تعليق العضوية الأممية وحظر الطيران.. أحدث حلقات الصراع بالسودان
من أتون المعارك العسكرية على الأرض إلى ساحات المنظمات الدولية، يواجه السودان حلقة جديدة من الصراع، تضاف إلى أزمته المتفاقمة وتبعد أمد الحل السياسي.
الحلقة الجديدة بدأت بخطاب من قائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي"، إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تطالبه بحث مجلس الأمن الدولي على تبني قرار بتعليق عضوية السودان في الأمم المتحدة، وحظر استخدام الطيران في المناطق التي لا تشهد عمليات عسكرية.
- الموت جوعاً أو الهروب إلى المجهول.. السودان يقترب من حافة المجاعة
- السودان يترقب محادثات جنيف.. «هدنة إنسانية» معلقة على شرط
هذه الخطوة التي تباينت آراء محللين لـ«العين الإخبارية» بشأنها، بين من يعتبرها غير مجدية ومطلبا غير منطقي، كون الجيش هو القوة المخول لها دستوريا فرض القانون في كل أرجاء السودان، وبين من يرى أن الطلب منطقي ويأتي لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية وتعزيز حماية المدنيين، بينما يؤكد آخرون أن الاستجابة له ستفاقم أزمة البلاد بشدة.
خطوة غير مجدية
بالنسبة إلى رئيس تحرير صحيفة "السوداني" عطاف محمد المختار فإن طلب قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو للأمم المتحدة، لحث مجلس الأمن على تبني قرار تعليق عضوية السودان في الأمم المتحدة، وحظر استخدام الطيران، خطوة «غير مجدية».
وقال المختار، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إن تواصل المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة رمطان لعمامرة مع قادة الدعم السريع يأتي في إطار متابعة تنفيذ التعهدات على صعيد القضايا الإنسانية الحرجة.
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي عبدالجليل سليمان إن طلب قائد الدعم السريع للأمم المتحدة هدفه «تحييد الطيران الحربي باعتباره مصدر القوة الأساسي للجيش، وحماية الجماعات التي تمثل حاضنة اجتماعية وترفد قوات الدعم السريع بالمقاتلين».
وأضاف سليمان، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، "لا أعتقد أن الأمم المتحدة ستأخذ مطلب قائد الدعم السريع في الاعتبار، لأنها استضافت رئيس مجلس السيادة السوداني قائد الجيش عبدالفتاح البرهان بصفته الرسمية في اجتماعاتها، وهناك سفير سوداني موجود ومعترف به".
وتابع "الأمم المتحدة ظلت تعتبر البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني، ومن ثم رئيس السودان حتى بعد اندلاع الحرب، وهو موقف قديم، بالتالي لن تغير موقفها".
تحتاج إلى عمل حقوقي
ويقول مستشار رئيس الوزراء السابق فائز الشيخ "قبل أن يدعو قائد الدعم السريع إلى حظر طيران يجب أن يوقف القتال ضد المدنيين، أما حظر الطيران فهو موجود في إقليم دارفور بالرقم (1806) عام 2006، لكن لتفعيله وتمديد مناطق العمل به يحتاج إلى عمل حقوقي، لا بدعوة أحد الأطراف المتهمة بالانتهاكات".
وأضاف الشيخ، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، "أتفق على عدم شرعية الحكومة، لكن المجتمع الدولي يتعامل مع سلطة بورتسودان كحكومة أمر واقع، وسحب الاعتراف الدولي بها يعني ضرورة وجود حكومة بديلة، أو فراغ دستوري".
وتابع "أتوقع أن تكون الدعوة تمهيدا لإعلان حكومة موازية من حميدتي، إذ سيطر على مدينتي الدمازين (عاصمة ولاية النيل الأزرق) والفاشر (عاصمة ولاية شمال دارفور)".
طلب «غير منطقي»
من جهته، يقول رئيس تحرير صحيفة "التيار" السودانية عثمان ميرغني "هذا مطلب غير منطقي، لأن الجيش السوداني هو القوة الشرعية الدستورية الوحيدة المخول لها دستوريا فرض القانون في كل أرجاء السودان، وفي ذلك له الحق في استخدام القوة حسب تقديراته العسكرية التي لا يمكن فرضها خارجيا".
وأضاف ميرغني، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، "أما تعليق عضوية السودان في الأمم المتحدة فهو أمر يدل على جهل بميثاق الأمم المتحدة الذي يراعي سيادة الدول الأعضاء ويعمل على ضمانها".
