السلطة في إيران.. مسارب مجلس طهران تكشف الصراع
بعد أقل من ساعة من تنصيب أعضاء مجلس مدينة طهران، تصدرت محادثة بين السياسي المتشدد "مهدي جمران"، الرئيس الجديد لمجلس مدينة طهران،
ونرجس سليماني، عضو آخر في المجلس، عناوين الصحف حول انتخاب رئيس بلدية طهران.
ونرجس سليماني هي البنت الكبرى لقائد مليشيا فيلق القدس السابق قاسم سليماني، وقد فازت بعضوية مجلس مدينة طهران في الانتخابات التي جرت بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية في يونيو/حزيران الماضي.
وفي ملف صوتي نُشر في وسائل الإعلام، قال مهدي جمران لابنة قاسم سليماني: "الليلة الماضية عشت إحدى أسوأ الليالي، كانت أسوأ من الحرب مع العراق".
وقال جمران وهو يتحدث عن "أشخاص" هددوا أعضاء مجلس المدينة وطلبوا منهم التصويت لشخص معين، قائلاً "إنهم يخيفون بعض الناس، لقد هددوهم على الإطلاق... قيل لهم إننا سنفعل ذلك إذا لم تصوت".
وأفادت وسائل إعلام إيرانية بأن عضو البرلمان المتشدد علي رضا زكاني، المرشح الرئاسي الذي انسحب لصالح إبراهيم رئيسي، انتخب رئيسا للبلدية في اقتراع سري قبل تولي المجلس منصبه، لكن هذه المعلومات نفاها جمران وقال إن القرار الرسمي سوف يتم اتخاذه يوم غد الأحد.
وتمارس "بعض" الضغوط على الأعضاء الجدد في مجلس مدينة طهران، بينما أُعلن في الأسابيع الأخيرة مبدئيًا عن ترشيح 41 شخصًا لمنصب عمدة طهران، وانسحب المرشحون واحدًا تلو الآخر من المنافسة. وبحسب محمد مهاجري، الناشط الأصولي، وصل المرشحان أخيرًا إلى المرحلة النهائية بـ"زخرفة خرزية".
لكن إصدار هذا الملف الصوتي شكك في عملية انتخابات رئاسة بلدية طهران، والآن يواجه مجلس المدينة معضلة كبيرة حول ما إذا كان سيتم انتخاب علي رضا زاكاني أم لا.
وفي غضون ذلك، يطرح السؤال حول من أزعج نوم مهدي جمران ولماذا يرى الأخير أن الوضع "أسوأ مما كان عليه في أثناء الحرب مع العراق".
وخلال هذه السنوات انتشرت في بعض الأحيان كلمات وخطب وكتابات عن المافيا خلف كواليس السلطة التي رفعت زاوية خلف ستار (الجمهورية الإسلامية).
الضغط والتهديد سمة السياسة في إيران، وليس من الضروري الرجوع إليها منذ سنوات، وخلال نفس الانتخابات الرئاسية، تم الإدلاء بأربعة تصريحات على الأقل من قبل مسؤولين وأفراد مقربين من النظام، وظهرت فيها آثار لمسؤولين أمنيين وعسكريين وأفراد معينين.
وبعد يوم واحد من يوم الانتخابات، تحدث وحيد حقانيان، نائب المدير التنفيذي للمرشد الأعلى لإيران، في مقال له عن "ضغوط شديدة من بعض الأشخاص" الذين يسعون إلى الإطاحة بالمرشحين المتبقين".
وأظهر الإفراج عن مقال حقانيان أن هذا التيار "الخاص" يعمل حتى خارج مكتب المرشد الأعلى لإيران، ولديه المبادرة من وراء الكواليس، بينما تكهن عدد من وسائل الإعلام والمحللين بأن غرفة قيادة الانتخابات موجودة في مكتب المرشد الأعلى، لكن هذا المنشور كشف النقاب عن صورة أخرى لهذه العملية.
