بالحقائق والبراهين.. "العين الإخبارية" تفند ادعاءات السودان في "العدل الدولية"

"أكاذيب مكررة.. ادعاءات زائفة.. معلومات مضللة.. أدلة مزعومة غائبة.. حقائق مقلوبة.. تردد وضعف.. توتر وارتباك"
هذا هو حال ممثلي السلطات السودانية خلال مرافعتهم في محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا بشأن الشكوى المقدمة ضد دولة الإمارات بمزاعم دعم قوات الدعم السريع بالأسلحة، الأمر الذي ساعدهم على ارتكاب جرائم إبادة جماعية تجاه مجموعة المساليت في السودان، على حد زعمهم.
وانعكس يقين ممثلي السلطات السودانية في المحكمة وعلى رأسهم وزير العدل السوداني معاوية عثمان وغيره من الخبراء حول عدم صحة اتهاماتهم وداعاءاتهم، على أدائهم في المحكمة، ومرافعتهم التي لم تحمل أي جديد.
ادعاءات مكررة
نفس الاتهامات والادعاءات الزائفة التي لطالما تصر السلطات السودانية على تكرارها، دون وجود أي أدلة منطقية على صدقها، والتي لطالما سبق أن نفتها دولة الإمارات مرارا وتكرارا، بل ودحضتها وفندت ما تحتويه من أكاذيب.
أبرز الاتهامات التي أعاد ممثلي السلطات السودانية ترديدها أمام المحكمة هي:
- الإمارات تدعم قوات الدعم السريع بالأسلحة.
- العثور على أسلحة ومركبات استخدمها قوات الدعم السريع تحمل شعارات إماراتية.
- المستشفى الميداني الإماراتي في أمدجراس يستخدم لأنشطة أخرى غير العمل الإنساني وأنها رفضت طلبات الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر للدخول إلى المستشفى.
دحض الأدلة.. رسميا
جميع تلك الاتهامات سبق أن نفتها دولة الإمارات رسميا مرارا وتكرار ودحضت صحتها، ففي بيان صادر عن وزارة الخارجية الإماراتية في أغسطس/آب 2023، أكدت دولة الإمارات بشكل حاسم رفضها الكامل للادعاءات التي تزعم قيامها بتزويد أطراف النزاع السوداني بأي نوع من أشكال الدعم.
وشدد البيان على أن دولة الإمارات لا تنحاز إلى أي طرف في الصراع، بل تسعى بكل جدية إلى إنهاء القتال، وتدعو لاحترام سيادة السودان الشقيق وسلامة أراضيه.
ومنذ اندلاع الأزمة، لعبت الإمارات دورا فاعلا في الحث على خفض التصعيد، وذلك عبر لقاءات ثنائية ومتعددة الأطراف، بالتنسيق مع الشركاء الدوليين، مطالبة بوقف فوري لإطلاق النار والانخراط في حوار دبلوماسي شامل.
وفي رسالة رسمية وجهتها إلى مجلس الأمن الدولي بتاريخ 21 أبريل/نيسان 2024، أوضحت دولة الإمارات أن حملات التضليل الإعلامي والروايات الزائفة التي تُبث ضدها، تهدف إلى صرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية للصراع، وتُقوض الجهود الدولية المبذولة لمعالجة الأوضاع الإنسانية المتدهورة في السودان.
وأكدت دولة الإمارات التزامها الدائم بالحل السلمي للنزاع السوداني، واستعدادها لمواصلة العمل مع جميع الأطراف المعنية دعماً لأي مسار سياسي يهدف إلى التوصل إلى تسوية دائمة تُفضي إلى توافق وطني وتشكيل حكومة بقيادة مدنية.
كما شددت على أن جميع الادعاءات التي تربطها بأي شكل من أشكال العدوان أو زعزعة الاستقرار في السودان، أو بتقديم دعم عسكري أو لوجستي أو مالي أو سياسي لأي طرف، هي ادعاءات باطلة ولا تستند إلى أي أدلة موثوقة.
وأعادت دولة الإمارات تأكيد احترامها الكامل للقانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وحرصها على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، فضلاً عن التزامها التام بتنفيذ قرارات مجلس الأمن والتعاون مع هيئاته الفرعية.
