رسائل العطا بشأن «رئاسة» البرهان.. «انقلاب جديد» في السودان؟
"البرهان سيظل على رأس الدولة".. عبارة أطلقها ياسر العطا مساعد قائد الجيش السوداني، وأثارت جدلا وتكهنات في الأوساط السياسية والمدنية.
إذ ذكر العطا مؤخرا، أمام حشد من الجنود بمدينة أم درمان غربي العاصمة الخرطوم، أن "القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان سيكون هو رأس الدولة بصلاحيات سيادية حتى بعد 3 أو 4 دورات انتخابية".
رسائل غير مباشرة عدها محللون لـ"العين الإخبارية" تكشف عن أهداف الحرب الحقيقية وبمثابة "انقلاب جديد" سيصب الزيت على النار ويعقد الأوضاع في البلاد، ويؤدي إلى تضاؤل فرص الحلول السلمية.
طموح البرهان
وتعليقا على هذه التصريحات التي تسيل كثيرا من الحبر، يقول المتحدث الرسمي باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) بكري الجاك إن التصريحات "جزء من أسباب الحرب، لأن القوات المسلحة ظلت متمسكة بالسلطة وسيطرتها على اقتصاد البلاد، وتوظف السلطة لخدمة أقلية".
وأوضح الجاك في تصريحات إعلامية أن "البرهان له طموح في البقاء على سدة الحكم، وهذا سبب الانقلاب على حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، حينما كان من المفروض أن تؤول رئاسة مجلس السيادة للمدنيين".
وأضاف "طموح البرهان في السلطة كان أيضا سببا في إشعال النزاع الحالي، لأنه وجد نفسه في مواجهة تطلعات قوات الدعم السريع بعد أن نفذا سويا الانقلاب على الحكم الانتقالي المدني"، في إشارة للإطاحة بحمدوك.
"إعاقة الانتقال"
من جهته، قال عضو تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) ماهر أبوالجوخ إن "أفضل ما فعله الفريق ياسر العطا بتصريحاته هذه أنه قد كشف الموقف والتوجه الحقيقي، وهو أن ما يحدث فعليا في السودان ومنذ محاولات إعاقة الانتقال والانقلاب وحتى هذه الحرب، عنوانه الرئيسي هو الرغبة والسعي الحقيقي للسيطرة على الحكم وفرض قيادات الجيش في المشهد السياسي، وهو ما لا يمكن قبوله".
وأوضح أبوالجوخ، في تصريحات إعلامية، أن "البعض قد يستغرب لهذه التصريحات الصادرة من مساعد القائد العام للقوات المسلحة الفريق ياسر العطا، لكنها تعبر فعلا عن الموقف الذاتي لعدد من قادة الجيش الذين نفذوا انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول، وقوضوا الاتفاق الإطاري ثم أشعلوا هذه الحرب لرغبتهم الأكيدة وحرصهم على البقاء في السلطة".
وأضاف "الموقف الحقيقي والرئيسي للقوى السياسية والمدنية أن الجيش مؤسسة نظامية ليس من واجبها أن تحكم ولا أن تمارس التجارة، وأن تركز على واجبها الرئيسي".
متابعا "الحرب ستنتهي بتأسيس دولة مدنية ديمقراطية تخضع فيها مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية للسلطة الدستورية، ولا مجال مطلقا للحديث إطلاقا عن أي دور سياسي للمؤسسات النظامية، سواء كان الجيش أم الشرطة أم الأجهزة الأمنية، التي لديها واجبات دستورية ليس من بينها أن تحكم أو تشارك في الحكم".
التدخل في السياسة
كما قال العضو السابق بمجلس السيادة السوداني محمد حسن التعايشي إن "ياسر العطا أكثر ضابط جيش يتسق سلوكه ووعيه وأفعاله مع تشوهات المؤسسة العسكرية المتمثلة في الغطرسة، وعدم القومية، والتدخل في السياسة، والعنف تجاه المجتمع والتطلعات غير الموضوعية، وهي تاريخيا تمثل جوهر الاختلاف وعيوب المؤسسة العسكرية السودانية".
وأوضح التعايشي، في تصريحات إعلامية، أن "ياسر العطا وبتصريحه الأخير لم يلخص دور الجيش في الأزمة الوطنية فحسبن بل اختصر هذه الحرب، من الذي أشعلها والهدف منها".
وأضاف "الذين يصطفون خلف هذه الحرب، هذا هو عضم الدولة التي تريدون الحفاظ عليها وهذا هو الجيش الذي يمثل رمزيتها، ما لم يستطع ياسر العطا أن يتجاهله ولن يستطع، هو أن هذه الحرب وكيفما انتهت عليه، فهي تمثل نهاية دورة سياسية وبداية دورة جديدة عمادها التأسيس وبناء الدولة على أسس جديدة وعادلة، وهي شروط السلام المستدام".
حزب الأمة قال في بيان إن إعلان الفريق العطا "يعد إشارة صريحة لتأسيس سلطة شمولية عسكرية تقطع الطريق أمام آمال وتطلعات الشعب السوداني في تحول مدني ديمقراطي في السودان، وتعبر عن طموح سياسي للفريق البرهان وزملائه في مرحلة ما بعد الحرب".
وأضاف الحزب في بيان "وفي هذا خروج على العهد الذي قطعوه للشعب بعد ثورة ديسمبر/كانون الأول (2019) ونكوص عن قرار القوات المسلحة التاريخي في الرابع من يوليو/تموز 2022، وتراجع التعهدات التي بذلها الفريق البرهان للمجتمع الدولي، خاصة تعهده في خطابه في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2023".
"حرب السلطة"
وتعليقا على خطاب العطا، يقول مستشار رئيس الوزراء السابق، فائز الشيخ إن "العسكر يخوضون حربا من أجل السلطة لا من أجل الكرامة مثلما يزعمون، وأن كل خطواتهم خلال الفترة الانتقالية كانت تهدف إلى إبعاد السلطة المدنية".
وأضاف الشيخ، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، "أما النتيجة الثانية فهي أن الجنرال العطا يهيئ المسرح بإطالة أمد الحرب حتى يتمكن من إبعاد الفريق البرهان من طريق طموحاته" الشخصية.
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي عباس عبدالرحمن "لا أعتقد أن الشعب السوداني بعد ثورة ديسمبر واقتلاع الرئيس البشير يسمح بالحكم العسكري مرة أخرى في البلاد".
وأوضح عبدالرحمن، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، "سبق أن جمَّد الاتحاد الأفريقي عضوية السودان بسبب انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وحديث الجنرال العطا سيصب الزيت على النار ويعقد الأوضاع في البلاد، ويؤدي إلى تضاؤل فرص الحلول السلمية".
فيما قال رئيس تحرير صحيفة "التيار" عثمان ميرغني، عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك": "إذا لم تنجح القوى السياسية في كسب ثقة المواطن فإنه لن يقايض أمنه بأية شعارات.. استمعوا إليه قبل فوات الأوان".
لكن رئيسة تحرير صحيفة "التغيير" رشا عوض، قالت إن العنوان الأكبر من عناوين الفجيعة الوطنية "هو المؤسسة العسكرية التي انقلبت على المدنيين بزعم حماية البلاد من الحرب الأهلية، وبعد ذلك تقاتلت فيما بينها على غنائم السلطة المواطن المسكين دفع الثمن".
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023 يخوض الجيش السوداني و"الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 10 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.
aXA6IDE4LjIyMi45OC4yOSA= جزيرة ام اند امز