نافذة جديدة على الحل في السودان.. نجاح معلق على «ضغوط واشنطن»
مبادرة أمريكية جديدة لوقف الصراع بالسودان، وإنهاء الكارثة الإنسانية، لكنها تصطدم بـ"عقبات قديمة"، وتحمل فرصا واعدة في الوقت نفسه.
وأعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الثلاثاء، دعوة الجيش وقوات الدعم السريع إلى مفاوضات جديدة في 14 أغسطس/آب المقبل في سويسرا، تحت رقابة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والإمارات ومصر.
والسؤال الذي يطرح نفسه ما الذي يمكن أن تقدمه المبادرة الأمريكية يختلف عن المبادرات الأخرى فيما يتعلق بوقف إطلاق النار ومعالجة القضايا السياسية واستعادة الانتقال الديمقراطي؟
وتتميز المبادرة الجديدة، وفق مراقبين، بثقل دولي لكونها تحت رقابة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، ودول الولايات المتحدة، ومصر، ودولة الإمارات والسعودية.
وأفادت مصادر دبلوماسية "العين الإخبارية"، بأن المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، سيزور السودان 8 أغسطس/آب المقبل، لبحث الوساطة الأمريكية لإنهاء الحرب في السودان عبر مفاوضات سويسرا.
ومن المنتظر أن يلتقي المبعوث الأمريكي، وفق المصادر الدبلوماسية، رئيس مجلس السيادة السوداني، قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، لمناقشة المبادرة الجديدة وكيفية نجاحها لإنهاء الحرب ومعالجة آثارها الكارثية.
وحسب المصادر الدبلوماسية، فإن المفاوضات ستناقش أولا وقف إطلاق نار شامل في جميع أنحاء السودان، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين، وتطوير آليات مراقبة فعالة لمراقبة وقف إطلاق النار، وتحديد الخروقات لأي من طرفي النزاع.
نهج شامل للتفاوض
ومن المتوقع أن تنطلق المحادثات الجديدة في سويسرا، وفق مراقبين، في إطار مرحلتين مترابطتين في إطار عملية واحدة شاملة ونهج متكامل.
المرحلة الأولى هي وقف الحرب بالتزام أطرافها بإنهاء الكارثة الإنسانية ووقف الانتهاكات وحماية المدنيين برقابة على الأرض، والثانية هي إنهاء الحرب بمخاطبة جذورها وتأسيس الدولة.
وأهمية المبادرة الجديدة في سويسرا أنها مدعومة من مجلس الأمن، خاصة أن الأوضاع الجيوسياسية في البحر الأحمر وما خلفه من تطورات متسارعة يعد دافعا حيويا للاهتمام الدولي بوقف الحرب وبأسرع ما يمكن، وفق المراقبين.
"قرار دولي"
بالنسبة إلى رئيس تحرير صحيفة "التيار"، عثمان ميرغني، فإن العالم "مهتم جدا بتطورات الحرب في السودان، وقرر إنهائها بأسرع ما يمكن، لأن نتائجها ستكون كارثية على الجميع إقليميا ودوليا".
وأوضح ميرغني في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن الحراك الخارجي "لا يقابله حراك داخلي، وكأنما الحرب تدور في دولة أخرى، ولا يمكن أن تكون كل أجهزة الدولة في ميدان الحرب، ولا بد أن تتجه أيضا لصناعة المستقبل".
وأضاف: "يجب أن نضع تصوراتنا للدولة الجديدة والخروج من الحرب مثلما خرجت دول أخرى مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، ودول أفريقية أخرى عاشت أسوأ الحروب، ويجب أن ننصرف للحديث عن المستقبل".
كما يقول الكاتب والمحلل السياسي، يوسف حمد: "في تقديري، أن المبادرة الأمريكية الجديدة، بشأن سلام السودان أكثر جدية من أي وقت مضى، ربما هي تراجع أو مراجعة للتقاعس الدبلوماسي الذي اعترى الموقف الأمريكي حيال السودان منذ الانقلاب الذي حدث في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021".
وأضاف حمد في حديثه لـ"العين الإخبارية"، "تابعنا النقد اللاذع الذي واجهته إدارة جو بايدن بهذا الخصوص من قبل نواب الكونغرس إلى جانب مؤسسات بحثية وسياسية لها وزنها".
وتابع: "بطريقة أخرى، ما يجعل هذه المبادرة جادة هو أن إدارة بايدن أطلقتها متزامنة مع الانتخابات الأمريكية، لعل وعسى نجاحها يمنح بعض الحظوظ (للديمقراطيين) في السباق الانتخابي".
أوراق ضغط
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي، الطاهر أبوبكر، إن واشنطن "تستطيع الضغط على جميع الأطراف لإنجاح مبادرتها وإنهاء الحرب المدمرة في السودان، خاصة أن الأوضاع وصلت إلى طريق مسدود".
