السودان بأسبوع .. انقلاب فاشل وتوافق ينسف مخططات الإخوان
رغم المصاعب وتعقيدات المشهد تواصلت جهود الوساطة الأفريقية الإثيوبية المشتركة بشكل حثيث مع الأطراف السودانية خلال الأسبوع الماضي.
كان الأسبوع الماضي في السودان توافقياً بامتياز، حيث شهد تقاربا غير مسبوق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير بعد توصلهما لاتفاق تاريخي لتشكيل هياكل السلطة الانتقالية.
التوافق زاد من تفاؤل الشعب السوداني وأكد خبراء ومراقبون أن ما حدث ينهي أحلام تنظيم "الإخوان" المعزول لجر البلاد إلى دوامة الصراع والفوضى.
ووسط أجواء الوفاق السياسي بين المكونات السودانية وترقب المصادقة النهائية على وثيقة السلطة الانتقالية، سعت مجموعة من داخل القوات النظامية لقتل فرحة السودانيين بتدبير ثالث محاولة انقلابية منذ عزل البشير. لقطع الطريق أمام خطوات تحقيق السلام والاستقرار في البلاد.
ورغم المصاعب وتعقيدات المشهد، تواصلت جهود الوساطة الأفريقية الإثيوبية المشتركة بشكل حثيث مع الأطراف السودانية خلال الأسبوع الماضي لإكمال الصياغة النهائية لوثيقة الاتفاق.
ومن المقرر توقيع الوثيقة الإثنين المقبل خلال كرنفال كبير قد يحضره رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد تلبية لدعوة تجمع المهنيين السوداني.
توافق ينسف مخططات "الإخوان":
يرى مراقبون للشأن السوداني أن الاتفاق الذي توصل إليه المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير أغضب نظام الإسلام السياسي وتيارات الإخوان الإرهابية في البلاد لكونه يبعدهم وينسف مخططاتهم للعودة إلى المشهد السياسي من جديد.
وأبدت الأحزاب الإخوانية في السودان كحزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه الراحل حسن الترابي، وحركة الإصلاح الآن بقيادة الإخواني غازي صلاح الدين ومنبر السلام العادل برئاسة خال الرئيس المخلوع، الطيب مصطفى، ترحيباً خجولاً بالاتفاق بعد مضي نحو 5 أيام من التوصل إليه.
وتباكت هذه الأحزاب الإخوانية بأن الاتفاق غير شامل ويقصي مكونات سودانية. لكن حقيقة الأمر أن الاتفاق الذي توصل إليه المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير يمنع نظام المؤتمر الوطني المعزول والأحزاب التي شاركته في حكمه، من التمثيل في الفترة الانتقالية.
وقال أستاذ العلوم السياسية بكلية شرق النيل السودانية، عبداللطيف محمد سعيد، إن عناصر التنظيم الإخواني المعزول كانت تعول على انهيار المحادثات بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير على أن يشكل المجلس العسكري حكومة منفرداً تدير البلاد لفترة زمنية قصيرة ومن ثم إجراء انتخابات، ليتسنى لهم العودة إلى السلطة مجدداً خلال مدة بسيطة.
وأضاف سعيد خلال حديثه لـ"العين الإخبارية" "مخطط النظام السابق بالالتفاف على الثورة الشعبية، كان سيقود البلاد لصراع وفوضى، ولكن حكمة المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير أضاعت عليهم هذه الفرصة وأحبطت المخطط بتوصلهما لاتفاق".
وتابع "سيعمل النظام المعزول على عرقلة الاتفاق بكل ما يملك، للحيلولة دون تشكيل السلطة الانتقالية، فهم يريدون الفوضى في البلاد حتى يفلتون من العقاب على الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب السوداني، وحتى يكونوا موجودين في المشهد السياسي مهما كلف الأمر".
ثالث محاولة انقلابية لنسف الاستقرار:
ومع ترقب السودانيين لختام الأسبوع الماضي بالتوقيع النهائي على وثيقة الاتفاق، أعلن رئيس لجنة الأمن والدفاع في المجلس العسكري الانتقالي بالسودان الفريق أول ركن جمال عمر، مساء الخميس، عن إحباط محاولة انقلابية واعتقال 12 ضابطاً متورطين فيها.
وأوضح عمر في بيان أذاعه تلفزيون السودان الرسمي، أنه تم اعتقال 12 ضابطاً منهم 7 بالخدمة و5 بالمعاش، كما تم التحفظ على 4 ضباط آخرين، وسيتم تقديمهم لمحاكمة عادلة.
ولم تستبعد مصادر عسكرية تحدثت لـ"العين الإخبارية" أن يكون وراء المحاولة الانقلابية الفاشلة منتسبون إلى نظام الحركة الإسلامية داخل الجيش السوداني وجهاز المخابرات، من أجل نسف الاتفاق الذي توصل له المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير حتى يتسنى لهم العودة إلى المشهد السياسي من جديد بعد إغراقه في دوامة الفوضى والصراع.
