«تقدم» السودانية تنقسم.. هل تعرقل الخلافات جهود وقف الحرب؟
أحد أكبر التحالفات المناهضة للحرب في السودان ينقسم بعد أقل من عامين على تشكيله، في «عواصف» قد تضرب جهود وقف الصراع.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش و"الدعم السريع" في السودان حربا خلّفت نحو 20 ألف قتيل وأكثر من 14 مليون نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.
ترامب وإنهاء الحرب.. رهانات سودانية على «براغماتية» العائد
ومع تسارع وتيرة الحرب وانسداد الأفق السياسي؛ عصفت الخلافات بـ«تنسيقية القوى الديمقراطية» (تقدم)، أحد أكبر التحالفات المناهضة للحرب في السودان، إثر تصاعد الخلافات بين تنظيماتها الرئيسية.
فك ارتباط
والخلافات تشمل بالأساس المشاركة في "حكومة موازية" للسلطة العسكرية يكون مسرحها المناطق التي تقع تحت سيطرة قوات "الدعم السريع".
وسعى الائتلاف العريض منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، إلى إظهار موقف "الحياد" حول العملية العسكرية والتمسك بالدعوة لوقف الحرب دون الانحياز لأي طرف من الأطراف.
لكن مع مرور الوقت، بدأت بعض المكونات داخل التنسيقية تنحاز إلى قوات "الدعم السريع"، خاصة بعد توقيع الائتلاف اتفاقًا سياسيًا مع قائد قوات "الدعم السريع"، محمد حمدان دقلو موسى المعروف بـ"حميدتي"، في 2 يناير/كانون الثاني 2024 بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
وأمس الخميس، أعلن المتحدث الرسمي باسم تنسيقية "تقدم"، بكري الجاك رسميًا، فك الارتباط مع مجموعة داخل التحالف بقيادة نائب الرئيس الهادي إدريس وقيادات أخرى، عقب إعلان هذه المجموعة تشكيل حكومة موازية في فبراير/شباط المقبل بمناطق سيطرة قوات "الدعم السريع".
وسبق أن قدّمت "الجبهة الثورية"، إحدى أبرز مكونات تنسيقية (تقدم)، مقترحًا لتشكيل حكومة في المنفى، خلال اجتماعات الهيئة القيادية للتحالف مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ذروة الخلاف
يقول الكاتب والمحلل السياسي السودان أمير بابكر: "ظلت التحالفات السياسية في المشهد السوداني رهينة للحظات والأهداف التي نشأت وتكونت من أجلها، وشهد السودان طوال عهوده تحالفات بين قوى ومنظومات سياسية ومهنية."
وأضاف بابكر في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أنه "من طبيعة التحالفات، الاختلاف على مستوى الحدود العليا فهي أصلًا تتفق وتتراضى على برنامج حد أدنى، لذلك دائما ما تحمل بين طيات تحالفها خلافاتها على البرامج في مستوياتها العليا".
وبالنسبة له فإن "تقدم ليست استثناء، وفكرة التنسيقية قامت -على ما أظن- على توسيع مظلة تحالف قوى الحرية والتغيير الذي كان شريكًا في الحكم في الفترة الانتقالية قبل أن يطيح بها (قائد الجيش عبد الفتاح) البرهان بانقلابه بقوة السلاح في أكتوبر/تشرين الأول 2021".
وتابع أن "الغرض من هذا التوسع هو تكوين جبهة مناهضة للحرب في السودان، بحسب ما تفيد منشورات وبيانات تقدم."
ووفق الخبير، فإنه "طالما هناك رؤى مختلفة في التعامل مع الحرب داخل فصائل تقدم، كان لابد من وصول الخلافات إلى حدها مع تطورات الحرب لدى القوى التي ترى أهمية الانحياز لطرف من أطرافها".
واعتبر أن "المشهد يتكرر حاليا من فصائل تنتمي للجبهة الثورية أيضًا، والتي تريد إقامة حكومة موازية لحكومة بورتسودان في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع".
وأعرب الخبير عن اعتقاده بأن تلك "النقطة تشكل ذروة الخلاف بين القوي التي ترى الاستمرار في رفض الحرب وعدم الانحياز لأي طرف، وبين أخرى ترى دعم قوات الدعم السريع، وهي القوى التي تمثل الحركات المسلحة في دارفور."
