الفاشر.. مدينة «السلاطين» و«المعادن» تعيش أسوأ كوابيسها
ضاربة بجذورها في التاريخ فكانت «مقر إقامة السلاطين»، وغنية بمواردها فأطلق عليها «منطقة المعادن».. هذه هي مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان، لكن يبدو أن «لا شيء يبقى للأبد».
فالمدينة العامرة باتت تعيش أسوأ كارثة إنسانية، بسبب المعارك العنيفة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، أسفرت عن كلفة اقتصادية باهظة وتدمير هائل للبنية الاقتصادية.
- السودان.. الفاشر على حافة «الهاوية» وشبح المجاعة يهدد المدنيين
- خارطة طريق إماراتية شاملة لإنهاء أزمة «الفاشر» شمال دارفور
الموارد والتركيبة السكانية
وأثبتت دراسات أعدتها (الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية السودانية) وجود 20 نوعا من المعادن الأساسية بالولاية، من أصل 40 نوعا من المعادن المنتشرة في الكرة الأرضية.
كما تتمتع المنطقة بثروة حيوانية كبيرة يبلغ تعدادها أكثر من 30 مليون رأس من الضأن والماعز والإبل والأبقار.
ويقطن مدينة الفاشر حاليا مجموعة من القبائل والأعراق من مختلف أرجاء السودان، لكن القبائل الأفريقية التي تشكل أساس الحركات المسلحة (الزغاوة، والفور، والمساليت) تسيطر على المشهد السكاني.
أما القبائل من أصول عربية فهي قليلة، وتعيش معظمها في ولاية جنوب دارفور التي تسيطر عليها قوات" الدعم السريع" في الوقت الحالي.
الموقع الجغرافي
تقع مدينة الفاشر في غرب السودان على ارتفاع 700 متر (2296 قدما) فوق سطح البحر على مسافة 802 كيلومتر غرب العاصمة الخرطوم، و195 كيلومترا عن مدينة نيالا باتجاه الشمال الشرقي.
وكانت الفاشر محطة انطلاق للقوافل في العصور القديمة، وتحولت بمرور الزمن إلى سوق للمحاصيل الزراعية.
ويعتمد اقتصاد المدينة على المنتجات الزراعية المتوفرة في المنطقة بشكل أساسي.
وتلقب الفاشر بـ"الفاشر أبوزكريا" نسبة إلى الأمير زكريا والد السلطان علي دينار، الذي كان له فضل كبير في تطويرها.
سلطنة الفور
حكم سلاطين قبيلة "الفور" مدينة الفاشر لفترة امتدت ما يقارب الخمسة قرون، من سنة 1445 وحتى 1916، وكان أولهم السلطان سليمان سولونق وآخرهم هو السلطان علي دينار.
وكان هؤلاء يديرون السلطنة في بداية عهد حكمهم من منطقة "جبل مرة"، إلا أن السلطان عبدالرحمن الرشيد الذي خلف السلطان تيراب في الحكم وجد أن من الصعوبة بمكان إدارة السلطنة التي ترامت أطرافها من منطقة جبل مرة، فقرر نقلها إلى منطقة تتوسط السلطنة.
ووقع الاختيار على منطقة وادي رهد تندلتي الواقعة في السهول الشرقية من دارفور لإقامة فاشره (قلعته) فيها، خاصة أن المنطقة تسهل فيها فلاحة الأرض وتربية الحيوان.
بدأ السلطان الرشيد في تشييد أول قصر له على الضفة الشمالية من الوادي، ومن ثم تم بناء منازل الحاشية والحرس وسرعان ما توافد الناس إلى فاشر السلطان، حتى تحولت إلى مدينة مأهولة، وهكذا نشأت الفاشر كعاصمة إدارية، وهو الدور الذي لم يفارقها حتى الآن.
كانت الفاشر أيضا نقطة انطلاق للقوافل التجارية التي تمر عبر درب الأربعين (الطريق الذي يستغرق أربعين يوما)، والذي كان يربط السودان بمصر لنقل العاج وريش النعام وأخشاب الأبنوس من غابات وسط أفريقيا إلى الأسواق المصرية وتعود محملة بالحرير، والأقمشة، والورق، والآنية.
الحكم التركي المصري
في سنة 1821 غزا محمد علي باشا السودان، ودحر جيوش "السلطنة الزرقاء" واحتل عاصمتها سنار ثم اتجهت جيوشه غربا وتوقفت في مملكة "المسبعات" على حدود سلطنة دارفور.
