خبراء يحذرون من «كابوس سوداني» مع انخراط حركات مسلحة في «الحرب»
تلامس الحرب في السودان سيناريو الكابوس، دون أفق لنهاية وشيكة أو حل سياسي، بعد إعلان حركات مسلحة خروجها عن الحياد والمشاركة بالقتال.
إذ أعلنت حركتا تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، والعدل والمساواة، بقيادة جبريل إبراهيم، خروجهما عن الحياد حيال الحرب والمشاركة في العمليات العسكرية لحماية المدنيين.
وجاء ذلك بعد وقت وجيز من إعلان قوات الدعم السريع اتفاقها مع القوة المشتركة التابعة للحركات المسلحة في إقليم دارفور على تشكيل قوة مشتركة تتولى مسؤولية حماية المدنيين في الإقليم المضطرب.
وحسب مراقبين، فإن خطوة دخول اثنتين من أكبر الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام كطرف ثالث في الحرب، تعكس مخاطر اندلاع مواجهات دامية في مناطق واسعة من إقليم دارفور.
في المقابل، لا تزال حركتا تجمع قوى تحرير السودان، بقيادة الطاهر حجر، وتحرير السودان المجلس الانتقالي، بقيادة الهادي إدريس، تتمسكان بالموقف المحايد تجاه القتال حيث يعملان ضمن مجموعة من القوى السياسية على الضغط في اتجاه وقف الحرب.
مزيد من التصعيد
ويقول فائز الشيخ، وهو مستشار رئيس الوزراء السابق، إن "مشاركة حركات الكفاح المسلح في الحرب الحالية تعد خطوة لمزيد من التصعيد العسكري وبداية الانزلاق في أتون حرب أهلية، وخطوة متسارعة نحو التشظي في إقليم دارفور".
وأشار الشيخ، في حديثه لـ"العين الإخبارية": "كان الأفضل لشخص مثل مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، ورئيس حركة تحرير السودان، أن يتحلى بالحكمة، وألا يستجيب للاستفزاز الذي يقوده الإسلاميون".
وتابع: "أقصد مني بالتحديد لعدة أسباب، أهمها أنه لا ينتمي لفصائل الإسلام السياسي، وثانيها أنه حاكم الإقليم، وكان الأفضل أن يقف على مسافة واحدة لحفظ الأمن والتوازن، وأن تكون قواته تؤدي دور الشرطة وحماية المدنيين والإشراف على وصول المعونات الإنسانية بدلا من أن يكون طرفا في حرب".
وأضاف: "أما جبريل، فهذا وضعه الطبيعي، لأن الناس تتعامل معه كإسلاماوي أكثر من كونه زغاوي (قبيلة)، وتعرضت حركته لانشقاق كبير نال فيه الشق الآخر نصيب الأسد، ولذلك فضل الاحتفاظ بوظيفته التنفيذية، لأنه لو خرج منها ليس أمامه شيء".
وتابع: "هذه الخطوة قصد بها (الفريق أول عبدالفتاح) البرهان (قائد الجيش) تشتيت قوات الدعم السريع وتحويل الصراع دارفوري – دارفوري، وواضح أن الهدف هو منع سقوط مدينة الفاشر تحت سيطرة الدعم السريع".
ومنذ 15 أبريل/نيسان الماضي تفجر الصراع في السودان بين الجيش بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، ما تسبب في مقتل الآلاف ونزوح ملايين السكان.
الشيخ قال أيضا، "ربما تؤثر الخطوة على الأرض وتؤجل السيطرة على كامل الإقليم، لكن ذلك لن يدوم طويلا، فتوازن القوى في مصلحة قوات الدعم السريع، لكن الأخطر هو أثر الخطوة السياسي والاجتماعي".
ويحتفظ الجيش بمراكز في العاصمة تحاصرها قوات الدعم السريع، لكن الأخيرة تمكنت من توسيع مناطق سيطرتها في دارفور.
من جهته، يقول رئيس القطاع الإعلامي في حزب "التجمع الاتحادي" السوداني، إن "اتساع دائرة الداعمين للقتال خطوة سلبية، ودخول بعض حركات دارفور إلى المعارك ومغادرة موقف الحياد سيزيد من تعقيدات المشهد".
