الحركة الإسلامية السودانية.. ذروة «الإرهاب الإخواني» ومهندس الفوضى
وسط تعثر المساعي لإنهاء حرب السودان، يطفو على السطح مجددًا الدور الخفي للحركة الإسلامية السودانية، التي تحولت خلال العقود الماضية إلى مركز ثقل المشروع الإخواني في البلد الأفريقي.
فالحركة التي أسست منظومتها على تمجيد العنف وإقصاء الخصوم جسديًا، وفخّخت مؤسسات الدولة من الداخل، قبل أن تمزق النسيج الوطني وتعيد تشكيل الجيش والأمن بما يخدم مشروعها الشمولي، تبدو بصماتها أكثر وضوحًا في كل منعطف يتجه نحو الفوضى.
ولم تكن هذه الحركة مجرد امتداد سياسي للإخوان، بل كانت –وفق تقديرات قوى الثورة السودانية (صمود)– الذروة في منظومة الإرهاب الإخواني؛ فهي حكمت البلاد ثلاثين عامًا، وأدارت شبكة واسعة لتصدير التطرف عبر الحدود، إلى درجة فاقت نظيراتها في المنطقة.
اليوم، وبينما تتداخل ولاءات الجيش مع إرث ثلاثة عقود من التمكين، تبدو الحركة الإسلامية لاعبًا مركزيًا يعيد هندسة مسارات الحرب، ويمدّ نارها بالوقود اللازم لإطالة أمدها.
فممّ تتكون الحركة الإسلامية؟
يعد فيلق "البراء بن مالك" من أبرز وأشهر مليشيات الحركة الإسلامية ويقوده المصباح أبو زيد طلحة، في حين أشارت مصادر إلى أن شخصيات بارزة من الحركة تشرف عليه مثل علي كرتي وأسامة عبد الله، بينما يتولى اللواء ياسر العطا الإشراف من جانب الجيش.
المصادر ذكرت أن قيادة الفيلق منقسمة في الولاء بين فصيلين متنافسين يتنافسان، لكن الأغلبية الأكبر تميل إلى فصيل علي عثمان بقيادة علي كرتي وأحمد هارون، على حساب فصيل نافع علي نافع بقيادة إبراهيم محمود وإبراهيم غندور؛ ومع ذلك يتحد الفصيلان في القتال إلى جانب الجيش وفي عدائهما للقوى السياسية المدنية الديمقراطية.
وأكدت المصادر أن الفيلق هو الأكثر تطورًا من حيث التدريب والتسليح والدعم المالي وتلقى مقاتلوه تدريبات عسكرية داخل السودان على يد خبراء أجانب، بينما تلقى بعضهم تدريبا مكثفا في إيران على الأسلحة المتخصصة وحرب المسيرات.
ويقع مقر الفيلق في مبنى مجاور لمكاتب محلية كرري في أم درمان ويُقال إن المبنى مملوك لأحد قادة الحركة، ويُستخدم كمكاتب وسكن لبعض القادة.
وإلى جانب المصباح طلحة يضم الفيلق عددا من كبار القادة مثل مهند فضل وأويس غانم وهشام بيرم الذي قتل في 13 يوليو/تموز الماضي خلال معركة أم سميمة في كردفان.
كتيبة العمليات الخاصة
تتكون من الأعضاء السابقين في جهاز "الأمن الشعبي" التابع للحركة الإسلامية
تشكلت في الأصل على أسس عرقية لتضم أعضاء بالحركة الإسلامية من كردفان ودارفور باعتبارهم قوة موازنة للهيمنة الشمالية داخل "البراء".
في البداية تشكلت في أم درمان، لكنها افتقرت إلى هيكل قيادي واضح، فكانت مجموعة فضفاضة من مقاتلي الأجهزة الأمنية التابعة للحركة، وخاصة وحدات أمن الطلاب.
جاء التأسيس الرسمي للكتيبة عقب اجتماعات منفصلة بين برج، وأحمد محمد أبو بكر المعروف بـ"الخفاش"، وفرحات العمدة، مع نائب قائد الجيش الفريق شمس الدين كباشي في بورتسودان، بعد أسبوعين من استعادة الجيش لجبل مويا وبعدها سافر الثلاثي إلى عطبرة، شمال السودان حيث التقوا بعلي كرتي وأحمد هارون.
ومن أبرز قادة الكتيبة، أحمد "البط" وأنس محمد فضل ومعتصم بطمان الذين قُتلوا أواخر يوليو/تموز خلال اشتباكات مع قوات الدعم السريع في أم سيالة بكردفان، في حين تحتجز الدعم السريع قائدا آخر هو يوسف محمد زين، منذ 3 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
وكشفت مصادر عن أن الكتيبة أقل تدريبًا من فيلق البراء ويزودها أحمد هارون، الرئيس السابق لحزب المؤتمر الوطني المتهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية، بأسلحتها المتطورة ومسيراتها، لكن الدعم اللوجستي والمالي يأتي بشكل كبير من ميزانية ولاية النيل الأبيض وولاة المناطق التي تعمل فيها.