واختتمت الإمارات موقفها بالتأكيد على أنها ستظل شريكًا مسؤولًا في دعم السلام والاستقرار في السودان، انطلاقًا من إيمانها العميق بأهمية الحلول السياسية والدبلوماسية، وحرصها على وحدة السودان وسلامة شعبه الشقيق.
الادعاء والحقيقة
في التاسع والعشرين من يونيو/حزيران الماضي، أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة بياناً رسمياً موجهاً إلى مجلس الأمن الدولي، ردّت فيه بشكل حازم على الاتهامات التي أطلقها ممثل القوات المسلحة السودانية ضدها، وضمّنت البيان عرضًا مفصّلًا للأدلة التي تنسف تلك المزاعم وتكشف زيفها، وذلك على النحو التالي:
- الصور المزعومة لجوازات السفر:
أوضح البيان أن الصور التي زعمت القوات المسلحة السودانية أنها "عُثر عليها في ساحة القتال" ليست سوى صور فوتوغرافية ممسوحة ضوئيًا لستة جوازات سفر، تعود لأشخاص يعملون في المجال الخيري، بالإضافة إلى رجل أعمال سبق أن زار السودان قبل وقت طويل من اندلاع النزاع.
وأكد البيان أن تلك الادعاءات الكيدية تتناقض تماماً مع الترحيب الرسمي الذي حظي به هؤلاء الأفراد في السابق من السلطات السودانية ذاتها، مشيرًا إلى أن جميعهم لا يزالون يحتفظون بجوازات سفرهم الأصلية، ويحتفظون بحقهم في اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة.
- المركبة المدرعة:
بخصوص الصورة التي نشرها ممثل القوات المسلحة السودانية لمركبة مصفحة، وادّعى أنها "مركبة نمر بتصميم داخلي من طراز فورد"، فقد فنّد البيان هذه المزاعم، موضحاً أن المركبة الظاهرة في الصورة لا تمت بصلة لطراز "نمر"، وأنه لم يُصنع في أي وقت مضى أي نموذج من مركبات "نمر" باستخدام الهيكل الخارجي أو التصميم الداخلي لمركبات فورد.
- مزاعم التوريد العسكري:
رفضت دولة الإمارات بشكل قاطع الادعاءات بشأن توريد أسلحة أو معدات عسكرية لأي طرف من أطراف النزاع، مؤكدة أنها لم تقدّم أي شكل من أشكال الدعم العسكري منذ اندلاع القتال.
وأوضح البيان أن المساعدات العسكرية التي سبق وقدّمتها الإمارات للسودان كانت قبل نشوب النزاع، وجاءت استجابة لطلب رسمي من حكومة السودان ممثلة بوزارة الدفاع والقوات المسلحة السودانية، وبموجب اتفاقية الدفاع الموقعة بين البلدين بتاريخ 29 يوليو/تموز 2020. وقد تم هذا التعاون في إطار شرعي ومتسق تمامًا مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
- الهواتف المحمولة:
أما بخصوص الصور التي زُعِم أنها تعود لهواتف إماراتية وذات استخدام عسكري، فقد بيّن البيان أن الهواتف الظاهرة في الصور هي أجهزة مدنية قديمة، كانت تُباع تجاريًا منذ عقود، ولم تعد تُنتج أو تُستخدم، وأن الشعارات والعلامات الخاصة بشركة "اتصالات" التي ظهرت على بعض الهواتف تعود إلى ما قبل عام 2000، ولم تعد جزءًا من الهوية البصرية المعتمدة للشركة.
وأكدت الإمارات في ختام بيانها أن هذه الادعاءات الملفقة لا تهدف سوى إلى تشويه سمعة الدولة والتهرب من المسؤوليات الفعلية على الأرض، مجددة التزامها الراسخ بمبادئ القانون الدولي، وسعيها المستمر لدعم السلام والاستقرار في السودان، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التدخل أو الانحياز.
اتهامات المستشفى الميداني
فيما يتعلق بالادعاءات التي طالت المستشفى الميداني الإماراتي في مدينة أمدجراس، والتي زعمت استخدامه في أنشطة غير إنسانية، وادعت رفضه استقبال طلبات من الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر للدخول إليه، تجاهل ممثلو السلطات السودانية الإشارة إلى أن تأسيس دولة الإمارات للمستشفيات الميدانية جاء بعد أن رفضت القوات المسلحة السودانية العرض الرسمي الذي تقدمت به الإمارات بتاريخ 25 مايو/أيار 2023 لإنشاء مستشفى ميداني داخل الأراضي السودانية لتقديم الدعم والمساعدات الطبية العاجلة.
