قادة الجيش السوداني بمرمي عقوبات دولية.. هل يجدي الهروب إلى لاهاي؟

"رمتني بدائها وانسلت".. مثلٌ ينطبق على ما تحاول السلطات في السودان القيام به مع دولة الإمارات، للتغطية على أعمال العنف والانتهاكات التي تُرتكب ضد المدنيين.
فبدلًا من أن يتجاوب النظام السوداني مع مبادرات السلام التي طرحتها دولة الإمارات وغيرها من الدول لوقف الحرب، لجأ إلى تلفيق الافتراءات والادعاءات ضدها أمام المنظمات الدولية.
ادعاءات وأكاذيب كشفت زيفها العقوبات الدولية المتتالية التي استهدفت عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، وعددًا من قيادات نظامه، لتؤكد أنهم هم من ارتكبوا تلك الانتهاكات.
وعلى مدار الفترة الماضية، فرضت دول ومنظمات عقوبات على طرفي الصراع في السودان، وهما الجيش وقوات الدعم السريع، بسبب ارتكابهما انتهاكات جسيمة خلال الحرب التي تحل هذه الأيام الذكرى الثانية لاندلاعها.
وتتسق هذه المواقف الدولية مع الرؤية الإماراتية لمعالجة الأزمة، والداعية إلى إيجاد حل سلمي للصراع القائم، سعيًا لوقف التصعيد وإطلاق النار، وبدء حوار دبلوماسي يحقق تطلعات الشعب السوداني في التنمية، والأمن، والازدهار، والتقدم، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات ضده.
وتؤكد دولة الإمارات دومًا التزامها الراسخ بدعم القانون الدولي، وضمان المساءلة عن الفظائع التي ارتكبها الطرفان المتحاربان، ومواصلة دعمها لجهود تحقيق السلام والإغاثة الإنسانية في السودان.
وكانت أحدث العقوبات قد أعلنت عنها كندا في مارس/آذار الماضي، وشملت قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، ورئيسي جهاز الأمن السوداني السابقين صلاح عبد الله قوش، ومحمد عطا المولى عباس.
وسبقت هذه العقوبات الكندية، عقوبات أمريكية أعلنتها واشنطن في يناير/كانون الثاني 2025، وشملت البرهان أيضًا، حيث نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن أربعة مسؤولين أمريكيين أن الجيش استخدم أسلحة كيماوية خلال المعارك.
وقبل ذلك، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على طرفي الصراع في السودان بسبب انتهاكات متواصلة، ما زال النظام الحاكم في السودان ينفي وقوعها.
اتهامات خطيرة
ضمن أحدث العقوبات الأمريكية، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، في 16 يناير/كانون الثاني الماضي، عقوبات على البرهان، بموجب الأمر التنفيذي رقم 14098، الذي ينص على: «فرض عقوبات على أشخاص معينين يزعزعون استقرار السودان ويقوضون هدف الانتقال الديمقراطي».
واتهمت واشنطن القوات المسلحة السودانية بقيادة البرهان بارتكاب "هجمات مميتة على المدنيين، بما في ذلك الغارات الجوية ضد البنية التحتية المحمية، بما فيها المدارس والأسواق والمستشفيات".
وحملت الجيش السوداني المسؤولية عن الحرمان الروتيني والمتعمد من الوصول الإنساني، واستخدام الحرمان من الغذاء كتكتيك حرب.
وعلى الرغم من أن الأسلحة الكيميائية لم تُذكر في الإشعار الرسمي للعقوبات، قال عدة مسؤولين أمريكيين إنها كانت عاملًا رئيسيًا في اتخاذ القرار ضد الفريق عبدالفتاح البرهان.
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن أربعة مسؤولين أمريكيين كبار قولهم إن الجيش السوداني استخدم أسلحة كيميائية في مناسبتين على الأقل ضد قوات الدعم السريع، مشيرين إلى أنه تم نشر الأسلحة مؤخرًا في مناطق نائية من السودان، واستهدفت أعضاء من قوات الدعم السريع.
لكن المسؤولين الأمريكيين يخشون أن تُستخدم الأسلحة قريبًا في مناطق مكتظة بالسكان في العاصمة الخرطوم، مؤكدين أن استخدام الأسلحة الكيميائية يتجاوز حدودًا أخرى في الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وقالت الصحيفة الأمريكية إن المعرفة ببرنامج الأسلحة الكيميائية السوداني مقتصرة على مجموعة صغيرة داخل الجيش، وإن البرهان هو من سمح باستخدام تلك الأسلحة ضد «قوات الدعم السريع».
عقوبات يناير لم تكن العقوبات الأمريكية الأولى ضد أطراف الصراع في السودان، إذ سبق أن أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي فرض عقوبات على مدير عام منظومة الصناعات الدفاعية في الجيش السوداني، الفريق أول ميرغني إدريس سليمان.