وأوضحت المصادر أن التعليمات لمقاتلي الكتيبة تأتي مباشرةً من هارون، بينما يتم التنسيق مع استخبارات الجيش في بعض العمليات، كما يُقال إن الكتيبة تحافظ على علاقات عملياتية مع قوات درع السودان بقيادة أبو عاقلة ككل.
تشكيلات أخرى:
تشمل تشكيلات الحركة الإسلامية الأخرى كتائب مثل:
- البنيان المرصوص
- البرق الخطيف
- أسود العرين
ويتألف "لواءا النخبة" بشكل رئيسي من ضباط أمن وعمليات سابقين، ومتطوعين مُجنَّدين، وأعضاء في المقاومة الشعبية، وشرطة الاحتياطي المركزي (المعروفة محليًا باسم أبو طيرة) ويقودها ضباط مخابرات سابقون وقُتل أحد أبرز قادتها، العميد إيهاب محمد يوسف الطيب، في مايو/أيار خلال اشتباكات عنيفة مع الدعم السريع في الخوي غرب كردفان.
دورها في إذكاء حرب السودان:
وفقًا لمصادر متعددة، بدأت الحركة في التخطيط لحرب السودان في الأسبوع الأول من ديسمبر/كانون الأول 2022، خلال فترة اجتماعات الاتفاق الإطاري التي كانت تهدف إلى استعادة التحول الديمقراطي والتي جمعت القوى السياسية والمدنية المنضوية تحت لواء قوى الحرية والتغيير، والجانب العسكري، ممثلًا بالجيش وقوات الدعم السريع وبعدها بدأ أعضاؤها التخطيط لعرقلة أي اتفاق لاستعادة العملية الديمقراطية.
وقال مصدر أمني من الحركة الإسلامية، كان عضوًا في جهاز الأمن الطلابي التابع للحركة وخدم في مختلف أجهزتها الاستخباراتية، لموقع «سودان بيس تراكر» شريطة عدم الكشف عن هويته إنه «بدأ الترويج للخطة لمنع توقيع الاتفاق الإطاري عبر حملات تحريضية تستهدف أفرادًا بشعارات مناهضة للديمقراطية والعلمانية و(الغرب الكافر)».
المصدر الأمني أضاف أنه «تمت مناقشة خطة الحرب على مستوى قيادة الحركة الإسلامية، في اجتماعات مع كبار ضباط الجيش، من بينهم الفريق شمس الدين كباشي، والفريق ياسر العطا، والعميد عباس حسن الداروتي، والعميد حسن البلال من الاستخبارات العسكرية».
وتابع: "بعد اتفاق قيادة الحركة وقادة الجيش على العمل العسكري، تم إطلاع الكوادر الأمنية والعسكرية داخل الحركة على خطة الحرب مطلع أبريل/نيسان 2023".
وأوضح أنه «تم حشد جميع كوادر الأمن الطلابي والمجاهدين والأجهزة الأمنية التابعة للحركة الإسلامية، لإطلاعهم على الخطة في مواقع مختلفة في أنحاء الخرطوم، من قبل قيادات بارزة في الحركة، منهم الحاج آدم، وأنس عمر، والناجي عبد الله، ومحمد علي الجزولي، وناجي مصطفى، وآخرون».
واختتم قائلاً: «كانت ساعة الصفر للعملية العسكرية صباح السبت 15 أبريل/نيسان 2023، لكنني غادرتُ الخرطوم يوم الجمعة، قبل يوم واحد من اندلاع الحرب، متوجهًا إلى مدينة ربك لأمر عائلي عاجل.. لم أكن مقتنعًا بنجاح العملية؛ اعتبرتها خطوة متهورة.. وقد أثبتت الأيام صحة مخاوفي».
مصدر آخر لا يزال يخدم في الحركة الإسلامية بأم درمان، أكد للموقع ذاته هذه الرواية، قائلا إن الحركة بدأت في دمج أفرادها داخل وحدات الجيش قبل أيام قليلة من اندلاع الحرب.
الحركة الإسلامية والجيش
وأضاف أن كوادر الأمن في الحركة الإسلامية انتشروا في وحدات الجيش، بما في ذلك سلاح الهندسة، وسلاح المدرعات، وسلاح الإشارة، واللواء الأول في الباقر جنوب الخرطوم، وقيادة الاحتياطي المركزي.
وأوضح أن «ما لا يقل عن 75% من ضباط الجيش -لا الجنود- ينتمون إلى الحركة الإسلامية وقد تم تجنيدهم في الكليات العسكرية والأمنية خلال فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير على مدى الثلاثين عامًا الماضية».
