«توازن الضعف» في الفاشر.. حرب بـ«لا منتصر» والمعاناة نصيب المدنيين
معارك شرسة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان، لا يملك فيها أي طرف يدا عليا، لكن ينزف فيها المدنيون دماء ومعاناة وجوعا.
وفي ظل السباق المحموم للسيطرة على الفاشر في دارفور غربي السودان، تشير المؤشرات إلى أن الحرب هناك بلا منتصر، وأن السكان المدنيين هم المتضررون بشكل أساسي.
ومع تصاعد وتيرة الاشتباكات، يواجه نحو مليون مدني محاصرين داخل الفاشر مصيرا مجهولا لعدم استطاعتهم مغادرة المدينة إلى المناطق الآمنة، وسط صعوبة الحصول على الغذاء بسبب غلق الطرق ومنع شاحنات المواد الغذائية من دخول المدينة.
وأفادت مصادر عسكرية "العين الإخبارية"، بأن الاشتباكات العنيفة بين الجيش السوداني، وقوات "الدعم السريع"، تواصلت لليوم الثالث على التوالي في الفاشر، مع استمرار سقوط الضحايا وسط صفوف المدنيين إثر القصف المدفعي المتبادل.
الاصطفاف العشائري
وقال الكاتب والمحلل السياسي السوداني، الهضيبي ياسين، إن "عدم تحقيق أي انتصارات عسكرية على مستوى ولاية شمال دارفور، ومدينة الفاشر تحديدا، يعود لتحول طبيعة القتال هناك إلى مواجهة اجتماعية أكثر من كونها عسكرية".
وأضاف ياسين لـ"العين الإخبارية"، أن "الخسائر المدنية ستكون مضاعفة سواء بازدياد أعداد القتلى والجرح والشرخ الاجتماعي الذي قد يتسع بمرور الأيام، وتحول الحرب من الطبيعة العسكرية إلى الحرب الأهلية، وهو ما بات يتخوف منه السودانيون والمجتمع الدولي معا".
وأضاف أن "مدينة الفاشر تحمل أبعادا تاريخية وتضم تكتلات اجتماعية واصطفاف عشائري يقوم وفقا للتعاطي مع منهج الخطاب الإثني هناك والذي بات يستفيد منه كل طرف مسلح ويعمل على تسخيره وتفصيله بناء على سياسة كل طرف".
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي السوداني الطاهر أبوبكر، إن المعارك الطويلة في الفاشر "أسفرت عن خسائر في الأرواح والممتلكات، دون تحقيق حسم عسكري على الأرض لأي من طرفي النزاع".
وأوضح أبوبكر لـ"العين الإخبارية" أنه "يبدو أن الحرب في الفاشر معركة بلا منتصر، في ظل الضغط الدولي الرامي للحيلولة دون اجتياح المدينة التي تحتضن أكثر من مليون نازح في ظروف إنسانية بالغة التعقيد".
وأضاف أنه "بصورة عامة الحرب في السودان ستستمر لفترة طويلة، دون تحقيق انتصار لأي طرف على الآخر في حالة توازن الضعف الحالية".
ذروة التحشيد
ورغم تحذيرات إقليمية ودولية لطرفي النزاع لتجنب المواجهات العسكرية، داخل الفاشر المكتظة بالنازحين الفارين من جحيم الحرب في مناطق دارفور الأخرى، إلا أن الحشد العسكري وصل ذروته مؤخرا.
وخلال الأسابيع الماضية، عززت قوات "الدعم السريع" تواجدها حول الفاشر بعد أن حشدت آلاف المقاتلين من كل ولايات دارفور تمهيدا لاجتياح المدينة من 3 محاور رئيسية.
كما نجح الجيش السوداني، مؤخرا في إسقاط جوي للأسلحة والمقاتلين داخل الفاشر، بغرض زيادة تأمين المدينة، وحمايتها من السقوط والاجتياح أسوة بالمدن الأخرى في دارفور.
ووفق المصادر العسكرية، فإن قوات "الدعم السريع"، هاجمت خلال اليومين الماضيين، مواقع الجيش السوداني في الأجزاء الشرقية من المدينة في محاولة للتوغل إلى عمق العاصمة.
المصادر قالت أيضا، إن الدفاعات المتقدمة للجيش السوداني والقوة المشتركة، تصدت للهجوم من محاور مختلفة، إثر معارك بالأسلحة الثقيلة والخفيفة في أحياء "المصانع"، "الأمل"، "الصفا"، و"الجيل".
ولم يصدر تعليق من طرفي الصراع في السودان على تلك التطورات.
ومع تصاعد وتيرة المعارك، قال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، إن المستشفى الوحيد العامل في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور يفتقر إلى الأدوية، مشيرا إلى وقوع معارك قبل يومين، أسفرت عن مقتل 27 مدنيا.
وأوضح البيان إلى أن مستشفى الفاشر الجنوبي، وهو الوحيد العامل في ولاية شمال دارفور، تجاوز طاقته الاستيعابية، كما لا يملك سيارات إسعاف لنقل الجرحى وسط محدودية معداته الطبية والأدوية دون وجود إمدادات جراحية.
كما أفادت مصادر طبية في وزارة الصحة بولاية شمال دارفور، لـ"العين الإخبارية"، بزيادة توافد حالات الوفاة والإصابات إلى مستشفى الفاشر الجنوبي.
ووفقا للمصادر الطبية، فإن مستشفى الأطفال بالمدينة أصبح خارج الخدمة بسبب القصف العشوائي.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني و"الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.
وتقول الأمم المتحدة، إن السودان الذي كان - حتى قبل الحرب- أحد أفقر بلدان العالم، يشهد "واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، وهو مرشح لأن يشهد قريبا أسوأ أزمة جوع في العالم".
إذ دمرت الحرب سبل عيش ملايين السودانيين، وخاصة العاملين في قطاع الزراعة والرعي التي يعمل فيها 80% من القوى العاملة في البلاد، نتيجة لتوسع نطاقها مصحوبا بالهجمات العشوائية على المدنيين.