البشير يواجه الاحتجاجات باستعادة ذاكرة الحروب الأهلية
الرئيس السوداني أرجع الأزمة الاقتصادية الحالية في بلاده والتي كانت السبب في اندلاع احتجاجات إلى تلك الحروب المتجددة
عندما قال الرئيس السوداني عمر البشير إنه "لولا التمرد لكان وضع السودان مختلفا الآن"، كان ذلك اعترافا بفظاعة الحروب الأهلية المتواترة التي أنهكت بلاده، ولكنه ألقى باللوم فيها على خصومه.
وأخذت تصريحات البشير، أمس الثلاثاء، رمزيتها من كونها أتت خلال خطاب جماهيري في ولاية النيل الأزرق، على الجنوب الشرقي، والتي تشهد بعض مناطقها حربا أهلية منذ 2011.
وتقاتل في هذه الولاية الحركة الشعبية/ قطاع الشمال، بجانب ولاية جنوب كردفان، وكلتاهما متاخمتان لدولة جنوب السودان، التي انفصلت عن الدولة الأم قبل 7 أعوام.
وتقسيم البلاد كان ثمرة مرّة لاتفاق سلام أبرم في 2005، لينهي حربا دموية بين الشمال والجنوب، كانت من أطول الحروب الأهلية في أفريقيا، مخلّفة نحو مليوني قتيل على مدى عقود.
وكان مقاتلو قطاع الشمال يساندون المتمردين الجنوبيين الذين يقتسمون معهم سمات أيدلوجية وإثنية، رغم انتمائهم جغرافيا للشمال الذي تهيمن عليه المجموعات العربية.
لكن قطاع الشمال عاود التمرد عشية إعلان الدولة الجديدة، بحجة تنصل الخرطوم عن امتيازات وفرتها اتفاقية السلام لمناطق نفوذه.
تمردات متواصلة
وهذا الاتفاق الذي رعته ترويكا مُشكلة من الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج، لم يطو سيرة الحروب السودانية، إذ سبقه اندلاع تمرد جديد في إقليم دارفور الممتد غربي البلاد، مجاورا الجنوب.
ووسط خلاف الدولتين، الوليدة والأم، حول القضايا الأمنية والاقتصادية المترتبة على التقسيم، كانت هذه المناطق مسرحا لحرب بالوكالة، يدمغ بها أي طرف الآخر.
وتأزم الموقف عندما تمرد النائب الأول السابق لرئيس جنوب السودان ريك مشار ضد الرئيس سلفاكير ميارديت الذي اتهم الخرطوم بدعم خصمه، بينما اتهمته جارته بحشد المسلحين السودانيين للقتال بجانبه.
وفي خطاب الأمس الذي ركز فيه على جهود حكومته لإحلال السلام، جدد البشير دعوته للحوار، مُحملا الحركات المسلحة مسؤولية تعطيل مشاريع التنمية.
وفي إشارة إلى زعيم قطاع الشمال الذي كان واليا للنيل الأزرق في السنوات التي تلت اتفاق السلام، قال البشير: "مالك عقار شرد أهله وجوعهم وحولهم إلى نازحين ولاجئين على الرغم من الامتيازات التي كان يتمتع بها".
وتجديد البشير الدعوة للحوار تتماشى مع سلسلة من قرارات وقف إطلاق النار التي أعلنها من جانب واحد، منذ منتصف 2016، ولا تزال سارية، بناء على اتفاق مع واشنطن، رفعت بموجبه عقوبات مفروضة على الخرطوم منذ 20 عاما.
وربط البشير بين الحرب الأهلية والوضع الاقتصادي المتردي، في وقت تواجه فيه حكومته احتجاجات ضد خطة التقشف، يعود على الأرجح إلى إدراكه أن الاستفادة من رفع العقوبات التي عزلت بلاده عن السوق العالمي، تحتاج إلى استقرار يقنع المستثمرين الأجانب.
ويعتقد أكثرية الخبراء أنه ليس منطقيا استقطاب رؤوس أموال في بلد تشهد 7 من ولاياته الـ 18 حربا أهلية تطمس مواردها الطبيعية الضخمة، من الزراعة إلى النفط والمعادن.
وتعول الحكومة على جذب المستثمرين، لتعويض الفارق الذي خلّفه انفصال الجنوب، مستأثرا بثلاثة أرباع حقول النفط التي كانت تدر أكثر من 50 % من الإيرادات العامة.
وترتب على فقدان العائدات النفطية تطبيق الحكومة حزم تقشفية متتابعة، طُبق آخرها قبل أيام، وسط احتجاجات شعبية، وإن كانت أقل حدة من تلك التي تفجرّت في 2013، مخلّفة عشرات القتلى.
ورغم أن البشير درج على التقليل من أي مظاهرات تحركها المعارضة، متباهيا بشعبيته، يمكن القول إنه أراد هذه المرة استمالة المحتجين بعرض مقاربة جديدة، ترهن حل الأزمة الاقتصادية للعملية السلمية بينه وبين خصومه.
aXA6IDE4LjE5MS4xMDMuMTQ0IA==
جزيرة ام اند امز