حرب السودان.. سيناريوهات عدة تفرضها تحولات تكتيكية
اشتباكات مستمرة في العاصمة الخرطوم والجزيرة والفاشر، في ظل عمليات التقدم والانسحاب التكتيكيين، وتكثيف استخدام المسيرات الانتحارية.
هذه التطورات الميدانية تجعل سيناريوهات الحرب في السودان مفتوحة على كل الاحتمالات، رغم مرور ما يقرب من عامين على اندلاع القتال.
وأفادت مصادر عسكرية لـ"العين الإخبارية"، اليوم الجمعة، بأن الجيش السوداني استلم منطقة "عد بابكر" والمدينة الجامعية بمنطقة شرق النيل، مع سماع أصوات اشتباكات عنيفة وتصاعد ألسنة اللهب والدخان في سماء المنطقة.
وحسب المصادر العسكرية، فإن محاور الجيش السوداني تتقدم للتوغل داخل عمق العاصمة الخرطوم والسيطرة على "القصر الرئاسي".
وقالت المصادر العسكرية أيضًا إن قوات "الدعم السريع" كثفت قواتها القتالية، ونشرت "القناصة" على أسطح البنايات العالية لحماية "القصر الرئاسي" والمنشآت العسكرية والمؤسسات الحكومية التي تسيطر عليها في العاصمة.
توسع رقعة القتال
ومع توسع رقعة القتال، أبلغت مصادر عسكرية "العين الإخبارية" بأن قوات "الدعم السريع" أطلقت، فجر اليوم الجمعة، مسيرات انتحارية تجاه مدينتي "مروي" و"الدبة" في الولاية الشمالية.
ووفق المصادر ذاتها، فإن المضادات الأرضية التابعة للجيش السوداني أسقطت المسيرات الانتحارية في سماء المنطقة دون خسائر في الأرواح.
وقالت المصادر العسكرية أيضًا إن قوات "الدعم السريع" نظمت انسحابًا تكتيكيًا لبعض قواتها من ولايتي الخرطوم والجزيرة، وبدأت التوجه غربًا إلى دارفور.
وأكدت المصادر العسكرية أن قوات "الدعم السريع" التي انسحبت غربًا تعزز وجودها في الفاشر لإحكام حصارها والسيطرة عليها، ليكون إقليم دارفور تحت قبضتها، بعد السيطرة على مدن الجنينة ونيالا وزالنجي والضعين.
وأشارت المصادر العسكرية إلى أن خطة "الدعم السريع" الحالية تهدف إلى الانفراد بحكم إقليم دارفور، الذي تساوي مساحته دولة فرنسا.
سيناريوهات مختلفة
في هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي أمير بابكر: "على الرغم من أن السودان، ومنذ الاستقلال، عاش تجارب حروب متواصلة بين الحكومة المركزية والحركات المسلحة المعارضة، إلا أن الحرب الحالية واضحة أنها مختلفة، لأنها بين أطراف كانت كلها في قمة السلطة."
وأضاف بابكر في حديثه لـ"العين الإخبارية": "في الحروب السابقة، كانت المعارك تدور في الأطراف وبعيدًا عن المدن الرئيسية، لأن الحركات المسلحة لم تكن تستهدفها بقدر ما كانت تحاول استنزاف القدرات العسكرية والاقتصادية للنظم الحاكمة، ولم نسمع قط بهجوم مكثف أو محاولة للسيطرة على مدن رئيسية."
وتابع: "بالنظر إلى تجربة الحركة الشعبية لتحرير السودان قبل اتفاق نيفاشا، لم تسيطر إطلاقًا على أي من المدن الرئيسية في الجنوب، ومع ذلك تم توقيع الاتفاق بينها وبين الحكومة المركزية، وبموجبه حدث الاستفتاء، ما أدى إلى انفصال الجنوب وقيام دولة الجنوب المستقلة".
وزاد: "الحرب الدائرة الآن انطلقت من قلب المدن، بما فيها العاصمة الخرطوم، واندلعت بين أطراف أصلاً متمركزة داخل هذه المدن وتعمل مع بعضها بتنسيق كامل قبل اندلاع الحرب."
وأوضح المحلل السياسي أن "تقدم الجيش طبيعي بعد امتصاص الصدمة التي أخذت وقتًا طويلًا، في الوقت الذي تراجعت فيه قوات الدعم السريع إلى مربعها الأول."
لكنه قال: "رغم تراجع الدعم السريع في الخرطوم والجزيرة، إلا أنها لا تزال متواجدة في ولايات دارفور الخمس وتسيطر على عواصمها ومدنها الرئيسية، عدا مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، التي لا تزال تحاصرها دون التمكن من السيطرة عليها."
وأوضح أن "البعض يذهب إلى أن سيطرة الدعم السريع على الفاشر تعني انفصال دارفور، لكنني أعتقد أنها قراءة غير دقيقة، فدارفور كإقليم يمكن أن ينفصل بدون السيطرة على الفاشر، مثلما حدث في السابق، حين انفصل الجنوب دون سقوط جوبا أو ملكال أو واو."
تحولات تكتيكية
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي محمد المختار إن تقدم قوات الجيش السوداني في الخرطوم لا يأتي عبر شمال ولاية الجزيرة فقط، بل من عدة اتجاهات، بعد انسحاب قوات الدعم السريع المتواصل منذ فترة من ود مدني (عاصمة ولاية الجزيرة) ومصفاة الجيلي (شمالي مدينة بحري) وتمركز هذه القوات في الخرطوم وشرق النيل، ما يشير إلى تحولات تكتيكية في سير الحرب.
وأضاف المختار في حديثه لـ"العين الإخبارية": "إذا كانت قوات الدعم السريع تسعى إلى تعزيز وجودها في الخرطوم والدفاع عنها، كما حدث في الشهور الأولى للحرب، حيث أحكمت سيطرتها على مداخل الخرطوم مع نصب الكمائن لمتحركات الجيش وانفتحت بعدها حتى مدني وسنجة وولاية النيل الأزرق، فهذا يعني أنها تريد استنزاف الجيش من جديد، مع تحريك محاور أخرى في بقية الولايات."
وتابع: "أما إذا واصل الجيش تقدمه نحو الخرطوم وسيطر على أجزاء منها، فهذا يطرح سؤالًا مفاده: أين ذهبت قوات الدعم السريع التي تراجعت من الجزيرة ومصفاة الجيلي والقوات الموجودة أصلاً في الخرطوم؟".
ومضى قائلًا: "لذلك، فإن الحرب قد تأخذ منحى جديدًا أكثر عنفًا في الفترة القادمة، ويلاحظ ذلك من خلال تكثيف طيران الجيش طلعاته الجوية على مدينة نيالا، وتكثيف الدعم السريع هجومه على الفاشر لإحكام السيطرة الكاملة عليها."
ويخوض الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، حربًا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 14 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفًا.
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين الأشخاص إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال، الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.