هدير الطائرات وأصوات الانفجارات تبكي السودانيين.. أمل يتلاشى وصدام مستمر
غارات جوية وانفجارات ورشقات نارية، ملامح يوم طوى ساعاته في العاصمة السودانية الخرطوم، إلا أن آثاره ما زالت حاضرة في شوارع خلت من المارة تحت وطأة القصف، وأسر باتت لا تملك إطعام صغارها.
فعلى الرغم من هدنة جديدة لمدة 72 ساعة وافق عليها الجيش وقوات الدعم السريع، فإن مصيرها لم يكن مختلفًا كثيرًا عن الهدن السابقة، التي شابتها الاختراقات وتبادل الاتهامات من الطرفين.
وعلى هدير الطائرات المقاتلة، وأصوات انفجارات وإطلاق رصاص في مناطق مختلفة من العاصمة التي يناهز تعدادها خمسة ملايين نسمة، بات السودانيون يئنون تحت الاختراقات المتعددة للهدنة الأخيرة، التي وافق على تمديدها الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو.
أمل يتلاشى
لكنّ الهدنة الأخيرة بقيت هشّة كسابقاتها من محاولات التهدئة التي تمّ التوافق عليها منذ اندلاع النزاع بين الحليفين السابقين في 15 أبريل/نيسان الماضي، والذي أغرق السودان في فوضى حصدت مئات القتلى ودفعت عشرات الآلاف إلى المغادرة أو النزوح.
ويرى الخبراء أن اتفاقات وقف النار تهدف خصوصا الى ضمان أمن طرق إجلاء الرعايا الأجانب، والسماح بمواصلة بعض الجهود الدبلوماسية التي تقودها أطراف خارجية في ظل رفض القائدين العسكريين التواصل بشكل مباشر.
وفيما تصطدم أية محاولات للحل، بالصراع بين البرهان ودقلو المعروف بحميدتي، دقّت الأمم المتحدة جرس الإنذار من تحوّل الوضع إلى مأساة إنسانية.
وقال المتحدث باسم الأمين العام للمنظمة الأممية ستيفان دوجاريك إنّ "الأحداث في السودان تحصل بنطاق وسرعة غير مسبوقين"، مبدياً "قلقه الكبير".
وأضاف أن الأمين العام أنطونيو غوتيريس قرّر أن يرسل "فوراً إلى المنطقة" رئيس الوكالة الإنسانية للمنظمة الأممية مارتن غريفيث "في ضوء التدهور السريع للأزمة الإنسانية في السودان".
نقطة اللاعودة
وأكد غريفيث أنه في طريقه إلى المنطقة "لدراسة كيف يمكننا أن نقدّم مساعدة فورية"، معتبراً أنّ "الوضع الانساني يقترب من نقطة اللاعودة" في بلد كان يعدّ من الأكثر فقرا في العالم حتى قبل تفجر النزاع الأخير.
وحذّر من أن النهب الذي تعرضت له مكاتب المنظمات الانسانية ومستودعاتها "استنزف غالبية مخزوناتنا".
وفي بلد كان ثلث سكانه يعانون من من الجوع قبل اندلاع الحرب، قرّر برنامج الأغذية العالمي أن يستأنف "أنشطته فورا" بعد تعليقها عقب مقتل ثلاثة من موظفيه خلال الأيام الأولى للنزاع.
ويضطر سكان العاصمة غير القادرين على مغادرتها الى الاحتماء من إطلاق النار والقصف لكنهم يواجهون ظروفا تزداد صعوبة في ظل انقطاع الكهرباء وشحّ المواد التموينية والمياه والوقود.
وقال محمد حسن حمد الذي يعمل خياطا لوكالة "فرانس برس"، وهو يحبس دموعه إنه لا يملك طعاما لأطفاله الـ11 ولا وسيلة للعمل لأن "المهاجمين أخذوا آلات الخياطة الخاصة بي"، محملا قوات الدعم السريع "الذين دمروا كل شيء في طريقهم" المسؤولية.
ومنحت السلطات المحلية في الخرطوم موظفي القطاع العام "إجازة حتى إشعار آخر"، بينما تؤكد الشرطة أن عناصرها ينتشرون للحؤول دون أعمال النهب.