ومضى بابكر قائلًا: "من الطبيعي أن تؤثر الخلافات على مستقبل تقدم كجبهة وتحالف سياسي، ولكنها لن توقف القوى السياسية التي تتبنى رؤية وقف الحرب من الاستمرار في بناء تحالفات جديدة".
ولفت إلى أن "اسم تقدم ليس مقدسا كتحالف، ومثلما كان هناك التجمع الوطني الديمقراطي في مرحلة ما، وجاء بعده تحالف الإجماع الوطني وظهرت بعد ذلك قوى الحرية والتغيير، ستستمر التحالفات وفقًا للحراك السياسي وبمعطيات المرحلة التي ينشأ فيها."
من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي السوداني أنور سليمان، أن "تنسيقية تقدم بالأساس ضعيفة وجهودها لوقف الحرب لا تذكر ولا تأثير لها".
ويقول سليمان في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إن "الانقسام الأخير سيزيدها ضعفًا، إلا إذا اتخذت قيادة التنسيقية من هذه المفاصلة نقطة تحول لتقييم تحالفها وعلمها، ومن الخطوات ما يمكنها من بناء ائتلاف وطني يضم قوى فاعلة وقادرة على التواصل مع الجمهور داخليًا وتنظيميًا مع القوى المؤثرة على مشهد الحرب، ودبلوماسيًا مع المحيط الإقليمي والدولي".
«أزمة» حكومة المنفى
في بيان اطلعت عليه "العين الإخبارية"، قال المتحدث باسم "تقدم"، بكري الجاك، إن "الموقف الرسمي للتنسيقية كان وما زال أنها لا تسعى إلى تشكيل حكومة منفى أو حكومة موازية".
وأضاف "توافقت الآلية السياسية في آخر اجتماع لها على فك الارتباط بين الكيانات والأفراد الذين يصرون على المضي في تشكيل الحكومة، وبين الكيانات والأفراد المتمسكين بعدم تشكيل أي حكومة بصورة منفردة أو مع أي من أطراف القتال".
وتابع: "نحن نستشعر أثر الحرب البالغ في دفع الجميع نحو الاستقطاب والانقسام، وستظل تنسيقية القوى الديمقراطية غير منحازة لأي طرف من أطراف الحرب، ولا تعترف بشرعية سلطة الأمر الواقع في بورتسودان أو أي سلطة أخرى".
ومشددا: "نرفض الحرب والعنف كوسيلة لإدارة الصراع السياسي، وسنعمل على بناء جبهة مدنية رافضة للحرب ومؤمنة بوحدة البلاد".
من جانبه، قال نائب رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، الهادي إدريس، في بيان اطلعت عليه "العين الإخبارية": "نود التأكيد، في ضوء التصريحات الصادرة مؤخرًا، أن البيان الذي تم تداوله باسم الناطق الرسمي لا يعبر عن الموقف الرسمي لتقدم".
وأضاف أنه "لم يتم الاتفاق على هذا البيان من قبل أي من هيئات التنسيقية المعتمدة، ولم يجرٍ التوافق عليه داخل الأطر التنظيمية المعروفة".
وتابع: "كما نؤكد أن تنسيقية (تقدم) لم تتخذ بعد أي قرار بشأن مسألة تشكيل الحكومة، وأن هذا الموضوع لا يزال قيد النقاش بين جميع الأطراف. أي تصريحات متسرعة تصدر خارج السياق التنظيمي هي محاولات غير مسؤولة لفرض أجندات معينة، ولا تمثل الإرادة الجماعية للتحالف".
ووفق البيان نفسه، "إننا نرى في هذا التصريح المتعجل محاولة لخلق انقسام داخل التنسيقية، وهو أمر نرفضه بشدة. تحالف (تقدم) تأسس على أسس التوافق السياسي بين مؤسسيه، وهم وحدهم من يملكون حق تقرير مصيره، لا يمكن لأي طرف منفرد أن يقرر مصير التنسيقية أو يصدر قرارات مصيرية دون موافقة الجميع".
aXA6IDMuMTM3LjE3MS43MSA= جزيرة ام اند امز