100 يوم على استقالة بوتفليقة.. تفاؤل حذر وأزمة ممتدة
سياسيون وشباب من الحراك الجزائري يستشرفون المستقبل ويأملون في تصريحات لـ"العين الإخبارية" عودة الشرعية عبر انتخابات رئاسية
يصادف، الجمعة، مرور "100 يوم" على استقالة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في 2 أبريل/نيسان الماضي، بعد 20 سنة من الحكم حطم خلالها الرقم القياسي في سنوات الحكم مقارنة مع الرؤساء الستة الذين سبقوه في قصر "المرادية" (قصر الرئاسة الجزائرية).
- بوتفليقة.. 20 عاما في رئاسة الجزائر تنتهي باستقالة مثيرة
- بوتفليقة يعتذر للجزائريين: قصرت من حيث لا أدري
استقالة بوتفليقة لم تكن بحسب الأحداث خيارا، بل جاءت نتيجة أضخم مظاهرات شعبية في تاريخ الجزائر، خرج فيها ملايين الجزائريين مطالبين برحيله مع بقية رموز نظامه، في سابقة لم تحدث في البلاد حتى في تسعينيات القرن الماضي.
الرئيس المخلوع أم المستقيل؟
حكم بوتفليقة للجزائر طيلة 20 سنة كاملة دفع ببعض الشباب الجزائري إلى "التعبير عن فرحهم" يوم استقالته، ليس لأن حراكهم أجبره على ذلك، بل لأنه "بات رئيساً سابقاً" في تاريخ بلدهم.
لم يقصد حينها هؤلاء الشباب الاستهزاء بتلك الاستقالة أو التقليل من قيمتها كما عبروا عن ذلك في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، بل لأنهم محسوبون على ما يسمى في الجزائر بـ"جيل بوتفليقة"، إذ إنهم لم يعاصروا في حياتهم إلا رئيساً واحداً، تولى مقاليد الحكم منذ أبريل/نيسان 1999.
غير أن اللافت في كلام الجزائريين وفي إعلامهم عدم وصفه بـ"الرئيس المخلوع" كما هو دارج في الدول العربية التي عاشت التجربة ذاتها، رغم أن الوقائع التي حدثت تؤكد أن بوتفليقة "أُجبر على الاستقالة" من قبل شعبه.
يستعمل الجزائريون مصطلح "الرئيس السابق" أو "المستقيل" في أحاديثهم أو نقاشاتهم، وهو ما فسره كثير من المحللين والسياسيين الجزائريين لـ"العين الإخبارية" على أنه "مصطلح فرضته الأغلبية المشكلة للحراك الشعبي من هؤلاء الشباب الذين فتحوا أعينهم على بوتفليقة، وأرادوه أن يكون رئيساً سابقاً، ليعيشوا بقية أعوامهم مع رئيس أو رؤساء جدد".
حبيب براهمية أحد شباب الحراك الشعبي يؤكد أنه بعد خلع بوتفليقة عادت الثقة في نفوس الجزائريين، مشيرا إلى أنه يفضل استخدام كلمة الرئيس الجزائري المستقيل وحجته أن ذلك مرتبط بـ"أخلاقيات النضال السياسي".
وحول المئة يوم الأولى منذ استقالة بوتفليقة، قال الشاب الجزائري في تصريح لـ"العين الإخبارية" إنه حتى "بعد استقالة بوتفليقة إلا أن الجزائريين واصلوا نضالهم، وفرضوا واقعهم، وحققوا انتصارات أخرى، أبرزها إسقاط موعد الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 4 يوليو الماضي، ودخول عدد كبير من رموز الفساد إلى السجون".
حبيب براهمية شدد، في سياق حديثه، على أن "محاسبة رموز نظام بوتفليقة مؤشر إيجابي جداً نحو إحداث التغيير الذي يطالب به الجزائريون".
انهيار نظام بوتفليقة
كثيرون يعتبرون أن "المئة يوم السابقة" لم تكن إلا "زلزالاً أزال نظام بوتفليقة وكابوساً يلاحق رموزه".