واتهمته بالمساهمة في جهود القوات المسلحة للحصول على أسلحة وتوسيع نطاق الحرب.
وأفادت الخارجية الأمريكية بأن "إدريس قاد شراء مسيّرات من إيران وروسيا لصالح الجيش السوداني، وتسبّب في توسيع الحرب في السودان"، مشيرة إلى أن "الجيش السوداني أعطى أولوية لشراء مسيّرات بدلًا من السلام".
عقوبات كندية
ميرغني إدريس سليمان فُرضت عليه أيضًا عقوبات من كندا في فبراير/شباط الماضي، مع قيادي آخر بقوات الدعم السريع.
وقالت وزارة الخارجية الكندية إن القياديين المستهدفين بالعقوبات هما حمدان دقلو موسى، مدير المشتريات بقوات الدعم السريع، وميرغني إدريس سليمان، وهو لواء في القوات المسلحة السودانية.
وأشارت الخارجية الكندية إلى أن الاثنين مرتبطان بالعنف المستمر ضد المدنيين في السودان، بما يشمل حالات واسعة النطاق من العنف الجنسي المرتبط بالنزاع.
وتابع البيان أن هذين الشخصين لعبا أدوارًا قيادية في شبكات التمويل والمشتريات سواء في الجيش أو الدعم السريع، مما تسبب في استمرار الانتهاكات الجسيمة والمنهجية للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان من خلال السماح للطرفين بمواصلة القتال.
وبعد نحو شهر، فُرضت عقوبات مجددًا في مارس/آذار على قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو، ورئيسي جهاز الأمن السوداني السابقين صلاح عبدالله قوش ومحمد عطا المولى عباس.
ونصت العقوبات على تجميد أصول المشمولين بالقرار، وحظر التعامل مع ممتلكاتهم، وشملت العقوبات ثلاث كيانات تابعة للجيش وقوات الدعم السريع لارتباطها بالعنف المستمر ضد المدنيين في السودان، كما شملت العقوبات قائد القوات الجوية السودانية الطاهر محمد العوض الأمين.
ومع استمرار الصراع المندلع منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وانتشاره في معظم مناطق البلاد، تكثفت الهجمات الجوية بشكل اعتبرته منظمات حقوقية انتهاكًا للقانون الدولي.
ويُعتقد على نطاق واسع أن عمليات القصف الجوي التي نفذها طيران الجيش كانت سببًا في مقتل آلاف المدنيين، وتدمير أكثر من 200 مبنى تاريخي ومدني وخدمي، ونحو 10 آلاف من مساكن المواطنين بمختلف أنحاء البلاد، إضافة إلى عدد من الأسواق والمرافق الخدمية الخاصة بخدمات الاتصالات والكهرباء والمياه.
عقوبات أوروبية
أيضًا، على مدار عام 2024، أعلن الاتحاد الأوروبي أكثر من مرة فرض عقوبات على أطراف الصراع في السودان، أحدثها في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وشملت العقوبات مدير الاستخبارات في الجيش السوداني محمد أحمد صبير، ومدير جهاز المخابرات الأسبق صلاح عبدالله "قوش".
وجاءت تلك العقوبات بعد ستة أشهر من إعلان مجلس الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات في يونيو/حزيران الماضي على ستة أفراد في السودان، متهمًا إياهم بالمسؤولية عن أنشطة تُقوّض استقرار السودان وانتقاله السياسي.
ومن أهم من شملتهم العقوبات الأمين العام للحركة الإسلامية في البلاد، علي كرتي، الذي كان وزيرًا للخارجية في حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير، ويعتقد الكثيرون في السودان أنه لعب دورًا أساسيًا في الحرب، وله نفوذ واسع داخل الجيش.
كما شملت العقوبات قائد القوات الجوية للجيش اللواء طيار الطاهر محمد العوض الأمين، والمدير العام لشركة الصناعات الدفاعية التي تخضع هي الأخرى لعقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي.
وقال البيان الأوروبي إن هذين الشخصين يتحملان المسؤولية عما وصفه البيان بـ"القصف الجوي العشوائي للمناطق السكنية المكتظة بالسكان منذ بداية النزاع".
ويخضع الأفراد المستهدفون لتجميد الأصول وحظر تقديم الأموال أو الموارد الاقتصادية لهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، بالإضافة إلى خضوعهم لحظر السفر في الاتحاد الأوروبي.
وكان المجلس الأوروبي قد اعتمد في 22 يناير / كانون الأول 2024، مجموعة أولى من العقوبات والتدابير التقييدية ضد 6 كيانات من الجيش و«قوات الدعم السريع» لدعمها أنشطة تقوض الاستقرار والانتقال السياسي في السودان.