وأعلنت سلطات ولاية النيل الأبيض، جنوب الخرطوم، وصول 70 الف نازح خلال الأيام الأخيرة إلى مخيمات أقامتها الولاية.
ماذا قال الطرفان عن الوضع الميداني؟
القيادة العامة للجيش السوداني زعمت في بيان اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه، أن قوات الدعم السريع حشدت حتى 15 أبريل/نيسان الماضي، 27 ألفًا و135 مقاتلا بالإضافة إلى 39 ألفًا و490 مستجدًا، و1950 مركبة مقاتلة و104 ناقلات جنود مدرعة و171 عربة مسلحة بالمدافع الرشاشة، "لتنفيذ المؤامرة".
"إلا أن عناصر الجيش تمكنت خلال 15 يومًا من القتال من تخفيض قدرات قوات الدعم السريع بنسبة 45 – 55%، التي حشدتها لاختطاف الدولة السودانية ومصادرة قرارها وتدمير قواتها المسلحة"، على حد قول البيان.
وزعمت القوات المسلحة السودانية، أنها أحبطت تحركات لتعزيزات عسكرية لقوات الدعم السريع متقدمة من اتجاه الغرب، ووقف تقدم قوة أخرى قادمة من الحدود الشمالية الغربية على متن شاحنتين كبيرتين و19 عربة لاندكروزر قتالية تنوي التقدم إلي كرري.
وادعى البيان أن قوات الجيش السوداني، رصدت تحركات لقوات الدعم السريع، "تؤكد استمرار محاولاتها لتعزيز موقفها على الأرض"، مشيرًا إلى أن عناصره "مستمرة في التصدي بقوة لهذه التحركات".
ماذا قالت قوات الدعم السريع؟
في المقابل، زعمت قوات الدعم السريع، في بيان اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه، "استمرار خروقات قوات الجيش للهدنة الانسانية المعلنة، بقصف الطيران لعدد من المنشآت المدنية والطبية والعسكرية"، على حد قولها.
وادعى البيان، أن القصف بالطيران "شمل مستشفى شرق النيل مما تسبب في مقتل وجرح العشرات من المواطنين، إلى جانب قصف عدد من المصانع بالمنطقة الصناعية بحري".
وفيما حذرت الجيش السوداني، "من التمادي في هذه التصرفات التي لا تتسق مع تعهدات وشروط الهدنة الإنسانية"، ذكرت الأطراف الدولية التي فاوضت على الهدنة بأنها "لا تزال ملتزمة بتعهداتنا بشأن الهدنة الإنسانية"، على حد قولها.
وبحسب البيان، فإن قوات الدعم السريع "تمكنت من تدمير كافة المتحركات القادمة من الولايات لدعم قوات الجيش، مما أجبر بعض تلك القوات على الهروب تاركين خلفهم مركبات فارغة"، على حد زعمها.
وادعت قوات الدعم السريع، أن "عددًا من ضباط وأفراد الجيش سلموا أنفسهم لارتكازات قواتنا بمحيط القيادة العامة للنجاة بأنفسهم"، مشيرة إلى أن قواتها "واصلت عمليات التمشيط في جميع مناطق سيطرتها لضبط المتفلتين وعصابات النهب، مما أسفر عن ضبط أعداد كبيرة من المجرمين"، بحسب البيان.
كارثة إنسانية
وفيما لم تستطع "العين الإخبارية" التأكد من مطابقة بيانات الفريقين المتنازعين على الأرض، حذّرت الأمم المتحدة من أنّ السودان بات على شفا "كارثة" إنسانية، فيما يفر مئات الآلاف منه.
وأدت الاشتباكات الدامية التي دخلت أسبوعها الثالث إلى نزوح عشرات الآلاف من السودانيين إلى دول مجاورة مثل مصر وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى.
وحذّر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يوم الإثنين من أنّ "أكثر من 800 ألف شخص" قد يفرّون من السودان.
وكتب فيليبو غراندي في تغريدة على تويتر: "نأمل ألا يحدث ذلك، لكن إن لم يتوقف العنف، فسنرى المزيد من الناس يُجبرون على الفرار من السودان بحثاً عن الأمان".