وطيلة هذه المدة، استهدف القضاء الجزائري "أعمدة النظام السابق" في الجزائر، تحت ما عرف باسم "منجل محاربة الفساد"، وقد تكون تلك نقطة التحول الكبرى "أكثر من استقالة بوتفليقة في حد ذاتها" في تاريخ الجزائر بحسب كثير من المراقبين.
إذ لم يتوقع الجزائريون كما عبروا عن ذلك في مظاهراتهم أو مختلف وسائل الإعلام، أن يروا "شخصيات نافذة في السجن"، بعضها "لم يكن يجرؤ كثير من الجزائريين حتى على نطق أسمائهم" كما يقولون.
وبات خلال الفترة الأخيرة "سجن الحراش" بالجزائر العاصمة "أمنية جماعية في الجزائر لرموز نظام بوتفليقة"، بعد أن "تساقطت تباعاً شخصيات نافذة".
شخصيات أمنية وسياسية يقول عنهم المراقبون إنهم كانوا "العمود الفقري" لنظام بوتفليقة، وشكل سجنهم المؤقت على خلفية تهم فساد كبرى "ضربة قاصمة" أكدت نهاية نظام بوتفليقة "بالكامل".
ومن أبرز هؤلاء، السعيد بوتفليقة شقيق ومستشار الرئيس الجزائري المستقيل والذي كان يصفه الجزائريون بـ"الحاكم الفعلي للجزائر من وراء الستار"، إضافة إلى رئيسي جهاز المخابرات السابقين محمد مدين وبشير طرطاق، والمدير الأسبق للشرطة عبدالغني هامل الذي كان من أبرز المرشحين لخلافة بوتفليقة.
إضافة إلى رئيسي الوزراء السابقين أحمد أويحيى وعبدالمالك سلال، و8 رجال أعمال ظهروا في عهد بوتفليقة يملكون ثروة تفوق 15 مليار دولار.
نقطة الرجوع إلى "اللااستقرار"
ورغم ما حققته الجزائر في عهد بوتفليقة من استقرار سياسي وأمني طيلة عقدين من الزمن، فإن الأحداث الأخيرة التي تشهدها الجزائر منذ فبراير/شباط الماضي أعادت الجزائر إلى "مربع اللااستقرار" بحسب المتابعين، والذي يصفه كثير من الجزائريين خاصة من عايشوا فترة التسعينيات بـ"الشبح الذي طل من جديد" على بلادهم.
ويجمع المراقبون في الجزائر، على أن بوتفليقة الذي تولى مقاليد الحكم سنة 1999 بـ"95 صلاحية" في عز أزمة البلاد السياسية والأمنية والاقتصادية، تركها بعد 20 سنة من حكمها في ظروف مشابهة من عدم الاستقرار وفي مأزق سياسي ما زالت الجزائر تبحث عن مخرج "آمن" يجنبها تكرار سيناريو "العشرية السوداء".
واليوم، وبعد مرور 100 يوم على استقالة بوتفليقة، "تجد الطبقة السياسية نفسها مرهقة بعد عقدين من حكم الرجل" كما ذكر عدد من المحللين السياسيين لـ"العين الإخبارية"، والأكثر من ذلك "مرفوضة شعبياً"، وهي المعطيات التي أسهمت بحسبهم في "تأجيل حل الأزمة".
كان ذلك وفق المراقبين "تركة ثقيلة تركها بوتفليقة"، ومأزقاً تسبب فيه استحواذه على 95 صلاحية كاملة من خلال 3 تعديلات دستورية، "كبّلت" الوافد الجديد والمؤقت على كرسي "المرادية" ومعه المؤسسة العسكرية لإيجاد مخرج سريع للأزمة كما يرى كثير من العارفين بحقيقة الوضع السياسي في الجزائر.
ولم تتمكن الجزائر خلال الفترة السابقة من تنظيم ثاني انتخابات رئاسية، واختيار خليفة لبوتفليقة يسد الفراغ الذي تعيشه الجزائر.
ومع ذلك، توصل فرقاء الأزمة في الجزائر إلى أن "الحوار" هو المسلك الوحيد للعودة إلى المسار الانتخابي، وتجنيب الجزائر "عشرية أخرى سوداء".