وعقب هذا الرفض، بادرت الإمارات إلى إنشاء مستشفيين ميدانيين على مقربة من الحدود السودانية التشادية، لا يزالان حتى اليوم يشكلان شريان حياة لا غنى عنه لمن هم في أمسّ الحاجة إلى الرعاية الصحية، قبل أن تؤسس لاحقًا مستشفى ثالثًا في جنوب السودان خلال شهر مارس/آذار الماضي.
وفي هذا السياق، أصدرت هيئة الهلال الأحمر الإماراتي بتاريخ 28 سبتمبر/أيلول 2024 بيانًا رسميًا فنّدت فيه تلك الادعاءات الباطلة، مؤكدة أن ما تضمنته من افتراءات لا يستند إلى أي دليل، وأن "فشل مطلقي هذه الاتهامات في تقديم ما يثبت مزاعمهم، دليل قاطع على بطلانها".
وأوضح البيان أن مستشفى أمدجراس أنشئ في يوليو/تموز 2023، أي بعد اندلاع الأزمة السودانية في أبريل من العام ذاته، وبعد الرفض الصريح لطلب إنشاء مستشفى ميداني داخل السودان. وأكد أن مهمة هذا المستشفى تنحصر في تقديم الرعاية والدعم الطبي للفئات الأكثر ضعفًا وتضررًا، في بيئة إنسانية حرجة ومعقدة.
وأضاف الهلال الأحمر الإماراتي أن تشغيل المستشفى يجري في إطار إنساني بحت، ويركز حصريًا على توفير الخدمات الطبية الأساسية للمرضى المحتاجين، انسجامًا مع المبادئ الإنسانية والقوانين الدولية، التي تلزم كافة العاملين في المجال الطبي بتقديم الرعاية الصحية لكل من يحتاجها، وبما يتوافق مع الاعتبارات الطبية فقط، دون أي تمييز أو غرض آخر.
وأكدت الهيئة رفضها القاطع للادعاءات التي تزعم امتناعها عن استقبال بعثات من الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، مشددة على أن علاقتها بالاتحاد علاقة ممتدة ومتينة منذ انضمام دولة الإمارات إلى عضويته عام 1986، وأن التعاون المشترك بين الطرفين قائم بشكل فعّال ومستمر، خاصة في ظل الدور الجوهري الذي تؤديه الدول المضيفة في منح تصاريح الدخول إلى المنشآت الطبية والمستشفيات الميدانية.
وأوضحت الهيئة أنها ستتعاون مع الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر لتقصي حقيقة ما جرى، والعمل على تحديد ما إذا كان هناك اعتراض على دخول بعثات معينة، مع التأكيد على أن صلاحية منح الإذن بالدخول تقع ضمن اختصاص السلطات المحلية في الدول المستضيفة.
الجسر الجوي الإنساني
وفي سياق موازٍ، ردّت دولة الإمارات على الاتهامات الزائفة التي ادعت استخدامها لطائرات الشحن المخصصة لنقل المساعدات الإنسانية في تهريب الأسلحة عبر مطار أمدجراس في تشاد، مشيرة إلى أن ممثلي السلطات السودانية تجاهلوا حقيقة أن الإمارات أعلنت مسبقًا وبشفافية تامة عن تفاصيل رحلاتها الجوية الإنسانية، التي يتم تفريغ حمولتها تحت أعين ممثلي المنظمات الإنسانية والإعلاميين، بما يضمن العلنية والمصداقية الكاملة.
وأكد البيان أن الإمارات، ومنذ اندلاع الأزمة السودانية، قامت بتسيير جسرين جوي وبحري وفّرا قرابة 13,168 طنًا من المواد الغذائية والطبية والإغاثية، تم نقلها عبر 162 رحلة جوية وعدد من سفن الشحن، في إطار التزام إماراتي راسخ بمبادئ التضامن الإنساني، والدعم الفعّال للمتضررين من النزاعات والكوارث.
