نفوذ بالوكالة.. كيف استحوذت عائلة البرهان على ذهب السودان؟

لم يعبث فقط بأمن السودانيين وسلبهم حق الاختيار، بل استحوذ على أبرز موارد قوتهم عبر نفوذ بالوكالة يستهدف البقاء بالسلطة بأي ثمن.
عبد الفتاح البرهان قائد جيش السودان، يعود للواجهة لكن هذه المرة عبر ملف يستكمل معادلة السيطرة في البلد المضطرب جراء نزاع دام لم يضع أوزاره منذ أكثر من عامين.
«حرب موازية» يشنها البرهان على السودانيين لاستكمال ضلع مثلث السلطة بيديه، في مسار يرسمه بدماء شعبه من أجل تطويقه وخنقه وإجباره على القبول بالأمر الواقع.
خبير اقتصادي مطلع على معلومات خاصة بقطاع التعدين في السودان، كشف عن لجوء البرهان لإحكام سيطرته على مورد الذهب في السودان وذلك عقب اندلاع حرب أبريل/ نيسان 2023 ضد قوات الدعم السريع.
وبحسب الخبير الذي تحدث لـ"العين الإخبارية" مفضلاً عدم نشر اسمه لدواع أمنية، قام البرهان بمنح صلاحيات واسعة لشقيقه حسن البرهان، مكنته من الاستحواذ على مزايا تفضيلية في عمليات التنقيب عن الذهب ومن ثم الاستئثار بعوائده وتوجيهها في خدمة الحفاظ على بقاء البرهان في السلطة.
وأكد الخبير الاقتصادي أن شقيق البرهان المحامي "حسن" تم تلميع اسمه وإظهاره للدوائر الحكومية الناشطة في مجال التعدين وذلك منذ أن تم تعيين مبارك أردول مديراً للشركة السودانية للموارد المعدنية خلال حكومة الفترة الانتقالية.
وأوضح أن هذا "اللوبي" المكون من حسن البرهان وأردول والفريق شمس الدين الكباشي عضو مجلس السيادة الانتقالي، كانوا ينشطون في بيع نصيب الدولة من الذهب بعد تحصيله بواسطة الشركة السودانية للموارد المعدنية، مستفيدين من ماهو متعارف عليه إقتصادياً بـ "خصم السعر" الرسمي.
وأشار إلى أن شقيق البرهان انطلق بعد ذلك متجاوزاً "اللوبي" الأول ليرتاد المجال بنفوذ أكثر اتساعاً بعد اندلاع الحرب ضد قوات الدعم السريع، ليشكل "لوبي" آخر يضم بجانبه شقيقه الآخر خالد البرهان ومصلح نصار مستشار رئيس الوزراء الحالي كامل إدريس.
تسريبات سابقة
لم تكن المعلومات عن اتساع نفوذ عائلة البرهان، في قطاع التعدين السوداني بعيدة عن عيون الصحافة الاستقصائية، أو حاسة التتبع لدى النشطاء والباحثين عن كشف الحقائق المحاطة بسرية كاملة.
ومنذ نحو أيام قليلة، كشف تقرير لموقع «أفريكا أنتليجنس»، المتخصصة في الشؤون الأفريقية، عن تنامي نفوذ عائلة عبد الفتاح البرهان في قطاع الذهب، الذي يمثل نصف صادرات السودان.
وبحسب التقرير، فإن هذا النفوذ يطغى على دور الحكومة المدنية، ويمارسه شقيق قائد الجيش المحامي حسن البرهان.
وقال الموقع إنه في اليوم التالي مباشرة لتعيين نور الدائم طه القيادي البارز في حركة جيش تحرير السودان التي يرأسها أركو مني مناوي، وزيرًا جديدًا للتعدين، تلقى زيارة غير متوقعة من حسن البرهان.
وأضاف أن حسن جاء لمناقشة سياسات التعدين معه، في خطوة اعتبرها التقرير مؤشرًا على أن البرهان لن يترك للحكومة المدنية أي رأي في هذا الملف الاستراتيجي.
من جانبه، نفى وزير المعادن، نور الدائم طه، أي علاقة تجمعه بحسن البرهان، واصفًا ما تم تداوله من تقارير بـ«الشائعات» و«الكذب السخيف»، وأكد أنه لم يلتق بحسن البرهان ونفى معرفته به من قبل.
ورغم هذا النفي، تتداول تقارير أخرى معلومات متضاربة، من بينها حادثة ضبط السلطات المصرية مبلغ 10 ملايين دولار نقدًا بحوزة حسن البرهان بأحد المطارات في يناير/كانون الثاني 2024، وادّعاءات بأنه تم الإفراج عن المبلغ لاحقًا.
إلا أن «أفريكا أنتليجنس» أشار إلى أن هناك مؤشرات قوية على تنامي نفوذ عائلة البرهان داخل قطاع التعدين بالسودان، مما يثير تساؤلات حول مدى سيطرة الحكومة المدنية على أحد أهم الموارد الاقتصادية في البلاد.
وكذلك، تشير تقارير مختلفة إلى أن حسن البرهان يدير مصالحه الشخصية في قطاع التعدين مستفيدًا من «تسهيلات» يقدمها له شقيقه.
وبحسب هذه التقارير، فقد حقق حسن البرهان أرباحًا طائلة وتلقى أموالًا ضخمة من شركات التعدين مقابل منحها الموافقات اللازمة ومربعات للتنقيب.
