وسط الصراع السودان ليس وحده المتضرر.. آلام اقتصادية عابرة للحدود
رغم أزماته المتعددة، لطالما عُرف السودان بأهميته الاستراتيجية، فهو كنز للموارد. لذلك؛ ربما تكون تداعيات الصراع الحالي قاسية على العالم.
منذ وقت يسبق أزمة الاشتباكات المسلحة الدائرة في العاصمة وعدد من المناطق، يعاني الاقتصاد السوداني جراء تصاعد معدلات الفقر وتراجع القوة الشرائية كما يعاني ضعفا في الأمن الغذائي. واليوم، الأزمة الحالية تزيد الأوضاع سوءا، فالخسائر الاقتصادية في كافة القطاعات ستكون باهظة للغاية، وعابرة لحدود السودان أيضًا؛ حيث من المرجح تضرر نحو 17 دولة.
تبعات اقتصادية كبيرة على 17 دولة
وكالة موديز للتصنيف الائتمانى ترى أن بوادر تبعات اقتصادية كبيرة على الدول المجاورة بدأت تلوح في الأفق فيما لو استمرت الحرب فترة طويلة؛ حيث توقعت تأثيرًا ائتمانيًّا سلبيًّا على الدول المجاورة.
الموقع الجيواستراتيجي الاقتصادي للسوادن لا يهم فقط العالم العربي باعتبار أنه مصدر أمن غذائي أو مصدر ثروات وخلافه، إنما يهم دول أفريقية عديدة.
بحسب شبكة "سكاي نيوز"، يعد استقرار السودان هو استقرار للدول الأفريقية المجاورة، وأي اضطراب سياسي أو عسكري بالتأكيد سيؤثر عليهم بشكل كبير.
هناك 7 دول أساسية مجاورة للسودان تتأثر بشكل كبير بالتطورات فيه، إضافة إلى دول جوار الجوار، ليصبح عدد الدول المتضررة على أقل تقدير حوالي 17 دولة تعتمد بشكل أو بآخر على استقرار السودان سياسياً وأمنياً واقتصادياً.
تعداد سكان هذه الدول مجتمعة لا يقل عن 500 مليون نسمة، تصب في مصلحتهم تنمية الاقتصاد السوداني، والسودان بالنسبة لهم مجال حيوي بعكس التصورات الحالية.
من المتوقع أن تتسبب الأزمة الراهنة في أزمات مالية لعديد من تلك الدول، وأن تنعكس كذلك على عددٍ من المؤسسات المالية القارية، فهناك عدد من المؤسسات المالية لها استثمارات في السودان، مثل بنك التنمية الأفريقي وبنك الاستيراد والتصدير الأفريقي الذي يشجع على إنتاج وتصدير الكثير من السلع في السودان. وهي مؤسسات معرضة للمخاطر التي يواجهها السودان حالياً.
وفق بيانات نشرتها وكالة "سبوتنيك" في 26 أبريل/نيسان 2030، ربما خرج ما يفوق ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا وأريتريا من أبرز الدول تأثرا بالصراع في السودان، والرقم قابل للزيادة إلى 20 مليار من دول جوار السودان، حيث تسعى الاستثمارات إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي.
هناك عددا من الدول مغلقة اقتصاديا وتجاريا، ولا تمتلك موانئ أو منافذ بحرية وتعتمد على السودان عبر ميناء بورتسودان لتوفير احتياجاتها من الخارج، ويشكل لها السودان معبرا للتجارة مع العالم الخارجي، مثل تشاد وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى وإثيوبيا ودولا أخرى.
سلة غذاء العرب يحترق
الصراع المتجدد اليوم، تعيشه البلاد بأشكال مختلفة منذ ثمانينيات القرن الماضي، ثم العقوبات الأمريكية على البلاد التي تصنف بأنها سلة غذاء العرب لاحتوائها على الأراضي الخصبة والثروات الطبيعية.
يمكن أن يكون السودان إحدى أعظم سلال الخبز في العالم؛ لكن بدلاً من ذلك، دفعت النزاعات على الأراضي وارتفاع أسعار المواد الغذائية بها إلى حافة الهاوية.
التضاريس شاسعة ومسطحة ومليئة بالعناصر الغذائية في السودان، بحسب وزارة الزراعة؛ فيما كانت المياه التي يمكن أن تسحبها من نهر النيل القريب وفيرة.
