاع العام والوظيفة العمومية. وذكر أن المجلس الوطني للاتحاد فوض الهيئة الإدارية الوطنية لاتخاذ قرار الإضراب العام وموعده.
وسبق أن وجه الاتحاد انتقادات متكررة للرئيس قيس سعيد، كما حذر الثلاثاء الماضي من أن قرارات هيئة الانتخابات التونسية بخصوص إقصاء ثلاثة مرشحين من خوض الانتخابات الرئاسية، من شأنها أن "تكرس النهج الانفرادي".
ويرى مراقبون أن الاتحاد فقد تأثيره على التونسيين، الذين يعتبرونه متسببا رئيسيا في ما آلت إليه البلاد من إفلاس، بسبب كثرة الإضرابات التي نفذها خلال السنوات العشر الماضية وبسبب ابتعاده عن العمل النقابي والتدخل في العمل السياسي.
وقال الناشط والمحلل السياسي التونسي نبيل غواري، لـ"العين الإخبارية" إن الأزمة احتدمت بين الاتحاد والسلطة "بسبب تجاهل الحكومة لدور الاتحاد ولمطالبه"، موضحا أن "الاتحاد كان من بين المتسببين الأساسيين في الأزمة التي عاشتها البلاد خلال العشر سنوات الماضية، إذ يطالب التونسيون بوضع حد لتغوّل النقابات، والذي مثل أحد أسباب الأزمة في تونس".
وأضاف أن الاتحاد استنفد كافة أوراقه خلال معركة لي الأذرع التي خاضها من أجل ابتزاز السلطة السياسية القائمة، كما فشل في تأليب الشارع على الرئيس قيس سعيد، موضحا أن التهديد بالإضراب العام لن يكون له تأثير خاصة في ظل نفور التونسيين من سياسات الاتحاد الذي يعتبرونه شريكا في الحكم خلال العشر سنوات الماضية.
وأكد أن الاتحاد دعم في البداية الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها قيس سعيد في 25 يوليو 2021، لأنه اعتبرها خطوة هامة لإنهاء حكم الإخوان.
وأشار إلى أن قيادة الاتحاد فضلت في البداية عدم الاصطدام مع السلطة الحاكمة بسبب الوضع الداخلي للاتحاد نفسه، ولنفور عموم التونسيين من عدد من النقابات التي أفرطت في تنفيذ الإضرابات والمطالبة برفع الأجور والمنح على حساب المصلحة العامة ما أضر بموازنة الدولة.
ووفق إحصائيات مكتب الدراسات والتخطيط والبرمجة بوزارة الشؤون الاجتماعية، فإنه قد تم تسجيل مليوني يوم عمل ضائعة بين عامي 2010 و2018 بسبب الإضرابات، ما يعكس إضراب أعداد كبيرة من المشتغلين.
كما بيّنت الاحصائيات أنّ عدد الأيّام التي تعطل الإنتاج فيها بين عامي 2010 و2014 سجّلت زيادة قياسيّة تعادل نسبتها 384%.
وأوضح أن الإضرابات خلال العشر سنوات الماضية تسبب في تعطيل عمل الدولة ومؤسساتها وفي تعطيل التنمية والاستثمار.
من جهة أخرى، قال عبدالكريم المحمودي الناشط السياسي التونسي، إن علاقة الاتحاد بالسلطة ليست وليدة اليوم.
وأكد المحمودي، في حديث لـ "العين الإخبارية"، أنه منذ خمسينيات القرن الماضي راوحت علاقة الاتحاد العام التونسي للشغل بالسلطة بين التوتر والصدام، والمشاركة والمهادنة في أحيان أخرى.
وأوضح أن الاتحاد منذ تأسيسه في 20 يناير/كانون الثاني 1946، لعب دورا هاما في كل المراحل السياسية الفاصلة في تاريخ تونس الحديث وبناء دولة الاستقلال (1956).
وأضاف: "تاريخيا، اصطدم الاتحاد العام التونسي للشغل بالسلطة، في أحداث يناير /كانون الثاني 1978، أو ما يعرف بالخميس الأسود، حيث تم حينها سجن أغلب قيادات المنظمة النقابية، وعلى رأسهم الأمين العام للمنظمة وحليف الحبيب بورقيبة السابق الحبيب عاشور، ثم أحداث الخبز الدموية عام 1984 التي راح ضحيتها أكثر من مئة قتيل".
وأشار إلى أن الاتحاد لعب دورا هاما في الاطاحة بنظام زين العابدين بن علي، حيث قاد جميع المظاهرات سنة 2011، كما لعب دورا هاما بعد اغتيال القياديين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، في إدارة الحوار الوطني بين حكومة "حركة النهضة" والمعارضة، ما أسفر آنذاك عن إجراء انتخابات تشريعية مبكرة في أكتوبر/تشرين الأول 2014، ورئاسية في ديسمبر/كانون الأول 2014.
وقال إن الاتحاد مع القيادة الحالية لم يعد له تأثير يذكر على التونسيين، خاصة مع تنامي الخلافات داخل الاتحاد نفسه.
ويعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل هو أقوى منظمة مدنية تونسية، ويضم ما لا يقل عن 80 في المائة من موظفي الدولة، وتأسس على يد الزعيم النقابي فرحات حشاد، الذي اغتالته فرنسا بمدينة رادس جنوب تونس العاصمة في 5 ديسمبر/كانون الأول 1952.
aXA6IDQ0LjIwMC45NC4xNTAg جزيرة ام اند امز