الصراع الدبلوماسي
من جانبه يقول الكاتب والمحلل السياسي الهضيبي يس إن الصراع والتسابق الدبلوماسي بين طرفي النزاع المسلح في السودان ظل موجودا منذ الوهلة لانطلاق الرصاصة الأولى في الحرب".
وأضاف يس، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن "استجابة المجتمع الدلي تظل رهينة بعدة مسائل أساسية، أولها تعليق عضوية السودان في الأمم المتحدة قطعا هو أمر يعني خروج السودان من دائرة الخريطة الدولية، وعدم الالتزام بأي تعهدات سابقة تجاه مؤسسات الأمم المتحدة، سواء بتوفير الحماية للمنظمات وغيرها، أيضا تجميد كل المعاهدات والاتفاقيات بين السودان والأمم المتحدة".
وتابع "هو أمر كذلك يعني انتشار مزيد من الفوضى، سواء في انسياب كل أنواع السلاح، وازدياد حجم الهجرة غير الشرعية، وتجارة المخدرات نسبة لارتباط السودان بعدة دول على مستوى دول منطقة شرق وغرب أفريقيا".
وزاد "هنا أوكد التأكيد أن استجابة الأمم المتحدة لمثل هكذا قرار سيفاقم من حجم الأزمة السودانية بدلا من فك طلاسمها وحلها، وعليه فإن على المجتمع الدولي الدفع بمزيد من الاقتراحات وخارطة طريق لإنهاء الحرب في السودان بدلا عن فرض أي نوع من أنواع القرارات والعقوبات".
وقف الحرب وتحقيق السلام
وذكر بيان صادر عن قوات "الدعم السريع"، اطلعت عليه "العين الإخبارية"، أن "حميدتي" أكد في خطابه استعداده لمواصلة المباحثات والتعاون المشترك بما يسهل إيصال المساعدات الإنسانية وتعزيز حماية المدنيين.
وجدد "حميدتي" التأكيد على استعداد قواته التام للانخراط في أي تفاوض يفضي إلى وقف الحرب وتحقيق السلام والاستقرار في السودان.
وسبق أن استضافت مدينة جدة محادثات برعاية سعودية أمريكية، في 11 مايو/أيار 2023، أسفرت عن أول اتفاق طرفي الحرب على الالتزام بحماية المدنيين.
وأفلح منبر جدة في إعلان أكثر من هدنة، تخللتها خروقات عديدة وتبادل للاتهامات، ما دفع الرياض وواشنطن إلى تعليق المفاوضات في ديسمبر/كانون الأول 2023.
وخلال الفترة (6-8) يناير/كانون الثاني الماضي، أجرى كل من نائب القائد العام للجيش الفريق أول شمس الدين كباشي، والقائد الثاني لقوات "الدعم السريع" الفريق عبدالرحيم دقلو مفاوضات في العاصمة البحرينية (المنامة)، انتهت بتوقيع اتفاق من 22 بندا.
ونص الاتفاق، الذي تضمن 22 بندا، على تكوين جيش وطني مع "الدعم السريع"، والقبض على المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، وتفكيك نظام الإسلاميين الذي حكم البلاد في العقود الثلاثة الماضية.
أسوأ كارثة إنسانية
وتقول الأمم المتحدة إن السودان الذي كان، حتى قبل الحرب، من أفقر بلدان العالم، يشهد "واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، وهو مرشح لأن يشهد قريبا أسوأ أزمة جوع في العالم".
ويعاني 18 مليون سوداني، من بين إجمالي السكان البالغ عددهم 48 مليونا، نقصا حاد في الغذاء.
وبات مئات الآلاف من النساء والأطفال معرضين للموت جوعا، في أزمات يشعر العاملون في المجال الإغاثي بالعجز حيالها بسبب رفض منحهم تأشيرات دخول وفرض رسوم جمركية باهظة على المواد الغذائية، إضافة إلى نهب المخازن وصعوبة الوصول إلى العالقين قرب جبهات القتال.
وانهار النظام الصحي بشكل شبه كامل في السودان، وتقدّر الخرطوم الخسائر في هذا القطاع بقرابة 11 مليار دولار.
ودمرت الحرب سبل عيش ملايين السودانيين، بمن في ذلك العاملون في قطاع الزراعة والرعي التي يعمل فيها 80% من القوى العاملة في البلاد، نتيجة توسع نطاقها مصحوبا بالهجمات العشوائية على المدنيين.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش وقوات "الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.
aXA6IDMuMTMzLjE1MS45MCA= جزيرة ام اند امز