اليوم الـ18 للاشتباكات.. كيف يعيش السودانيون تحت القصف؟
بعد 18 يوما من الاشتباكات الدامية، ألف السودانيون أصوات الانفجارات والقصف وإطلاق الرصاص، واستأنفوا جزءا كبيرا من حياتهم اليومية.
وتحولت الاشتباكات في عدد من أحياء العاصمة السودانية الخرطوم إلى حالة يومية، وبدأ الكثيرون في العودة لحياتهم الطبيعية ولأعمالهم وأرزاقهم مستهينين بالموت.
فمع سماع دوي الانفجارات والقصف يستلقون أرضا حيثما كانوا، ثم ينفضون عنهم الغبار ويعودون لما كانوا عليه لاستئناف ما كانوا يقومون به أو انتظار غارة جديدة، وقد يموت منهم من يموت لكنهم لن يتركوا أطفالهم ضحية للجوع.
هذا هو المشهد الآن في عدد من أحياء الخرطوم وبحري وأم درمان، مدن العاصمة السودانية الثلاث، فمع اشتداد حدة الصراع الذي اندلع منتصف أبريل/ نيسان الماضي، زادت الحالة الاقتصادية سوءا عما كانت عليه، إذ فقد معظم السودانيين مصدر رزقهم، وتعطلت المصانع ووقفت أعمال البناء؛ التي كانت تؤمن لهم قوت يومهم ، فلم يعد أمام أولئك سوى المواجهة مع الموت على أمل النجاة من الموت جوعا .
ويلحظ المتجول بعدد من أحياء الخرطوم، جنوب الشعبية والمتوسطة العودة التدريجية لـ"ستات" الشاي، ولعمال بناء المنازل، وللباعة المتجولين بجانب "الفريشه " بالطرقات العامة والأسواق المركزية، برغم استمرار القصف وتواصل الاشتباكات بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع ووجود ارتكازات لكل منهما على مقربة منهم .
وعمليا ، فتحت أعداد كبيرة من المتاجر أبوابها في بعض أحياء العاصمة برغم فراغ أرففها من معظم السلع، وانسابت الحركة في أسواق الخضروات بشكل كبير حيث يبدو أنه لم يعد هناك أحد مختبئ في منزله.
وساعدت حركة المواطنين لتأمين احتياجاتهم في جذب آخرين لسوق العمل برغم الاشتباكات. وفي أحد أحياء الخرطوم جنوب، كان عبد الله البلولة يجوب الحي بعربة خشبية يجرها حمار (تعرف محليا بالمكارو) ويحمل على متنها كل أنواع الخضار ويصيح بصوت عال بأسعارها لاجتذاب الزبائن؛ حيث التفت حوله نسوة الحي يبتاعون ما يشاءون منها، وإن بدت عليهن علامات الرعب مع تجدد أصوات القذائف وتحليق الطائرات العسكرية برغم الهدنة المعلنة من طرفي النزاع.
ويقول البلولة لوكالة الأنباء الألمانية بصوت يائس "أنا أؤمن تماما أن ما أفعله مغامرة، فقد تنتهي حياتي في أي لحظة برصاصة أو قذيفة طائشة، ولكن ليس أمامي حل غير التوكل على الله والخروج إلى الشارع لطلب الرزق لسد جوع صغاري".
ويضيف "منذ اليوم الثاني للحرب خرجت للعمل وتعرضت لخطر الموت غدرا مرات عديدة لكن إرادة الله نجتني ".
أما عبدالمتعال حسن ، وهو صاحب متجر بحي الصحافة جنوب الخرطوم، فيؤكد حاجته الماسة للعمل برغم الاشتباكات، فضلا عن دوره في تأمين احتياجات السودانيين من السلع الضرورية.
ويقول " أشعر بالمسؤولية تجاه زبائني؛ خاصة وأنني أسكن في ذات الحي وكثير منهم بعد مرور أسبوع على بدء القتال يواجهون خطر المجاعة بعد أن نفدت مؤنهم ".
أما ياسمين عبد الرحيم ، وهي صيدلانية بحي جبره جنوب الخرطوم ، فتقول في اتصال هاتفي مع وكالة الأنباء الألمانية إنها اضطرت لفتح أبواب الصيدلية لساعات في اليوم الثالث للعمليات العسكرية لتأمين احتياجات المرضى من العلاج، بجانب الحالات المزمنة فضلا عن تقديم الاستشارات الطبية، في ظل صعوبة الوصول إلى المستشفيات وإغلاق معظمها.
وتضيف "نجحنا في إنقاذ حياة الكثيرين بتوفير العلاج أو تقديم الاستشارات الطبية "، لكنها بدت مرعوبة من حدوث ندرة في الدواء في ظل توقف الإمداد مع ظروف الاشتباكات الدائرة في الخرطوم، ونفاد ما لدى الصيدليات من مخزون، فضلا عن تعرض عدد من مصانع الأدوية للتخريب والنهب بالإضافة إلى توقف حركة الاستيراد .
من ناحية أخرى وبصورة إيجابية ، بدأت الشرطة السودانية في الانتشار بعدد من مناطق العاصمة الخرطوم لتأمين الأسواق والمنشآت، بينما تعهد الجيش السوداني بنشرها في جميع المواقع التي يفرغ من تمشيطها ويتأكد من خروج قوات الدعم السريع منها.
ورغم موافقة الطرفين على تمديد وقف إطلاق النار الذي انتهى أول أمس الأحد لمدة 72 ساعة أخرى بوساطة أمريكية وسعودية، ذكرت نقـابة أطباء السودان، أمس الإثنين أن الاشتباكات لا تزال جارية بين الطرفين.
وفي ظل كل ذلك، يترقب السودانيون إمكانية انطلاق المفاوضات بين الجيش والدعم السريع تحت الوساطة الأمريكية السعودية بتفاؤل حذر، بعد أن سمى الطرفان ممثلين للتفاوض باسمهما لإغلاق صفحة الصراع، وإعادة الحياة إلى طبيعتها، دون إراقة المزيد من الدماء والمضي قدما في تدمير البلاد.
aXA6IDMuMTM5LjY3LjIyOCA=
جزيرة ام اند امز