تردد وارتباك
وفي دلالة واضحة على التردد والارتباك الذي يعتري الموقف السوداني، أقدم ممثلو الجانب السوداني على تغيير الاتهامات الموجهة لدولة الإمارات قبيل جلسة الاستماع التي انعقدت اليوم، ثم تقدموا بطلب إلى المحكمة للسماح بتخفيض معايير قبول الأدلة، إلى جانب مطالبتهم بتعديل نهج المحكمة في ما يتصل بالولاية القضائية.
وتُظهر هذه المطالبات بجلاء حالة التخبط والتناقض، كما تعكس مسعىً مكشوفًا للتشويش على جوهر القضية وصرف الأنظار عن الجرائم التي ارتكبتها الأطراف ذاتها التي توجه الاتهامات، وهو ما يتجلى بوضوح في عدة محاور، من أبرزها:
1- غياب الدليل المباشر:
فقد صرّحت القوات المسلحة السودانية بأن "دولة الإمارات تمتلك الدليل المباشر"، وهو تصريح يكشف ضمناً عن عجزهم عن تقديم مثل هذا الدليل بأنفسهم، مما يؤكد افتقارهم إلى أي بينة مباشرة تدعم ادعاءاتهم.
2- الاعتماد على الاستدلال بدلًا من الوقائع:
إذ تستند القضية المقدمة من الجانب السوداني إلى مؤشرات ظرفية واستنتاجات مبنية على استدلال، لا على وقائع مثبتة أو أدلة دامغة، ما يضعف من القوة القانونية لمرافعتهم.
3- اللجوء إلى سابقة قانونية لتبرير ضعف الأدلة:
يحاول الطرف السوداني الاستناد إلى قضية "قناة كورفو" لتبرير استخدام الأدلة الظرفية في دعواهم، في خطوة تُعدّ اعترافًا ضمنيًا منهم بغياب الأدلة المباشرة في هذه المرحلة من التقاضي.
4- الادعاء دون إرفاق الأدلة الكاملة:
ورغم ادعائهم بامتلاك "أدلة كافية" على ما يزعمونه من تورط لدولة الإمارات، فإنهم لم يقدموا بعد أي أدلة حقيقية ومتكاملة، مكتفين بالتصريحات والمزاعم، مما يُظهر هشاشة بنيان القضية القائمة على الظنون أكثر من الوقائع.
هذا التناقض والتراجع في الخطاب القانوني يعزز القناعة بأن القضية تفتقر إلى الأسس المادية والإثباتات القانونية، وأنها لا تعدو كونها محاولة مكشوفة للتهرب من مسؤوليات داخلية عبر تصدير الأزمة نحو أطراف خارجية بريئة من تلك الادعاءات.
حقائق غائبة
تجاهل ممثلو السلطات السودانية عمدًا الإشارة إلى الموقف الثابت لدولة الإمارات وجهودها الحثيثة في دعم كافة مبادرات السلام الرامية إلى وقف الحرب في السودان. فعلى مدار عامين متواصلين، لم تدّخر دولة الإمارات جهدًا في السعي إلى إنهاء الأزمة السودانية عبر حلّ سياسي سلمي، يخرس صوت السلاح، ويُعيد الأمن والاستقرار إلى ربوع البلاد.
ومنذ اللحظات الأولى لاندلاع الأزمة في الخامس عشر من أبريل/نيسان 2023، بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، بادرت الإمارات، كعادتها في مواكبة الأزمات والنزاعات أينما حلت، إلى إطلاق حراك دبلوماسي وإنساني فعّال، لم يعرف التوقف ولا التراخي.
ومن قلب هذا الجهد المتواصل، طرقت دولة الإمارات كافة الأبواب لنقل رؤيتها الشاملة لحل الأزمة، عبر محاور عدة، شملت:
- الانخراط في تواصل مباشر مع القيادة السودانية العليا.
- المشاركة الفاعلة في مختلف المحافل الإقليمية والدولية والأممية.
- العمل جنبًا إلى جنب مع كافة الأطراف المعنية، من شركاء إقليميين ومجتمع دولي، سعيًا إلى وقف التصعيد والاقتتال، ودعم مسارات الحل السلمي.