وكان من الصعب على سلاطين الفور التعايش مع الحكام الجدد لممالك السودان الذين كانوا يسيطرون على طريق القوافل المتجهة نحو مصر عبر الفاشر، فدخلت جيوشهم بقيادة السلطان إبراهيم قرض في قتال من جهة الجنوب مع قوات الزبير باشا رحمة الموالي للأتراك، الذي تمكن من دحرهم في معركة منواشي.
بينما دخل الجيش التركي مدينة الفاشر من جهة الشرق زاحفا من الخرطوم عبر كردفان، وبذلك خضعت مملكة الفور عاصمتها الفاشر لحكم الأتراك.
الثورة المهدية
في سنة 1884 احتلت قوات المهدي مدينة الفاشر بعد حصار دام أسبوعا واحدا، بهزيمة خليفة المهدي عبدالله التعايشي في معركة "أم دبيكرات" في 24 نوفمبر/تشرين الأول 1890، على يد القوات البريطانية المصرية.
واستعاد السلطان علي دينار مدينة الفاشر في 1909، وبقي فيها حتى عام 1916، عندما وضعت قوات الحكم الثنائي نهاية لذلك.
العمارة ومعالم المدينة
شهدت الفاشر تطورا عمرانيا كبيرا في عهد السلطان علي دينار الذي اهتم بالعمارة فيها، فبنى قصره ومجمع سكنه الذي كان يضم غرف السكنى والمجالس والردهات والمسجد الجامع، فشكل معلما معماريا بارزا في المنطقة خلال تلك الحقبة، وهو الآن متحف يتبع الهيئة القومية للآثار والمتاحف.
وتشمل المعالم البارزة للمدينة حاليا قصر السلطان علي دينار، ومجمع السلطان علي دينار الذي يضم مسجدا ومكتبة إلكترونية ومركزا لتحفيظ القرآن الكريم، والسوق الكبير يزخر بالمحلات التجارية من دكاكين ومقاصف، وهو أيضاً مركز المواصلات المؤدية إلى جميع أحياء المدينة.
النشاط الاقتصادي
ويمتهن سكان المدينة الزراعة والرعي والخدمات، وتشمل الزراعة المحاصيل النقدية والاستهلاكية مثل القطن والذرة والسمسم والتمور والموز والمانجو والأرز.
بينما تتركز تربية الحيوان على رعي الماعز والأغنام والأبقار، وفي الآونة الأخيرة تطور قطاع الخدمات بفضل النمو السكاني والأعداد الكبيرة من المنظمات التطوعية الأجنبية والمحلية وما يرافقها من خدمات إدارية ولوجستية ومصرفية.
النقل والمواصلات
ترتبط المدينة بشبكة من الطرق بالبلدات والقرى المحيطة بها وأهم المدن السودانية عبر عدد من الطرق، أبرزها طريق الجنينة طريق الفاشر نيالا، وطريق أم درمان التي تمر بالكومة وأم كدادة، وتربط الولاية بشمال كردفان ومنه إلى النيل الأبيض ثم إلى أم درمان، وهذا الطريق يسمى طريق الإنقاذ الغربي، وهناك مطار دولي وهو مطار الفاشر.
مخيمات النزوح
تضم مدينة الفاشر عددا من مخيمات النزوح بسبب الحرب والنزاعات المسلحة، أبرزها مخيمات (أبوشوك)، (زمزم)، و(السلام).
وأعلن مسؤول بحكومة ولاية شمال دارفور نزوح 90 ألف مواطن، إثر الاشتباكات التي اندلعت مؤخرا بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، في الفاشر والقرى المجاورة.
وأوضح المسؤول ذاته، لـ"العين الإخبارية"، أن مجموعة النازحين هربت إلى مخيمات النزوح التي تعاني نقص المياه وتدهور أوضاع البيئة والغذاء ومواد الإيواء والحماية.
وأكد مواطنون بالمدينة لـ"العين الإخبارية" أن "الاشتباكات الحالية دمرت ما تبقى من الخدمات الضرورية في الكهرباء والمياه والمراكز الصحية".
وأشاروا إلى أن الآلاف يعانون الجوع بسبب النقص الحاد في الغذاء، وعدم وصول المساعدات الإنسانية إلى المدينة بسبب الاشتباكات العسكرية المستمرة.
ونزح نحو نصف مليون شخص إلى الفاشر في أعقاب اندلاع الحرب بين طرفي النزاع في العاصمة الخرطوم في أبريل/نيسان 2023.
التعليم
إلى جانب العديد من المدارس الحكومية والأهلية على مختلف مراحلها توجد في الفاشر جامعة هي جامعة الفاشر الواقعة غرب مطار المدينة وتأسست في عام 1990، وتم افتتاحها رسميا في عام 1991.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023 يخوض الجيش السوداني و"الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.
aXA6IDE4LjIyNy41Mi4yNDgg جزيرة ام اند امز