تتميز البلاد إلى جانب الأراضي الصالحة للزراعة، بموقع استراتيجي عبر البحر الأحمر، وحصة 25% من مياه النيل بموجب الاتفاقيات الإقليمية، والكثير منها غير مستخدم.
إلا أن أرقام وزارة الزراعة السودانية، تقدر أن فدانا واحدا من أصل 20 فدانا، مزروع فعلا والباقي بلا أي نشاطات زراعية، والسبب هو الفساد والسياسات غير المتسقة وعدم الاستقرار السياسي ونوبات من الفوضى والجفاف.
بدورها، قالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، إنّ السودان سيحتاج إلى استيراد 3.5 مليون طن من القمح هذا العام، بسبب توقعات بانخفاض محصوله المحلي 30% بعد تحوّل المزارعين إلى زراعة محاصيل أخرى غير القمح.
فيما حذّر تجار ومصدرون ومنتجون سودانيون من مغبة دخول البلاد في فوضى عارمة ومجاعة تطال الجميع، فقد تضرر منتجو الدواجن وتكبدوا خسائر بمليارات الجنيهات نتيجة نفوق الكثير من الدواجن بسبب انقطاع التيار الكهربائي، كما فقد كثيرون رؤوس أموالهم المستثمرة في هذا القطاع والتي تصل إلى ملايين الدولارات في أنحاء البلاد، وهذه تعتبر خسارة كبيرة لهذا القطاع.
حسب مجلة العلوم الإنسانية والطبيعية التي تصدر عن مؤسسة برابدو للخدمات التعليمية بجمهورية السودان، يمتلك السودان إرثاً ضخماً ومتنوعاً من مفردات الثروة الحيوانية المستأنسة منها والبرية ذات المواصفات المميزة لتلبية احتياجات السوق المحلي والخارجي، وبالتالي تشكل مرتكزاً هاماً للأمن الغذائي وقاعدة تنموية اقتصادية. تساهم الثروة الحيوانية بأكثر من 20% من الناتج المحلي الإجمالي، وأكثر من 40% للإنتاج الزراعي، وأكثر من 25% من عائدات الصادرات. وتبلغ أعداد الماشية أكثر من 107 مليون رأس، وتحتل الثروة الحيوانية بالسودان المرتبة الأولى على المستوى العربي و الأفريقي، والسادسة على مستوى العالم. وذلك يعني أن وسط الصراع الدائر لن تتأثر السودان فقط ولكن كذلك الدول التي تعتمد على استيراد الغذاء واللحوم منها.
تعثر تجارة الصمغ العربي.. ومخاوف اختفاء المشروبات الغازية والحلوى
باعتبار السودان كنزًا حيويًا للموارد الطبيعية الثمنية، فمن المتوقع أن تتضرر الصناعات التي تعتمد على الصمغ العربي في مكوّناتها، وسط الصراع الدائر.
السودان يعد من موردي الصمغ العربي الأساسيين، ما دفع شركات السلع الاستهلاكية، كمستحضرات التجميل والحلويات والمشروبات الغازية إلى تخزين إمداداتها، وفي حال استمرّ النزاع ستتعثّر تجارة الصمغ العربي، وستنفد المخزونات خلال أشهر، مما سينعكس عليه ندرة سلع شهيرة على رفوف المتاجر في أنحاء العالم.
الصمغ العربي يعد سلعة مهمة للعالم أجمع، يتربع السودان في المراتب الأولى عالمياً لإنتاجها؛ إذ يأتي حوالي 70% من إمدادات العالم من الصمغ العربي، الذي لا توجد له بدائل كثيرة، من أشجار الأكاسيا في منطقة الساحل التي تضم السودان الذي يمزقه القتال الدائر بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع.
في السياق، أوضح مصدرون ومصادر من الصناعة لرويترز أن الشركات التي تخشى من استمرار انعدام الأمن في السودان وتعتمد على المنتج، مثل كوكاكولا وبيبسيكو، عملت على تخزين المزيد من الإمدادات، وبعضها لديه مخزون يغطي ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر كي لا تعاني من نقصه. وقال ريتشارد فينيجان مدير المشتريات في مجموعة كيري، التي تورد الصمغ العربي لمعظم شركات الأغذية والمشروبات الكبرى "بناء على الفترة التي سيستغرقها الصراع، قد تكون هناك تداعيات على السلع المُصنعة المعروضة على الرفوف والتي تحمل علامات تجارية شهيرة". وقدر أن تنفد المخزونات الحالية في غضون خمسة إلى ستة أشهر.