وأكد جنرال متقاعد في الجيش السوداني، مفضلاً عدم ذكر اسمه، أن المحاولة الانقلابية صحيحة تماماً ولم تكن مجرد فزاعة كما روجت بعض الدوائر المحلية والإقليمية، لافتا إلى اعتقال عشرات الضباط، وتجرى ملاحقة آخرين متهمين بالتورط في الانقلاب الفاشل.
وقال "هم ضباط معروفون متورطون في الانقلاب الفاشل وعندما يتم إعلان أسمائهم سيتعرف الجميع على انتماءاتهم السياسية، وعندها سيكتشف الكل من يقف خلف المحاولة الانقلابية".
رئيس لجنة الأمن والدفاع في المجلس العسكري الانتقالي، جمال عمر نفسه، أكد أن محاولة الانقلاب جاءت استباقا للاتفاق المنتظر توقيعه بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير.
وقال مخاطباً الشعب السوداني "نريد إحاطتكم بالمخاطر والمجموعة الرافضة لانحياز القوات المسلحة للشعب".
وتعهد عمر بأن تعمل منظومة القوات النظامية على حماية مكتسبات الشعب، وأن المجلس العسكري الانتقالي سيمضي في إنفاذ الاتفاق مع قوى إعلان الحرية والتغيير.
وتعتبر هذه المحاولة الثالثة التي يحبطها المجلس العسكري منذ عزل الرئيس عمر البشير في 11 أبريل/نيسان الماضي.
وفي 12 يونيو/حزيران الماضي، أحبط المجلس العسكري محاولة انقلابية، دبرها ضباط متقاعدون وآخرون في الخدمة، يتبعون تنظيم الحركة الإسلامية الإخوانية.
وحينها، ذكرت مصادر محلية أن السلطات اعتقلت نحو 68 ضابطا متورطين في محاولة الانقلاب الفاشل.
وفي 18 مايو/أيار الماضي، كشفت وسائل إعلام سودانية عن أن قوات الأمن أحبطت أول محاولة انقلاب بعد عزل الرئيس البشير، كان وراءها ضباط متقاعدون.
وقبل يومين أعلن رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول عبدالفتاح البرهان خلال مقابلة متلفزة أن المجلس رصد عددا من المحاولات الانقلابية في طور التخطيط.
توافق يمضي بثبات
ورغم العراقيل من هنا وهناك، تمضي عملية التوافق السياسي في البلاد بثبات لبلوغ نهاياتها المرجوة. حيث واصلت الوساطة الأفريقية الإثيوبية المشتركة جهودها بشكل حثيث مع الأطراف السودانية خلال الأسبوع الماضي لإكمال الصياغة النهائية لوثيقة الاتفاق لتوقيعها.
واليوم الجمعة، أعلن الوسيط الأفريقي محمد الحسن ولد لبات أن المجلس العسكري السوداني وقوى "الحرية والتغيير" اتفقا بشكل كامل على الإعلان السياسي المحدد لكافة هيئات المرحلة الانتقالية.
وقال لبات، في تصريحات عقب جلسة مفاوضات ثالثة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير استمرت حتى فجر الجمعة، إن الطرفين اتفقا على عقد اجتماع يوم غدٍ السبت للدراسة والمصادقة على وثيقة "الإعلان الدستوري" المنظم للفترة الانتقالية.
وأشار المبعوث الأفريقي للسودان إلى أن التفاوض بين الطرفين كان بناء ومسؤولاً.
ومن المنتظر أن يوقع الطرفان بالأحرف الأولى على وثيقة الاتفاق بإعلانيها السياسي والدستوري السبت، على أن يكون التوقيع النهائي يوم الأحد أو الإثنين خلال كرنفال كبير، وفق مصادر سودانية.
والجمعة الماضي، توصل المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير إلى اتفاق لتشكيل هياكل السلطة الانتقالية، عقب وساطة مشتركة ناجحة قادها الاتحاد الأفريقي وإثيوبيا، التي أنهت شهورا من التوتر.
وقضى الاتفاق -الذي حظي بترحيب دولي وإقليمي واسع- بتشكيل مجلس سيادي من 11 عضواً مناصفة بين المجلس العسكري والحرية والتغيير (5+5)، والعضو المكمل شخصية وطنية مستقلة، على أن يتولى العسكريون رئاسته لمدة 21 شهراً والمدنيون لـ18 شهراً الأخيرة من عمر الفترة الانتقالية.
كما قضى بتشكيل مجلس وزراء من الكفاءات الوطنية المستقلة، تقوم بترشيحهم قوى الحرية والتغيير، فيما تم إرجاء تشكيل المجلس التشريعي إلى فترة 3 أشهر بعد تكوين الحكومة المدنية.
aXA6IDE4LjExOC4xNjIuOCA= جزيرة ام اند امز