وأوضح أبوبكر، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن "الولايات المتحدة ستضغط بقوة لوقف إطلاق النار، وفتح المسارات الإنسانية لتوصيل الإغاثة، وتمهيد الطريق إلى حل سياسي تفاوضي".
وأضاف: "الانتهاكات في السودان وصلت إلى مرحلة خطيرة وغير مسبوقة، والإدارة الأمريكية تسعى لوقف المعاناة الإنسانية الكبيرة في صفوف المدنيين".
"الإرادة السياسية"
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي، عباس عبدالرحمن، إن المبادرة الجديدة التي أعلنتها الإدارة الأمريكية "سيحالفها النجاح حال توفر الإرادة السياسية الكافية لطرفي الحرب (الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع)".
وتابع عبدالرحمن، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن "الإدارة الأمريكية حرصت على إشراك الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، ودول مؤثرة وذات نفوذ إقليمي ودولي مثل مصر والإمارات، والسعودية، لإنجاح المحادثات الجديدة".
وأضاف: "أتوقع أن تنجح مفاوضات سويسرا، للزخم الكبير الذي توفره مشاركة أطراف فاعلة تسعى لإنهاء الحرب في السودان".
كما ذكرت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، في بيان اطلعت عليه "العين الإخبارية": "نرجو أن تثمر هذه المبادرة وقفا عاجلا للقتال عبر الانخراط الجاد والالتزام التام من جميع الأطراف".
وأضاف "ندعو كافة أبناء وبنات شعبنا لتوحيد وإعلاء صوتهم الداعي للسلام والمناهض للموت والدمار، حتى نضع حدا لهذه الكارثة، ونبني سلاما مستداما في سودان موحد مدني ديمقراطي يسع الجميع".
وقف شامل للعنف
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في بيان الإعلان عن المباحثات، إن محادثات سويسرا تهدف للتوصل إلى وقف شامل للعنف في جميع أنحاء السودان، ما يمكن من وصول المساعدات الإنسانية، إضافة إلى تطوير آلية مراقبة وتحقق قوية لضمان تنفيذ أي اتفاق.
وشدد على أن المحادثات الجديدة “لا تهدف إلى معالجة القضايا السياسية الأوسع"، لكنه أكد ضرورة عودة حكومة السودان إلى المدنيين الذين يجب أن يلعبوا الدور القيادي في تحديد عملية لمعالجة القضايا السياسية واستعادة الانتقال الديمقراطي.
وتابع: "ندعو الجيش والدعم السريع لحضور المباحثات والتعامل معها بشكل بناء، مع ضرورة إنقاذ الأرواح ووقف القتال وفتح طريق إلى حل سياسي تفاوضي للصراع".
ترحيب أحادي
بدوره، سارع قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو "حميدتي"، للترحيب بالدعوة الأمريكية وإعلان مشاركة قواته في محادثات وقف إطلاق النار المرتقبة، مبديا تقديره لجهود الولايات المتحدة والسعودية وسويسرا في تنظيم “هذه المداولات المهمة”.
وقال حميدتي، في تغريدة على منصة (إكس)، ليل الثلاثاء: "نتشارك مع المجتمع الدولي في الهدف المتمثل في تحقيق وقف شامل لإطلاق النار في أرجاء البلاد كافة، وتسهيل الوصول الإنساني لجميع المحتاجين، وتطوير آلية قوية للرصد والتحقق لضمان تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه."
وتابع: “نحن مستعدون للتعاطي مع هذه المحادثات بشكل بناء، ونتطلع إلى أن تشكل خطوة كبيرة نحو السلام والاستقرار وتأسيس دولة سودانية جديدة قائمة على العدالة والمساواة والحكم الفيدرالي”.
ولم يصدر تعليق فوري من الجيش حيال دعوة الولايات المتحدة، لكنه ظل يشترط ضرورة تنفيذ الدعم السريع لإعلان جدة الموقع في 11 مايو/أيار 2023 قبل استئناف أي تفاوض.
وسبق أن استضافت مدينة جدة محادثات برعاية سعودية- أمريكية، في 11 مايو/أيار 2023، أسفرت عن أول اتفاق طرفي الحرب على الالتزام بحماية المدنيين.
وأفلح منبر جدة في إعلان أكثر من هدنة، تخللتها خروقات عديدة وتبادل للاتهامات؛ ما دفع الرياض وواشنطن إلى تعليق المفاوضات في ديسمبر/كانون الأول 2023.
وتقول الأمم المتحدة، إن السودان الذي كان، حتى قبل الحرب، من أفقر بلدان العالم، يشهد "واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، وهو مرشح لأن يشهد قريبا أسوأ أزمة جوع في العالم".
ويعاني 18 مليون سوداني، من بين إجمالي السكان البالغ عددهم 48 مليونا، من نقص حاد في الغذاء.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش وقوات "الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.
aXA6IDE4LjExNy4xMDYuMjMg جزيرة ام اند امز