بدوره أكد مارتين بيركامب، الشريك في شركة التوريد الهولندية فوجا جام، أن المخزونات تكفي لفترة تتراوح من ثلاثة إلى ستة أشهر.
في حين أفاد متحدث باسم شركة كلويتا إيه.بي. السويدية المتخصصة في صناعة الحلوى، ومن بينها مستحلبات لاكيرول التي تستخدم الصمغ العربي، بأن الشركة لديها مخزون "وافر" من الصمغ.
بينما أشار 12 من المصدرين والموردين والموزعين لتلك المادة إلى أن تجارة الصمغ، الذي يساعد في تماسك مكونات الطعام والشراب، توقفت.
وقال محمد النور مدير شركة الصمغ العربي في الولايات المتحدة، التي تبيع المنتج للمستهلكين كمكمل غذائي، إن "من المستحيل" الآن الحصول على كميات إضافية من الصمغ العربي من المناطق الريفية في السودان بسبب الاضطرابات وغلق الطرق.
ورأى داني حداد مدير التسويق والتطوير في شركة أجريجام، وهي واحدة من أكبر عشرة موردين في العالم أنه "بالنسبة لشركات مثل بيبسي وكوكاكولا، فإنها لا يمكن أن تستمر بدون وجود الصمغ العربي في تركيباتها".
يشار إلى أنه وفقا لتقديرات نقلتها مجموعة كيري، يبلغ الإنتاج العالمي من الصمغ العربي حوالي 120 ألف طن سنويا، بقيمة 1.1 مليار دولار.
فيما يأتي معظم هذا المكون من منطقة "حزام الصمغ" التي تمتد 500 ميل من شرق إلى غرب أفريقيا حيث تلتقي الأراضي الصالحة للزراعة بالصحراء وتضم أيضا إثيوبيا وتشاد والصومال وإريتريا.
وفي إشارة إلى أهمية تلك المادة بالنسبة لصناعة السلع الاستهلاكية، استثنتها الولايات المتحدة سابقا من العقوبات التي فرضتها على السودان منذ التسعينات لأنها سلعة مهمة وخوفا من خلق سوق سوداء.
الذهب في آتون الاشتباكات
الذهب، أيضًا، كنز السودان الشائك، ملف يعود دائمًا إلى دائرة الضوء وسط أي صراع يشهده السودان.
يمثل الذهب مصدرا رئيسيا للسودان من النقد الأجنبي منذ انفصال دولة الجنوب وذهاب مورد البترول معها في العام 2011.
هذا المعدن يعتبر عنصرا أساسيا من صادرات السودان الخارجية، إلا أن القطاع محاط بمشكلات مستمرة تتعلق بالتهريب، كما لم يتضح بعد تأثير الاشتباكات الطاحنة التي انطلقت أبريل/ نيسان الجاري على عمليات إنتاجه وتصديره.
والسودان منتج رئيسي للذهب في أفريقيا، فهو ثالث أكبر منتج للذهب في القارة السمراء بعد جنوب أفريقيا وغانا.
ويقدر إنتاج السودان السنوي من الذهب بنحو 100 طن بقيمة تتخطى 5 مليارات دولار، ولكن كميات قليلة تدخل الخزانة العامة للدولة.
وبحسب بيانات موقع "ceicdata"، فقد وصل إنتاج السودان من الذهب إلى ذروته عام 2017 بواقع 107 أطنان.
وبحسب أحدث البيانات الرسمية، فقد تراجع إنتاج الذهب، خلال 2022 إلى 41.8 طن، وفق تصريحات المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية، مبارك عبد الرحمن أردول.
ووفقًا لتقرير صادر عن مجلس الذهب العالمي، مايو/أيار 2022، تربع السودان على قائمة أكبر الدول إنتاجاً للذهب في الشرق الأوسط، بكميات بلغت 83.8 طن في عام 2020، متقدمة على تركيا ومصر وإيران في الترتيب.
وقبل عامين اتخذت الحكومة السودانية حزمة من الإجراءات الاقتصادية لدعم الخزانة المركزية، كان على رأسها إنشاء بورصة للذهب، وتوحيد سعر الذهب مع السعر العالمي.
في أبريل/نيسان 2022، قررت الحكومة السودانية توسيع استخدام حصيلة صادراتها من الذهب في تغطية استيراد احتياجات البلاد من السلع الاستراتيجية والضرورية، حيث تم الاتفاق على تخصيص 70% من الحصيلة للسلع الاستراتيجية، و30% للسلع الضرورية.