استثناءات وامتيازات
الخبير الاقتصادي الذي تحدث لـ"العين الإخبارية" أكد حقيقة معظم المعلومات التي أوردها موقع «أفريكا أنتليجنس» حول تنامي نفوذ عائلة «البرهان» داخل قطاع التعدين.
وقال: "يمكنني الإضافة بأن الثلاثي المكون من حسن البرهان ومصلح نصار وخالد البرهان، نجحوا في إرساء شراكة مع منظومة الصناعات الدفاعية، من خلال الاستفادة من قاعدة علاقات في مجال التنقيب عن الذهب قبل اندلاع الحرب".
وأشار إلى أن مؤسسة الجيش السوداني تمتلك عبر منظومة الصناعات الدفاعية، أكثر من 300 شركة تجارية وصناعية تعمل في قطاعات حيوية تشمل التعدين، البناء، المياه، المواد الغذائية، تصنيع الأدوية، المصارف، وحتى الاتصالات والطيران".
وكشف الخبير الاقتصادي عن عائدات هذه الشركات، مؤكداً أنها تُقدر بما يزيد على ملياري دولار سنوياً، ما يجعلها واحدة من أقوى المنظومات الاقتصادية شبه السيادية في السودان بحسب قوله.
ولفت إلى أن عائلة البرهان استمدت نفوذها في جني الأرباح واكتناز الأموال، من خلال إدارة شقيق البرهان لشبكات توريد مدخلات التعدين من المواد الكيميائية، عبر خطابات "الاستثناءات" من وزارة المعادن الذي تولى حقيبتها نور الدائم طه بعد تدخل مباشر من البرهان خلال فترة التشكيل الوزاري الجديد بعد تعيين كامل إدريس رئيساً للوزراء.
واعتبر أن "وجود نور الدائم طه في وزارة المعادن ساعد على تخصيص مربعات امتياز تنقيب عن الذهب لصالح أشقاء البرهان، فضلاً عن تمتعتهم بحرية الاستحواذ على مواقع الآخرين العاملين في مجال التنقيب عن الذهب منذ فترات طويلة".
هواجس العقوبات
من جهة ثانية، استدل الخبير الاقتصادي على قرار أصدره الجيش السوداني في يوليو/تموز الماضي، قضى بتعليق نشاط عدد من شركاته العاملة في مجالات التعدين والإنشاءات والطباعة.
وقال إن "قرار التعليق، لا يتناقض مع الحقائق الخاصة بتنامي نفوذ عائلة البرهان في مجال التنقيب عن الذهب.
وبحسب الخبير فإن القرار جاء تحسباً لمخاوف كثيرة أثارتها العقوبات الأمريكية والأوروبية المتصاعدة ضد شركات وأفراد مرتبطين بالمؤسسة العسكرية السودانية، بسبب تورطهم في تمويل العمليات الحربية وتهديد الأمن الإقليمي".
وأضاف أن "البرهان يريد اللعب على كل الحبال، ظناً بأن المجتمع الدولي والإقليمي يمكن أن يُخدع في قراراته، وبهذا يتوهم بأنه يستطيع انتزاع اعتراف دولي بشرعية سلطته التي يسعى للحفاظ عليها بأموال الشعب السوداني دون وجه حق".
وفي يونيو/حزيران 2023، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على “منظومة الصناعات الدفاعية”، ضمن سلسلة إجراءات استهدفت تجفيف مصادر تمويل الحرب.
كما طالت العقوبات شركات مثل “سودان ماستر تكنولوجي” وأذرع مالية وتجارية لقادة في الجيش السوداني..
وبحسب تقارير أممية ودراسات للباحث “جان باتيست غالوبان”، فإن الشركات المرتبطة بالمؤسسة العسكرية تنشط أيضًا في تصدير الذهب والجلود والصمغ العربي، وتسيطر على نسب كبيرة من سوق استيراد القمح والأدوية.
أصداء واسعة
تقرير «أفريكا أنتليجنس» أثار ضجة واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، وترك أصداء واسعة بالشارع السوداني، في وقت يواجه فيه السودانيون ظروفاً كارثية بسبب الحرب وتفشي الأوبئة وانهيار قطاع الخدمات، فضلاً عن الغلاء في المعيشة بشكل غير مسبوق.
الناشط السياسي المعروف في السودان، عبدالمنعم سليمان، علق على منصات التواصل الاجتماعي حول تقرير المنصة، قائلاً: "ليس غريباً، بعد كل ما تقدّم، هروب البرهان ورفضه لمساعي السلام في كل مرة".
وأضاف: "فإلى جانب أنّ استمرار الحرب يخدم مصالح الكيزان (مصطلح يستخدم في السودان لوصف تنظيم الإخوان) الذين يسيطرون عليه وعلى جيشه، فإنّ مصلحته الشخصية المباشرة - كما كشف التقرير - تكمن في إدامة الحرب، كي يظل الذهب وبقية الموارد رافداً دائماً لسلطته وثروته وعائلته والمقرّبين منه".
وتابع: "لا شك أنّ استمرار الحرب يخدم مصالح عبد الفتاح البرهان وأسرته بصورة مباشرة؛ فكل يوم يمرّ في أتون النزاع يفتح لهم باباً جديداً لنهب أطنان الذهب، ومراكمة الأرباح، وتوسيع شبكة النفوذ العائلي عبر تعيين الأقارب في مواقع استراتيجية، رسمية كانت أو غير رسمية".