الجزائر بذكرى استقلالها.. حراك يتواصل وبوادر أزمة مع باريس
الجزائر تحتفل بذكرى عيد استقلالها بالتزامن مع حراك شعبي اعتبره محللون "امتداداً لثورتهم التحريرية"، ومع الأزمة الصامتة مع باريس.
تحتفل الجزائر الجمعة بالذكرى الـ57 لنيل استقلالها عن الاستعمار الفرنسي بعد 132 سنة من أبشع أنواع الاستعمار التي عايشها الجزائريون والتي خلفت استشهاد أزيد من 8 ملايين جزائري، بينهم مليون ونصف المليون شهيد خلال الثورة التحريرية (1954 – 1962).
- قائد الجيش الجزائري يتهم مسؤولين سابقين بالعمالة لفرنسا
- أسبوع الجزائر.. سقوط "الباء الثانية" ولجنة للحوار مع قادة الاحتجاجات
وتتزامن الذكرى هذا العام مع موجة الحراك الشعبي الأضخم في تاريخ الجزائر، عقب خروج ملايين الجزائريين لتغيير نظام عبدالعزيز بوتفليقة الذي حكمهم 20 سنة كاملة.
وكما كانت ثورة الجزائريين التحريرية واحدة من أعظم ثورات التحرير ضد الاستعمار في القرن العشرين، فإن كثيراً من المراقبين يجمعون على وصف حراك الجزائريين بـ"أضخم ثورة شعبية في الجزائر بعد ثورة نوفمبر ضد الاستعمار الفرنسي".
هبة الجزائريين الشعبية تداولها عدد من وسائل الإعلام العالمية باهتمام بالغ، واعترف كثير منها بذهولها من "محافظة ملايين الجزائريين على سلمية مظاهراتهم وعلى الوعي الجماهيري غير المسبوق الذي تفجر من مختلف محافظات الجزائر لإحداث التغيير الجذري في بلادهم".
ذكرى بنزعة ثورية
وتباينت تسمية الجزائريين لهبتهم الشعبية التي انطلقت في 22 فبراير/شباط الماضي، بين "الحراك الشعبي السلمي" و"الثورة الشعبية"، لكن كثيرين اتفقوا على تسميتها بـ"ثورة الابتسامة".
وخلال مظاهراتهم، حمل الجزائريون صور شهداء ثورتهم التحريرية التي كانت إلى جانب لافتات مطالبهم بالتغيير، وهو ما فسره كثير من المتابعين على أن "الجزائريين يستلهمون حراكهم ووعيهم من ثورتهم التحريرية وقادتها".
الأكاديمي والمؤرخ الجزائري الدكتور أرزقي فراد يرى في حراك الجزائريين "ثورة شعبية لإعادة تصحيح مسار سياسي".
وقال في تصريح لـ"العين الإخبارية": "إن ذكرى استقلال الجزائر هذا العام تتزامن مع حدث مهم جداً، أعتبره شخصياً بصفتي مؤرخاً، منعرجاً كبيراً في تاريخ الجزائر المعاصر، والثورة السلمية التي انطلقت يوم 22 فبراير هي امتداد لثورة 1 نوفمبر 1954، وإذا كانت ثورة نوفمبر قد حررت الأرض، نأمل أن تحرر ثورة فبراير الإنسان الجزائري".
وأوضح المؤرخ أن "ما حدث بعد استقلال الجزائر هو تراجع عن بيان 1 نوفمبر 1954 الذي ينص على بناء دولة حديثة بمعاييرها النوفمبرية وهي دولة ديمقراطية واجتماعية، وهناك الكثير من الظروف التي حرمت الجزائريين بناء دولة ديمقراطية بعد استقلالهم".
وشدد المحلل السياسي في سياق كلامه على وصف الحراك الشعبي بـ"الثورة الشعبية المصححة للخطأ السياسي والتجربة السياسية، والكثير من المؤشرات تؤكد نهاية نظام الاستقلال الذي حكم الجزائر، وحراك الجزائريين سينقلنا من ذهنية الحزب الواحد إلى الدولة التعددية بما في الكلمة من معان".
إصرار الجزائريين على مطالبهم وسلمية مظاهراتهم طيلة 5 أشهر كاملة، أدرجه باحثون ومحاربون قدماء في خانة "الوعي الشعبي المتشبع بمبادئ الثورة التحريرية الجزائرية وبتضحيات شهدائه".
رؤية يتفق معها أيضا الباحث أرزقي فراد، إذ قال لـ"العين الإخبارية" "إن الشباب الجزائري الذي خرج في المظاهرات قرأ الثورة الجزائرية لأنها موجودة بقوة في البرامج التعليمية والأكاديمية، لكن المشكل عندنا هو خيانة قيم ثورة نوفمبر وإدارة ظهورنا لها، فهي قيم إنسانية تدعو إلى الحريات وحقوق الإنسان، ثم تأتي الديمقراطية بما تحمله من آليات، وثورتنا الأخيرة ستعيد الاعتبار لقيم نوفمبر، ففيها الأصالة والمعاصرة، بأننا ننتمي إلى العالم العربي والاسلامي وفيها إشارة أيضا إلى انتمائنا إلى الإنسانية من خلال مصطلح الديمقراطية الاجتماعية".