قبل أن يستدرك: "رغم أن بعض الأنباء تشير إلى خطورة هذا القرار على هيكل هذه الحركات نفسها من واقع اتخاذ قرار سياسي لا يتسق مع القرار الميداني، وربما يؤدي القرار إلى انشطارات داخلية لعدم التوافق الداخلي الكامل على قرار خوض الحرب".
عبدالحكم مضى في حديثه لـ"العين الإخبارية"، قائلا: "هذا بالضرورة غير إيجابي بالمرة، فوحدة الهياكل وقدرة القرار على الانسياب بسلاسة داخل هياكل حركات الكفاح المسلح أمر غاية في الأهمية لمستقبلها ومستقبل البلاد، خصوصا فيما يتعلق بآليات الدمج والتسريح مستقبلا."
وأضاف: "نأمل أن يراجع كل الجنرالات عن قراراتهم ويتحسسوا المآسي الإنسانية الكارثية التي حلت بشعب السودان ويجنحوا لخيار السلم فهو الأجدى والأسلم".
أي تأثير؟
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي، محمد الأسباط، إن "هذه الخطوة متوقعة وتأخرت كثيرا من خلال حالة التماهي بين حركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان بقيادة مناوي مع الجيش، وبقائهما في منصبهما طوال هذه الفترة تحت دعوى أن وجودهما يأتي ضمن اتفاق جوبا للسلام، وتكشف أن هذه الدعاوى غير صحيحة".
الأسباط قال أيضا في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إن الرجلين "يدعمان الجيش بحكم أنه يحكم الآن وللحفاظ على المناصب التي حصلا عليها، وهذا يؤكد ما ظللنا نكرره باستمرار هو أن عددا كبيرا من قادة الحركات المسلحة لا يستهدفون تحقيق السلام وعودة النازحين ومصالح المواطنين بقدر ما أنهم يبحثون عن مصالحهم الشخصية".
وأضاف أن "هذا يشير إلى أن ثمة تصدعا على جبهة ما يسمى قوى الكفاح المسلح والآن 3 حركات أعلنت الانضمام إلى الجيش، وحركتان أعلنتا الانحياز إلى الدعم السريع، بالإضافة إلى أن هناك حركة منشقة من حركة العدل والمساواة بقيادة سليمان صندل تقف موقف الحياد، وهناك عدد من حركات قوى السلام تقف موقف الحياد".
وتابع: "بالتالي انقسمت قوى سلام جوبا إلى 3 جبهات: جبهة مع الجيش، وجبهة مع الدعم السريع، وجبهة ضد الحرب".
وأوضح: "هاتان الحركتان (مناوي وجبريل) ليس لديهما أي تأثير لعدم امتلاكهما قوات مقاتلة بالمعنى الذي يؤثر في ميزان القوة؛ حركة العدل والمساواة قبل الانشقاق كانت تعاني من مشكلات فيما يتعلق بالجنود والقوات، وبعد الانشقاق، خرج مع سليمان صندل؛ المسؤول التنفيذي الأول عن الجيش، عدد كبير من القادة على الأرض".
خروج عن الحياد
وأمس الخميس، قال بيان صدر عن الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في دارفور، جرى تلاوته في مؤتمر صحفي مشترك، إنه بسبب "ممارسات قوات الدعم السريع (..) نعلن خروجنا عن الحياد، وندين بشدة انتهاكات المليشيات ونعلن مقاومتنا بشدة لهذه الممارسات".
وشدد البيان على "التمسك المطلق بوحدة السودان أرضا وشعبا وعدم السماح بتمرير أجندة تفكيك السودان الجارية الآن".
وتحدث في المؤتمر الصحفي رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، وزعيم العدل والمساواة جبريل إبراهيم، علاوة على رئيس تحرير السودان مصطفى تمبور، والأمين السياسي لتجمع قوى تحرير السودان صلاح حامد الولي.
وأوضح مني أركو مناوي أن "إعلان الحياد تجاه الحرب منذ الأيام الأولى كان بغرض عدم توسع نطاق المواجهات العسكرية في السودان".