- الدعوة المتكررة إلى حوار سوداني-سوداني شامل، يضم جميع القوى السياسية وأطراف النزاع، لتحقيق تطلعات الشعب السوداني في الأمن والتنمية والازدهار.
- دعم الجهود الرامية إلى التوصل لوقف فوري لإطلاق النار ووقف النزاع الداخلي.
- مواجهة الكارثة الإنسانية من خلال تقديم مساعدات إنسانية وإغاثية عاجلة للأشقاء في السودان.
- الدعوة إلى احترام القانون الدولي الإنساني ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
- ومن خلال هذه الرؤية الشاملة، أكدت دولة الإمارات على دعمها الثابت لكافة المبادرات السياسية السلمية الرامية إلى نزع فتيل الأزمة ووقف التصعيد، بما يعزز استقرار السودان ويخدم تطلعات شعبه في التنمية والرخاء.
وقد عبّرت الإمارات عن هذه الرؤية بشكل متكرر وواضح في مختلف المحافل والفعاليات، سواء عبر منصات مجلس الأمن، أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو قمة عدم الانحياز، أو القمم العربية والأفريقية. كما صدر هذا الموقف عن وزارة الخارجية الإماراتية، من خلال بيانات منفردة أو أخرى مشتركة مع دول فاعلة في الملف السوداني، كبيانات "مجموعة أصدقاء السودان" التي تعد الإمارات عضوًا فيها.
إضافة إلى ذلك، كانت الإمارات فاعلًا بارزًا في المنصة الدولية «متحالفون لتعزيز إنقاذ الحياة والسلام في السودان»، التي أصدرت بدورها بيانات تعكس التزامًا جماعيًا بدعم الشعب السوداني.
واليوم، ومع دخول الأزمة السودانية عامها الثاني، تواصل دولة الإمارات هذا النهج المتزن والمخلص في تحركها الدبلوماسي والإنساني، مكرسة بذلك سجلًا مشرفًا من الدعم المستمر لشعب السودان الشقيق، وهو سجلٌ تمتد جذوره إلى أكثر من خمسة عقود من العلاقات الأخوية العميقة.
ورغم هذا الحراك النبيل، يحاول أحد أطراف النزاع السوداني تقويض هذه الجهود من خلال اختلاق ادعاءات وافتراءات ضد دولة الإمارات أمام المنظمات الدولية، زاعمًا دعمها لطرف على حساب الآخر، وتزويده بالأسلحة والذخائر، في محاولة واضحة لصرف الأنظار عن الفظائع والانتهاكات المرتكبة على الأرض منذ عامين من الحرب الطاحنة.
ومع ذلك، لم تَحِد دولة الإمارات عن التزامها الأصيل بمؤازرة الشعب السوداني، سواء داخل البلاد أو في دول الجوار التي لجأ إليها النازحون. ففي كل أسبوع تقريبًا، وعلى مدار العامين الماضيين، تترك الإمارات بصمة إنسانية فارقة، تسهم في تخفيف المأساة التي تعصف بالسودان.
ومنذ بدء النزاع في 15 أبريل/نيسان 2023، بين الفريق أول عبد الفتّاح البرهان، قائد الجيش السوداني، والفريق أول محمد حمدان دقلو، قائد قوات "الدعم السريع"، لم تتوقف الإمارات عن الدفع نحو إنهاء الأزمة من خلال الحوار والوسائل السلمية، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن السلام هو الخيار الوحيد لإنقاذ السودان وشعبه من أتون الحرب والانقسام.
بلغة الحقائق والأرقام
- بلغت قيمة المساعدات الإماراتية للشعب السوداني ما بين 2014 و2025 أكثر من 3.5 مليار دولار أمريكي.
- قدمت الإمارات مساعدات إنسانية منذ اندلاع النزاع في السودان عام2023 بقيمة 600.4 مليون دولار.
- من بينها 200 مليون دولار تعهدت بها دولة الإمارات في المؤتمر الإنساني رفيع المستوى من أجل شعب السودان الذي عقد في أديس أبابا 14 فبراير/شباط 2025.
- على مدى عامين من عمر الأزمة، بلغ عدد المستفيدين المباشرين من تلك المساعدات ما يزيد على مليوني شخص من الشعب السوداني.
