مدعية الجنائية بالسودان.. هل اقتربت محاكمة البشير دوليا؟
في خضم جدل لا يتوقف بشأن محاكمة الرئيس السوداني المعزول عمر البشير دوليا، حطت المدعية العامة للمحكمة الجنائية فاتو بنسودا رحالها في الخرطوم لبحث الملف.
ولأول مرة منذ نشوب حرب دارفور في عام 2003 وإحالة الملف لمحكمة الجنايات الدولية في 2005، وصلت المدعية العامة فاتو بنسودا إلى إقليم دارفور، الأحد، في جولة تستغرق يومين قبل أن تعود للخرطوم لتكملة المشاورات مع مسؤولي الحكومة الانتقالية بشأن المطلوبين.
زيارة بنسودا للسودان وهي الثانية من نوعها، دفعت كثيرا من المراقبين للتنبؤ بقرب مثول البشير وبقية المطلوبين أمام محكمة الجنايات الدولية لمحاكمتهم بشأن تهم تتعلق بجرائم حرب وضد الإنسانية وإبادة جماعية في إقليم دارفور غربي البلاد.
وإلى جانب علي كوشيب، قائد مليشيا مسلحة والذي سلم نفسه وتجري محاكمته بلاهاي حالياً، تطالب محكمة الجنايات الدولية بمثول كل من الرئيس المعزول عمر البشير ووزير دفاعه عبدالرحيم محمد حسين ووزير داخليته أحمد هارون، والمتمرد عبدالله بندة، حيث إنهم الخمسة الذين أصدرت بحقهم مذكرات توقيف.
ومع تطابق التوقعات بوصول العدالة الدولية إلى هؤلاء المطلوبين، لا تزال هناك ضبابية حول صيغة مثول المتهمين أمام محكمة الجنايات الدولية وما إن كان سيتم تسليمهم إلى لاهاي أم سيحاكمون داخل السودان في محكمة مختلطة وفق مقترحات جرى تقديمها في مشاورات سابقة بين حكومة الخرطوم والمدعية.
ورغم حالة الإجماع السوداني على محاكمة المطلوبين بالجنائية الدولية، إلا أن بعض الخبراء يشيرون إلى أن هذا الملف يمثل عبئا ثقيلا على مكونات الحكومة الانتقالية، وليس من السهل أن تجد الجرأة التي تدفعها لتسليم الرئيس المعزول وزمرته إلى لاهاي.
بالمقابل، يرى آخرون أن الضغط الشعبي والدولي المتزايد ربما يرغمان السلطة الانتقالية في السودان إلى اتخاذ قرار شجاع يقضي بتسليم المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتطهير عرقي بدارفور خلال الحرب الضارية التي انطلقت في عام 2003 إلى محكمة الجنايات الدولية.
مسألة وقت
المحلل السياسي السوداني عباس التجاني قال إن زيارة بنسودا الحالية ربما تنحصر أهدافها في جمع مزيد من الأدلة حول قضية علي كوشيب الذي تجري محاكمته في لاهاي حالياً، حيث سيتوقع أن تلتقي مدعية الجنائية خلال وجودها في دارفور بمزيد من الشهود وعائلات ضحايا الحرب.
وأبدى التجاني خلال حديثه لـ"العين الإخبارية" تخوفه من تعرض الشهود الذين سيلتقيهم فريق المحكمة الجنائية للاستهداف في ظل الهشاشة الأمنية في إقليم دارفور، مما يستوجب على السلطات السودانية ضرورة حمايتهم حتى لا ينفتح المجال لارتكاب مجازر جديدة.
وأكد أن مسألة مثول بقية المطلوبين وبينه الرئيس المعزول عمر البشير أمام الجنائية الدولية مفروغ منها، وهذه المشاورات تهدف إلى توقيع اتفاق بشأن كيفية محاكمة المتهمين.
وأضاف: "اللقاءت المكثفة بين المحكمة الجنائية والحكومة السودانية تهدف إلى إظهار الطرفين جديتهما للعالم في وصول العدالة الدولية إلى المتهمين بجرائم الحرب في دارفور".
وأوضح أن "مسألة تسليم المعزول عمر البشير وبقية المطلوبين أصبحت واحدة من استحقاقات السلام في السودان، بجانب أنها تدرج ضمن شروط اندماج البلاد في المنظومة الاقتصادية والسياسية الدولية بشكل كامل، فمن المرجح أن تتخذ خطوة مهمة بهذا الخصوص خلال فترة وجيزة من الآن".
محكمة مختلطة
في المقابل، قال المحلل السياسي السوداني شوقي عبدالعظيم إنه رغم الإجماع على مثول المطلوبين أمام العدالة الدولية إلا أن الملف يمثل عبئا ثقيلا على السلطة الانتقالية، للتقاطعات غير المنظورة بشأن تسليم المتهمين ونقلهم إلى لاهاي لمحاكمتهم هناك.
ورجح عبدالعظيم، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، الوصول لصيغة توافقية كتشكيل محكمة مختلطة لمحاكمة البشير رغم الرغبة العالية في تسليمه إلى لاهاي.
ويتوقع أن تشهد الفترة القليلة القادمة خطوات ملموسة في مسألة محاكمة الرئيس المعزول وبقية المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية؛ لأن التأخير في هذا الملف أثار سخط الشارع السوداني بشكل ملحوظ خاصة عائلات ضحايا الحرب في إقليم دارفور.
ومضت 18 عاما على حرب دارفور التي انتهج فيها نظام الإخوان المعزول سياسة "الأرض المحروقة" وفق توصيف منظمات حقوقية، مخلفا نحو 600 ألف قتيل و2.5 مليون نازح ولاجئ حسب تقديرات الأمم المتحدة.