بدوره، اعتبر الباحث والأكاديمي الجزائري الدكتور يحيى جعفري في حديث مع "العين الإخبارية" أن "حراك الجزائريين يحمل الكثير من الدلالات الثورية، وهو ثاني أعظم ثورة في تاريخ الجزائر بعد الثورة التحريرية، يخوضها الجزائريون للقطيعة مع كل الأساليب البالية في التسيير وفي الحكم والتدبير".
أوراق مبعثرة بين الجزائر وباريس
وتمر الذكرى الـ57 لاستقلال الجزائر بما يصفه المتابعون بـ"الأزمة الصامتة" بين الجزائر وباريس، بعد أن أعاد الحراك الشعبي ملف العلاقات بين البلدين "الشائك أصلا" إلى واجهة الأحداث "بشكل قد يقلب الطاولة على باريس" كما ذكر محللون سياسيون لـ"العين الإخبارية".
أزمة الجزائر وباريس رغم صمتها إلا أن مؤشرات أسبابها ظهرت مع الأزمة السياسية التي تمر بها الجزائر، عقب حديث وسائل إعلام جزائرية عن مشاركة "عناصر من المخابرات الفرنسية" في "اجتماع مشبوه" مع شخصيات جزائرية نافذة في عهد الرئيس الجزائري المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة بهدف "الإطاحة بقيادة أركان الجيش"، قبل أن تؤكد وزارة الدفاع الجزائرية تلك المعلومات ضمنياً.
وأعقبها تعليقات مسؤولين فرنسيين على الوضع السياسي بالجزائر، قابلها المتظاهرون باستهجان، وطالبوها بـ"عدم التدخل في الشؤون الداخلية" لبلادهم، وسط صمت رسمي.
ثم جاءت تصريحات قائد أركان الجيش الجزائري الخميس عشية احتفال الجزائر بعيد استقلالها، والتي اتهم فيها للمرة الأولى شخصيات محسوبة على نظام بوتفليقة بـ"العمالة لفرنسا" ووصفها بـ"عبدة الاستعمار وأصنامه".
وأكد عدد من الخبراء الاقتصاديين لـ"العين الإخبارية" أن "معركة المصالح الاقتصادية" التي تقودها فرنسا بالجزائر في السنوات الأخيرة اصطدمت بـ"رد فعل غير متوقع" من الجانب الجزائري.
ولعل من أكثر الدلائل على تراجع حجم النفوذ الاقتصادي الفرنسي بالجزائر، لجوء الجزائر إلى استيراد القمح الروسي والأرجنتيني بعد أن ظلت باريس تحتكر السوق الجزائرية منذ استقلال الجزائر، إضافة إلى قضية شركة "توتال" النفطية التي سعت للاستحواذ على أصول شركة "أناداركو" الأمريكية، والتي قوبلت بـ"فيتو" جزائري.
ثم جاءت مسألة الاستفتاء الإلكتروني الذي طرحته وزارة التعليم والبحث العلمي الجزائرية (الجامعات) لاستبدال لغة التدريس من اللغة الفرنسية إلى الإنجليزية.
معطيات صبت جميعها عند التأكيد على وجود تغيير جذري في السياسة الجزائرية تجاه المستعمِر السابق، يضاف لها تلك المطالب الشعبية في الحراك المنادية بـ"إنهاء الوصاية الفرنسية بالجزائر"، و"قطع يد فرنسا في الجزائر".
كل ذلك، دفع كثيرون إلى طرح تساؤلات وسيناريوهات عن مستقبل العلاقات الجزائرية الفرنسية، وإن كانت "ستشهد قطيعة؟ أم هي رسائل جزائرية لباريس لتغيير سياساتها ونظرتها تجاه مستعمرتها القديمة؟"، وهل مثّل حراك الجزائريين "ثورة أخرى ضد ما تبقى من نفوذ فرنسي في بلادهم؟ وهل تتجه الجزائر نحو إنهاء تبعيتها الاقتصادية والثقافية لفرنسا".
استكمال الاستقلال الوطني
الباحث والأكاديمي الجزائري الدكتور يحيى جعفري اعتبر في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن "الجزائر تتجه نحو استكمال الاستقلال الوطني، والعلاقات بين الجزائر وباريس "مكهربة" مؤخراً، لأن فرنسا عملت دائماً علناً أو سراً على محاولة إبقاء الجزائر ضمن الحظيرة في القرار السياسي والاقتصادي، كما أن باريس أبانت عن وجه قبيح هذا العام عندما دخلت مباشرة على خط توريث الحكم وحماية العصابة، والجيش توجه نحو اتهامها من منطلق معلومات يحوزها بتورطها حتى النخاع في موضوع متعلق بالسيادة".
واستعمل الأكاديمي الجزائري مصطلحاً لافتاً على المطالب الشعبية بإعادة النظر في العلاقات مع باريس، ووصفه بـ"تصفية المعاقل"، مؤكداً أن الحراك الشعبي يعتبر "موجة ثانية من الثورة التحريرية، والهدف منها هو القطيعة النهائية مع الهيمنة الفرنسية في الجزائر".
وعن مستقبل العلاقات بين البلدين، توقع أن "تتعمق القطيعة بين البلدين مستقبلاً، وتوقع أن تكون القطيعة مع الهيمنة الفرنسية أهم برنامج انتخابي سياسي يطرح في الرئاسيات القادمة، وسيكون أساس الرؤية المستقبلية لصناع القرار في الجزائر".