وكان لهذه المقالة "رمز" ومرجع خاص، وفي وسائل الإعلام الحكومية، سُمع صوت وكالة أنباء تسنيم التابعة للحرس الثوري، انتقدت الوكالة ما قاله حقانيان، معتبرة أن ما ذكره "قضية تضر بسمعة (الجمهورية الإسلامية) ومرشدها علي خامنئي".
وفي مثال آخر، قد يكون خبر انسحاب أمير حسين قاضي زاده هاشمي من الترشح للانتخابات الرئاسة، والذي نشر في وكالة أنباء فارس وإذاعة وتلفزيون إيران، دليلاً على احتراف وحيد حقانيان، وبدا أن "بعض الناس" يتحدثون أن هناك جهات من وراء الكواليس، ضغطت على قاضي زاده هاشمي لسحب ترشحه لصالح إبراهيم رئيسي.
وأيضا في يونيو/حزيران الماضي، بعد استبعاد مستشار خامنئي علي لاريجاني من الترشح من الانتخابات، كشف شقيقه صادق لاريجاني، عضو مجلس صيانة الدستور، ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام عن "المشاركة المتزايدة" لقوات ومؤسسات الأمن في قرارات مجلس صيانة الدستور لاستبعاد المرشحين.
وكتب صادق لاريجاني على تويتر: "يعود سبب هذه الاضطرابات إلى حد كبير إلى تزايد تدخل الأجهزة الأمنية".
وتم "توبيخ" صادق لاريجاني من قبل المجلس بعد أن قال ذلك، وطُلب منه توخي الحذر فيما قاله، وفي يونيو/حزيران الماضي وفي ذكرى وفاة مؤسس النظام في إيران آية الله روح الله الخميني، المرشد علي خامنئي أيد ضمناً كلام لاريجاني وطالب "بتعويض"، لكن مجلس صيانة الدستور وقوات الأمن لم يخضعوا لدعوة خامنئي.
وفي مثل هذه الظروف يطرح التساؤل هل هناك علاقة بين ضغط "أشخاص معينين" على مجلس مدينة طهران لاختيار مرشح خاص.
من جهته، قال علي رضا زاكاني، عضو البرلمان الإيراني، إن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي طلب منه أن يصبح رئيسًا لبلدية طهران بدلاً من تولي منصب حكومي.
وسبق أن أعلن أن رئيسي لن يتدخل في انتخاب رئيس بلدية العاصمة الإيرانية.
في عام 2013، تحدث حسن روحاني عن فساد يشمل "المخابرات وأجهزة الدولة والمواقع الإلكترونية والصحف ووكالات الأنباء".
الدولة السرية
ويبدو أن "الدولة السرية" أو مافيا السلطة تعمل على تطوير وسائل الإعلام المستهدفة، أحيانًا من خلال النفوذ الاقتصادي والجشع المالي، وأحيانًا من خلال النفوذ الأمني، وهي سمينة لدرجة أنه من المستحيل التعامل معها.
منتقدو حكومات الظل، مثل النائب السابق مسعود بزشكيان ومهدي جمران، لا يخاطرون بسبب وصولهم إلى المعلومات والأخبار، وهم لا يفضحون أنفسهم ويلتزمون الصمت أو يفوضون المعلومات المتعلقة بها إلى شخص آخر.
وقال بزشكيان، الذي كان أيضًا وزير الصحة في حكومة الإصلاح الثانية في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي، "كنت وزيرًا، لكن سلطتي كانت في أيدي 25 وحدة ومنظمات وأجهزة أخرى، ثم في النهاية كان علي أن أتحمّل المسؤولية، وينطبق الشيء نفسه على الوزارات الأخرى".
واعترف حسن روحاني في الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء قبل خمسة أيام بأنه لم يخبر الناس ببعض الحقائق خلال فترة رئاسته، لأنه "لم يكن من الممكن قول الحقيقة كاملة" من أجل الوحدة الوطنية.
وكانت هذه السياسة هي العنوان الرئيسي للمسؤولين الحكوميين الإيرانيين لسنوات، ولم يتم فك رموزها حول الأشخاص وراء الكواليس وعصابات السلطة.