جهود إماراتية رائدة
عقوبات تتوالى لتفضح انتهاكات أطراف الصراع في السودان، وعلى رأسهم النظام الحاكم، الذي آثر بدلا من الاستماع لصوت السلام، محاولة صرف الانتباه عن تلك انتهاكات بتحويل الإمارات بما تحمله من مكانة وثقل على الصعيد الإقليمي والدولي إلى عدو وهمي لبلاده وترويج أكاذيب ضدها في المحافل الدولية.
ومنذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبدالفتّاح البرهان وقوات "الدعم السريع" بقيادة نائبه السابق الفريق أول محمد حمدان دقلو في أبريل/نيسان 2023 حتى اليوم، لم تتوقف جهود الإمارات لوقف التصعيد وإنهاء الأزمة بالحوار والطرق السلمية.
جهود كان للإمارات السبق فيها على الصعيد الإنساني والريادة في المجال الدبلوماسي والإنساني.
على الصعيد الإنساني، كانت الإمارات أول دولة تعلن بعد أيام من اندلاع الأزمة عن تقديم 50 مليون دولار كمساعدات إنسانية طارئة للسودان، في سبق إنساني وجهت دولة الإمارات عبره أنظار العالم إلى ضرورة التركيز على البعد الإنساني للأزمة السودانية لتخفيف وطأة الأزمة على المدنيين.
سبق إنساني عززته الإمارات بمبادرات إنسانية متتالية، كان أحدثها تنظيم الإمارات في 14 فبراير/شباط الماضي بالتعاون مع إثيوبيا والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) "المؤتمر الإنساني رفيع المستوى من أجل شعب السودان"، والتي أعلنت خلاله تقديم 200 مليون دولار إضافية من المساعدات الإنسانية، ليصل إجمالي المساعدات الإماراتية منذ اندلاع الأزمة إلى 600.4 مليون دولار، وترتفع إجمالي مساعداتها للسودان على مدار الـ 10 سنوات الماضية إلى أكثر من 3.5 مليار دولار.
جهود إنسانية رائدة استندت على حراك دبلوماسي وسياسي متواصل لإنهاء الأزمة بدأ فور اندلاعها وتواصل على مدار الفترة الماضية، وتوج بإطلاق عدة مبادرات دبلوماسية للدفع نحو حل سياسي لإنهاء الأزمة، كان أبرزها إنشاء منصة (ALPS منصة متحالفين لتعزيز إنقاذ الحياة والسلام في السودان) التي انطلقت اجتماعاتها في سويسرا في أغسطس/آب الماضي بمشاركة إماراتية فاعلة.
تلك الجهود البارزة حاول أحد أطراف الأزمة عبثًا التشويش عليها عبر أكاذيب مغرضة وافتراءات لا تمت للحقيقة بصلة، تزعم انحياز دولة الإمارات لأحد أطراف الأزمة في السودان ودعمه بالأسلحة والذخائر.
أكاذيب سرعان ما نفتها الإمارات، ودحضت المزاعم بشأن انحيازها لأي من أطراف نزاع السودان، مؤكدة أن السلام والحل السياسي أولويتها.
وأكدت دولة الإمارات بشكل قطعي أمام المجتمع الدولي - من خلال التواصل مع مجلس الأمن الدولي والشركاء الدوليين - بأنها لا تقدم الدعم لأي من الطرفين المتحاربين في السودان، وشددت على التزامها الراسخ بدعم القانون الدولي، وضمان المساءلة عن الفظائع التي ارتكبها الطرفان.
أكاذيب تكررت على مدار الفترة الماضية ضمن محاولات عبثية متكررة لصرف انتباه المجتمع الدولي عن أعمال العنف التي ترتكب على الأرض من قبل الأطراف المتحاربة، عبر خلق خلافات جانبية معها، وصلت إلى إلى التقدّم بشكوى ضد دولة الإمارات العربية المتحدة أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا بحجة مزاعم دعمها لقوات الدعم السريع السودانية.
إجراءات وصفها الدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، في مقال بصحيفة "ذا ناشونال" بأنها "إجراءات هزلية" معتبرا إنها "ليست أكثر من لعبة سياسية وحيلة دعائية، وهي محاولة لجر صديق قديم للسودان وأفريقيا إلى الصراع الذي أججوه هم أنفسهم".
وشدد على " إن شعب السودان يستحق أكثر من مجرد البقاء على قيد الحياة - إنه يستحق مستقبلاً مبنياً على السلام والكرامة".
وأكد استمرار دولة الإمارات "في لعب أي دور بنّاء يمكننا القيام به للمساعدة في إنهاء هذه الكارثة الإنسانية والحرب العبثية".
aXA6IDE4LjIyMC4yNDEuNjMg جزيرة ام اند امز