ذكرى 11 أبريل.. صمود سوداني يسقط عرش البشير
في مثل هذا اليوم اقتلع السودان نظام الإخوان وعزل رأسه عمر البشير، عبر بيان للجيش لا تزال مفرداته عالقة في مخيلة الثوار الظافرين
في مثل هذا اليوم 11 أبريل من العام الماضي استيقظ السودانيون على أصوات موسيقى عسكرية موحدة بمحطات الإذاعة والتلفزيون المحلية، مع تنويهات "ببيان هام" من القوات المسلحة، عندها تيقن الجميع أن تاريخا جديدا سيكتب لبلادهم.
وقبل أن تشرق الشمس زحف الملايين نحو قيادة الجيش بالخرطوم، وضاقت عاصمة السودان بالسيول البشرية الهادرة، بعد أن ثبت لهم حلول ساعة النصر على نظام الإخوان الإرهابي بقيادة المعزول عمر البشير، من واقع الموسيقى العسكرية التي تحمل رمزية ثابتة بانحياز القوات المسلحة للثورة الشعبية.
ومع لحظات الترقب العصيبة، وفق شهود عيان على هذا اليوم التاريخي، كانت هتافات المعتصمين أمام قيادة الجيش تشق عنان السماء، وسط زغاريد ودموع فرح بسقوط أعتى ديكتاتورية في المنطقة.
ولم تمضٍ ساعات طويلة إلا وخرج وزير الدفاع يومها الفريق أول عوض بن عوف ببيان للسودانيين، معلنا اقتلاع نظام الإخوان وعزل رأسه الجنرال عمر البشير والتحفظ عليه في مكان آمن، تلك المفردات التي لا تزال عالقة في مخيلة الثوار الظافرين.
إرادة تقهر الطغيان
وتحل الذكرى الأولى لعزل البشير، وما تزال تفاصيل الصمود أمام قيادة الجيش بالخرطوم من "6 إلى 11" أبريل عالقة في مخيلة السودانيين، حيث فشلت كل محاولات مليشيات نظام الإخوان البائد في زحزحتهم عن ذلك المكان، رغم ممارستهم أبشع أنواع القمع والهجمات المسلحة ليلا على العزل.
- احتجاجات السودان.. من الهتاف للخبز إلى الإطاحة بالبشير
- خبراء: نهاية مذلة لـ"الحركة الإسلامية" السياسية بالسودان
ويستدعي الدكتور عباس التجاني، محلل سياسي سوداني، تفاصيل الحادي عشر من أبريل، ويملأوه الفخر بما أنجزه شعب بلاده الذي صمد في وجه الطغيان لبضعة أشهر، حتى تمكن من إنهاء 3 عقود من حكم نظام الإخوان البائد في هذا اليوم التاريخي.
يروي التجاني "كان يوم ميلاد جديد لكل السودانيين، اختلطت فيه دموع الفرح بالنصر على الدكتاتور، والحزن على شهداء الثورة الذين ضحوا بأرواحهم لأجل الوصول لهذه المحطة التاريخية".
واعتبر خلال حديثه لـ"العين الإخبارية" أن "قوة الإرادة وإجماع السودانيين على كلمة وهدف واحد رغم تنوعهم، كان سر نجاحهم في عزل البشير ووضع حد لحكمه الباطش".
وقال إن "الوصول إلى محطة الحادي عشر من أبريل جاءت بفضل فعل تراكمي وغبن استمر 3 عقود في نفوس السودانيين، حيث تحركوا بشكل عفوي دون توجيه من حزب سياسي أو جماعة معينة، حيث لا يستطيع أي كيان نسب ثورة ديسمبر المجيدة إليه".
وبدأ عرش الجنرال عمر البشير الذي استولى على السلطة بانقلاب عسكري مسنودا بجماعة الإخوان الإرهابية عام 1989م، يهتز منذ اندلاع شرارة الثورة السودانية في مدينة عطبرة شمالي البلاد يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 2018 ضد انعدام الخبز والتي تمددت بشكل متسارع إلى بقية أنحاء السودان لذات السبب، قبل أن تنتقل إلى العاصمة الخرطوم يوم 25 ديسمبر/كانون الأول 2018 بمطلب إسقاط النظام لأول مرة.
مناعة ثورية
ورغم القمع الإخواني إلا أن السودانيين واصلوا ثورتهم بجسارة متمسكين بشعار "السلمية"، إلى أن تمكنوا من الاعتصام أمام قيادة الجيش بالخرطوم والتي شكلت الضربة القاضية للبشير وأفراد نظامه ومهدت للسقوط المذل، وفق مراقبين.
ويرى المحلل السياسي أحمد حمدان أن السودانيين اكتسبوا مناعة ثورية مكنتهم من قهر آلية القمع الإخوانية والوصول إلى ساعة النصر بإنهاء 3 عقود من الاستبداد.
وقال حمدان لـ"العين الإخبارية" إن "فترة حكم الإخوان كانت عبارة عن حقل شواء للأجساد السودانية، لذلك أخذ السودانيين العزم على المضي في الثورة مهما كان الثمن، لأن استمرار البشير في الحكم سيكون أكثر كلفة على حياتهم ومستقبل بلادهم، الشيء الذي صعب مهمة المعزول".
وأضاف "يحق للسودانيين الفخر والاحتفاء بذكرى عزل الرئيس عمر البشير وإنهاء حكم الإخوان، لأن هذا الإنجاز وضع بلادهم على مصاف مستقبل مشرق وتحول ديمقراطي".
سقوط مذل
وإلى وقت قريب من محطة الحادي عشر من أبريل، كان المعزول عمر البشير يتحدى خصومه السياسيين والجماهير الثائرة ويطلق التهديدات العلنية والمبطنة، في محاولة لكبح الانتفاضة الشعبية، لكنه سرعان ما تراجعت لغته المتشددة بعد وصول المحتجين لمحيط قيادة الجيش بالخرطوم.
واعتبر الصحفي والمحلل السياسي علي الدالي أن "سقوط البشير كان مذلا للغاية، لكونه زعم القوة وسيطر بشكل مطلق على السلطة لثلاثة عقود، وكان يطلق مقولته الشهيرة بأنه استولى على السلطة بقوة السلاح ولن يتركها إلا بالسلاح".
وقال لـ"العين الإخبارية": "كان البشير يتوهم بأن لديه قواعد ومعجبين ونجومية، لكن كل ذلك كان مصنوعاً عبر سماسرة من حوله، وساعدهم في ذلك صدور مذكرة التوقيف بحق المعزول من المحكمة الجنائية الدولية، حيث استغلوا عاطفة السودانيين التي ترفض التدخل الأجنبي في جعلهم يلتفون حوله بعد تلميعه".
وتابع "لكن الشعب السوداني بدأ يكتشف أن كل ما تم سوقه له بالكذب حتى أتى عام 2019، الذي شهد نهاية السقوط، بعد أن سبقته سقوط الأقنعة التي كان يتوارى خلفها البشير".