قضية حافلة بالتناقضات
شهادة أخرى توثق التناقضات السودانية جاءت من وزير العدل السوداني السابق، نصر الدين عبد الباري، الذي وصف في منشور عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس"، أن الدعوى السودانية بأنها "قمة النفاق"، وتفتقر إلى أي أساس أخلاقي أو قانوني راسخ.
وقال عبد الباري إن "المؤسسة العسكرية السودانية، التي تورّطت في جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي، تسعى الآن لاستغلال أدوات العدالة الدولية كمنبر دعائي، في الوقت الذي تواصل فيه ارتكاب الجرائم نفسها ضد المدنيين الأبرياء في السودان".
وأضاف أن القوات المسلحة، ومنذ استقلال البلاد، ظلت تجسّد "رمزًا للقمع والوحشية"، وأنها اليوم تحاول "غسل يديها من دماء الأبرياء عبر دعوى قانونية تفتقر لأي مصداقية أخلاقية".
وفي تعليقه على الدعوى المقدمة أمام محكمة العدل الدولية، كتب عبد الباري: "رغم أن هذه القضية تستدعي في ظاهرها استخدام آليات القانون الدولي، فإنها حافلة بتناقضات قانونية وسياسية وأخلاقية فادحة".
وقد لخّص الوزير السابق هذه التناقضات فيما يلي:
- محاولة هزلية من المؤسسة العسكرية السودانية لتلميع صورتها بادعاء الدفاع عن حقوق الإنسان.
- ذات المؤسسة، التي أشرفت لعقود على جرائم قتل جماعي وتطهير عرقي وإرهاب برعاية الدولة، تسعى الآن لتقديم نفسها كحامية للقانون الدولي – وهو تحوّل عبثي تكشف دوافعه السياسية.
- الهوية غير الشرعية لمقدم الدعوى – وهو نظام عسكري تهيمن عليه القوات المسلحة – تنزع عن القضية أي قيمة أخلاقية.
- القوات المسلحة نفسها هي من ارتكبت أو سهّلت جرائم الإبادة والفظائع الجماعية في جنوب السودان ودارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق.
- وهي أيضًا من تتلقى طائرات مسيّرة وأشكالًا مختلفة من الدعم العسكري من إيران وغيرها، بينما تمضي في ارتكاب فظائعها في دارفور وأقاليم أخرى من السودان.
- والمفارقة الكبرى، أن هذه المؤسسة – التي لطالما رفضت آليات حقوق الإنسان الدولية ووصفتها بالمتحيزة والمسيّسة – تلجأ اليوم إلى ذات المنظومة القانونية الدولية التي طالما استهانت بها وتحدّتها.
الجدار القضائي والعقبة القانونية
أما من الزاوية القانونية، فأوضح عبد الباري أن العقبة الأساسية أمام الدعوى تتجلى في مسألة اختصاص محكمة العدل الدولية، أو بالأحرى، في غيابه.
وبيّن أن المادة التاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها تمنح المحكمة اختصاصًا بالنظر في النزاعات المتعلقة بتفسير الاتفاقية أو تطبيقها أو تنفيذها، لكنها – كما أشار – تخضع لتحفظات الدول.
وأوضح عبد الباري أن دولة الإمارات، عند انضمامها إلى الاتفاقية، أبدت تحفظًا صريحًا يستثني اختصاص المحكمة بموجب المادة التاسعة، وهو تحفظ سبق للمحكمة أن اعترفت بصحته وأقرّت بوجاهته القانونية مرارًا.
ورغم علم سلطات بورتسودان بهذا التحفّظ، إلا أنها – بحسب عبد الباري – عجزت عن تقديم أي سند قانوني متماسك لتجاوزه. فلا يوجد اتفاق خاص بين الطرفين يمنح المحكمة هذا الاختصاص، ولا تستند الدعوى إلى مادة في اتفاقية أخرى، ولا إلى أي مرجعية قانونية بديلة.
وختم الوزير السابق بالقول إن هذا الغياب القانوني الصارخ "يكشف بوضوح أن القضية لم تُصمم لتحقيق نصر قانوني في أروقة العدل، وإنما لتحقيق مكاسب سياسية على حساب الحقيقة والعدالة".
aXA6IDMuMTQ0LjEwMS43MSA= جزيرة ام اند امز