أي مستقبل ينتظر الجزائر؟
سفيان جيلالي، رئيس حزب "جيل جديد" المعارض، والذي تأسس عام 2014، وكان من أشد المعارضين لحكم بوتفليقة، وأحد الشخصيات السياسية البارزة في الجزائر التي "تستبشر خيراً بمستقبل الجزائر على ضوء المستجدات التي أعقبت استقالة بوتفليقة".
رؤية المعارض الجزائري "المتفائلة" من واقع ومستقبل الأزمة في بلاده، لم تكن كذلك عشية استقالة بوتفليقة، فقد تبنى الرجل منذ تأسيس حزبه خطاباً "راديكالياً معارضاً ومشككاً دائماً في نوايا نظام بوتفليقة"، وتحداه بالخروج إلى الشارع والتنقل من مدينة إلى أخرى لشرح أفكاره ورأيه في نظام كان يعتبره "خطراً على الجزائر".
وفي حديث مع "العين الإخبارية"، أعرب سفيان جيلالي عن ارتياحه للأحكام القضائية الصادرة ضد رموز نظام بوتفليقة طوال الفترة الماضية.
وقال إن هناك تطوراً كبيراً جديداً عاشته الجزائر خلال المئة يوم الماضية، "لأن النظام الذي حكم الجزائر طيلة 20 سنة يعيش حالة انهيار تام، والجزائر اليوم تسير في مسار التغيير، رغم أننا نعيش مرحلة انتقالية حتى وإن كانت السلطة ترفض استعمال هذا المصطلح".
ويرى المعارض الجزائري أن "هذه المرحلة الانتقالية التي تعيشها الجزائر تحضر لنظام جديد، حتى وإن كان هناك بعض التردد أو الضغوطات من كل جهة، لكن النتيجة هي أننا متجهون نحو التغيير، ومع ذلك يصعب التكهن إن كان التغيير المقبل جذرياً أو نسبياً، وهو ما ستكشف عنه الأيام في المستقبل القريب".
وشدد على أن "حل الأزمة السياسية الحالية لا بد أن يكون شكلاً ومضموناً"، مشيراً في السياق إلى أن "المضمون يؤكد أن الأغلبية متفقة على أن الحل يأتي من خلال عودة الشرعية بانتخابات رئاسية، ولا يجب أن تطول حالة المرحلة الانتقالية غير المسماة، لأن ذلك سيؤدي إلى تعقيد الوضع أكثر، وتفادي ذلك لن يكون إلا بتنظيم انتخابات رئاسية في أقرب وقت ممكن".
أما "شكلياً"، فقد أوضح سفيان جيلالي أن "المعارضة الجزائرية تطالب بشروط مسبقة لضمان نزاهة تلك الانتخابات، من بينها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتغيير الحكومة، وإنشاء اللجنة المستقلة لإدارة الانتخابات، وأعتقد أن السلطة غير معترضة على هذا التنازل، وبقيت بعض الأمور الشكلية التي تدفعنا للتوجه نحو التفاوض للوصول إلى الاتفاق النهائي".
وعن مستقبل الأزمة السياسية في بلاده، يرى رئيس الحزب المعارض أن "الأزمة الحالية مختلفة عن سابقاتها، ويعود ذلك إلى تراكم من الخبرة ودروس من الماضي، هنالك وعي أبهر العالم عند الشعب، وكل هذه العوامل إيجابية جداً، إضافة إلى الضغط الاقتصادي على السلطة، ولا يمكن للمؤسسة العسكرية أن تتحمل لوحدها التسيير السياسي للبلاد، وبالتالي لا بد من حل سياسي يتطلب بعض الوقت وقليلاً من النية الصادقة في اقتراح واعتماد الحلول".
بدوره، يرى حبيب براهمية أن السلطة الحالية في الجزائر "لا تملك إلا التفاوض مع ممثلي الحراك والمعارضة لإيحاد حل توافقي للأزمة".
وأعرب هو الآخر عن تفاؤله بمستقبل بلاده بعد ارتدادات استقالة بوتفليقة على نظامه، مرجعاً ذلك إلى "استرجاع الجزائريين ثقتهم ومستقبلهم، والشباب اليوم فهموا جيداً أنه لا مكان لتهميش أنفسهم في السياسة، ودورهم مهم في اللعبة السياسية".
aXA6IDUyLjE0LjI3LjEyMiA= جزيرة ام اند امز