وعندما سُئل عن الأعداد، ضحك قائلًا: «ماذا لو قلت لك إن 100% من ضباط الأمن والمخابرات ينتمون إلى الحركة الإسلامية؟».
وقال مهندس شاب شارك في الحرب منذ بدايتها في صفوف الحركة الإسلامية، إن جميع أعضاء الحركة في الخدمة المدنية والقطاعات المهنية والبنوك والشركات الحكومية وغيرها من المؤسسات التحقوا بالجيش وشاركوا في مهام مختلفة.
وأشار إلى إعادة ضباط وعسكريين متقاعدين إلى مناصبهم، أبرزهم العميد نصر الدين عبد الفتاح، قائد سلاح المدرعات حاليًا والعميد المتقاعد بحر أحمد بحر قائد العمليات في الخرطوم بحري، الذي قُتل في تحطم طائرة عسكرية فوق أم درمان في فبراير/شباط 2025 والعميد أبو القاسم علي، من سلاح الجو، الذي قتل في الشهر نفسه عندما أسقطت قوات الدعم السريع طائرته في نيالا.
وأشار إلى أن معظم كوادر الحركة الإسلامية قُتلوا في سلاح المدرعات، وخاصةً ضباط الأمن والعسكريين المتقاعدين والموظفين الحكوميين ومنهم مدير بنك أم درمان الوطني، محمد محجوب وقيع الله، والعميد المتقاعد عمر النعمان، اللذان قُتلا في سبتمبر/أيلول 2024.
مطالبات بتصنيفها إرهابية
لا تبدو المطالبة بتصنيفها كمنظمة إرهابية شأناً قانونياً فحسب، بل شرطًا وجوديًا لإنقاذ السودان من «دولة الظل» التي لا تزال تنفخ في كير الحرب التي اندلعت في أبريل/نيسان 2023، كنتيجة حتمية لعقود من التمكين الإخواني الذي اخترق الجيش، وأسس اقتصادًا موازيا، وحوّل الخرطوم إلى مأوى للجماعات الراديكالية العابرة للحدود.
وطالب التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة السودانية "صمود"، بضرورة تصنيف حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية السودانية، الواجهة السياسية للتنظيم الإخواني، كـ«منظومة إرهابية» على المستويين المحلي والدولي.
وبحسب بيان سابق لـ"صمود"، فإن «المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية هما منظومة معادية للديمقراطية، يقوم المشروع الأصلي الابتدائي لهما، على ادعاء تمثيل كلمة الله في الأرض واحتكار الحقيقة المطلقة، وبالتالي فإنه مشروع أحادي مغلق يرفض التعدد والاختلاف ويرى في معارضته كفراً وزندقة».
ويرى تحالف "صمود" أن ممارسات التنظيم الإخواني في السودان، تُشكل تهديدًا مباشرًا لاستقرار السودان وأمنه الإقليمي والدولي.
وأشار التحالف إلى أن «الإخوان» قد تم تصنيفها كجماعة إرهابية في عدد من الدول العربية مثل: الإمارات والسعودية ومصر والأردن، كما اتخذت دول غربية من بينها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، إجراءات صارمة ضدها.
وأوضح التحالف أن المجتمعين الإقليمي والدولي واجها النظام التابع للحركة الإسلامية السودانية بسلسلة من العقوبات والعزل والضغوط، ما اضطره إلى التراجع وتسليم بعض عناصره ومعلوماتهم، غير أن الحركة لم تقم بمراجعة فكرية أو فقهية حقيقية، وهو ما اعتبره التحالف دليلاً على أن تلك التراجعات لم تكن سوى "تقية" مؤقتة تهدف إلى إعادة التمكين والهيمنة من جديد.
جرائم إبادة
ووصف التحالف المنظومة بأنها ارتكبت جرائم إبادة جماعية، مشيرًا إلى حملات إرهاب الدولة التي شنتها في الأقاليم المهمشة مثل دارفور وجبال النوبة غربي السودان، والتي وثقتها منظمات حقوقية دولية.
وأضاف أن «الحركة الإسلامية السودانية كانت مسؤولة عن تفريخ ورعاية الإرهاب، حيث حولت العاصمة الخرطوم إلى مركز للجماعات المتطرفة، وقدمت الدعم والتسهيلات لأفراد مثل أسامة بن لادن».
وبحسب التحالف، فإن «القضاء الأمريكي أثبت تورط النظام في عمليات إرهابية كبرى، ما أدى إلى إدراج السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ عام 1993».
واعتبر أن «هذه المنظومة لا تؤمن بالدولة الوطنية الحديثة، بل تستخدمها كمنصة لتوسيع نفوذها الإقليمي، وهو ما تسبب في تدخلات عسكرية وسياسية في شؤون دول الجوار مثل تشاد وإثيوبيا، وأدى إلى تدهور علاقات السودان الخارجية».
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNTYg جزيرة ام اند امز