«نحن أو الفوضى».. «مطامع» بورتسودان تقوّض جهود الرباعية للسلام

رفض متوقع أبدته سلطة بورتسودان لخارطة الطريق التي اقترحتها اللجنة الرباعية لوقف الحرب في السودان.
وكانت اللجنة التي تضم الإمارات والسعودية ومصر والولايات المتحدة، قد اقترحت خارطة طريق تهدف للوصول إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر في السودان، يليها وقف دائم لإطلاق النار وفترة انتقال تمتد 9 أشهر تفضي إلى تشكيل حكومة مدنية، إلا حكومة بورتسودان، أعلنت رفضها لهذه الخارطة، وانحيازها لتنظيم الإخوان المتغلغل داخلها، ضاربة بمصلحة الشعب السوداني عرض الحائط.
وطبقاً لمراقبين تحدثوا لـ"العين الإخبارية" فإن بيان وزارة خارجية بورتسودان يتماشى مع أجندة التنظيم الإخواني الذي ظل يختطف قرارات سلطة بورتسودان، ولا يسمح لهما بالمُضي قدماً في كل المبادرات الدولية والإقليمية التي تهدف لإنهاء الحرب في السودان والعودة إلى مسار الحكم المدني الديمقراطي.
رفض متوقع
فايز السليك، المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء السابق في السودان، عبدالله حمدوك، اعتبر أن رفض سلطة بورتسودان لخارطة طريق دول الرباعية، أمر "متوقع" وليس مستغرباً.
وقال السليك لـ"العين الإخبارية" إن "الحركة الإسلامية السودانية– الواجهة السياسية للتنظيم الإخواني- هي التي أشعلت الحرب من أجل إعادة ترسيم المشهد السياسي في السودان بالدماء؛ فكيف يقبلون بخريطة طريق جوهرها تشكيل تحالف إقليمي ودولي صنف هذه الجماعات بالمتطرفة والعنيفة؟".
وقال السليك إن الخارطة التي تبنتها دول مؤثرة وفاعلة في المشهد الدولي والإقليمي، تعني شهادة وفاة لـ"الإخوان" في السودان، حيث شددت كل البنود في خارطة الطريق، على أهداف عكس ما يريده تنظيم الإخوان، بدايةً برفض الحلول العسكرية، وتبني المسار التفاوضي، وخروج الجيش السوداني والدعم السريع من المشهد السياسي ودعم الحكم المدني، وهي ذات مبادئ ثورة ديسمبر/كانون الأول التي أسقطت نظام حكمهم في السودان.
وتوقع السليك ألا يتم تنفيذ خارطة الطريق بسرعة أو على المدى القريب المنظور؛ لكنه أشار إلى أن تطورات كبيرة قد تحدث في المستقبل، في حال ذهبت "الرباعية" نحو تكوين آليات لمحاصرة "الرافضين".
وأضاف أنه "يمكن ربط هذا الأمر بأمن واستقرار البحر الأحمر، والسعي لوقف التمدد الإيراني والروسي في المنطقة خاصة وأفريقيا عامة".
سيناريوهات مستقبل الحرب والسلام
وحول التداعيات المتوقعة لمستقبل السلام في السودان، في حال تمسكت سلطة بورتسودان بموقفها الرافض لأهم البنود المطروحة في خارطة طريق دول الرباعية، كشف السليك عن عدة سيناريوهات متوقعة في رسم ملامح المشهد السوداني خلال الفترة القادمة.
وقال إن "السيناريو الأول المتوقع، هو تدخل مباشر من الأسرة الدولية والإقليمية الفاعلة، إما باحتواء بعض قادة الجيش السوداني والأجهزة الأمنية ودعم رغباتهم في تفكيك مفاصل الإسلاميين داخل هذه جهاز الدولة السودانية، وتحرير الجيش السوداني من قبضتهم".
وأضاف أن "السيناريو الثاني، فهو أن تتمدد الحرب في السودان بدخول جماعات إرهابية إقليمية، وتصبح حرباً عابرة للحدود، وهو ما يمنح مبررات لتدخل "عملياتي" مباشر من قبل المجتمع الدولي في السودان".
وأكد أن مصلحة السودان والمنطقة الأفريقية والعربية، تقتضي ضرورة "تجفيف مستنقعات الإخوان داخل المؤسسات العسكرية والأمنية وإعادة هيكلتها لصالح السلام".
وأشار إلى العقوبات الأخيرة التي فرضتها الولايات المتحدة على مليشيا "البراء بن مالك" الإخوانية في السودان، وكذلك العقوبات على وزارة المالية التي يديرها رئيس حركة العدل والمساواة – ذات الخلفية الإخوانية- جبريل إبراهيم، بأنها قد تدفع التنظيم الإخواني لصب المزيد من الزيت في النار المشتعلة، قبل أن تتم إزاحتهم من المشهد الانتقالي لصالح تحقيق السلام، وهو ما يتطلب مزيداً من الضغوط الدولية والإقليمية على قيادة الجيش السوداني لفك الارتباط مع أجندة التنظيم الإخواني التي لا تريد سلاماً ولا تحولاً ديمقراطياً حقيقياً في السودان"، بحسب السليك
نظرية البقاء في السلطة أو الفوضى
من جهته، قال المحلل السياسي في السودان، الدكتور حاتم طه، إن إعلان وزارة الخارجية في حكومة بورتسودان رفضها للمبادرة التي طرحتها اللجنة الرباعية، والتي تضمنت وقفًا لإطلاق النار وتأسيس مسار انتقالي جديد، يكشف عن إصرار الحكومة القائمة في بورتسودان على الإمساك بالسلطة في المرحلة المقبلة، رغم التغيرات الإقليمية والدولية التي تدفع في اتجاه تسوية شاملة.
وقال طه لـ"العين الإخبارية" إن "هذا الرفض يمثل ضربة لآمال السودانيين في التوصل إلى هدنة توقف نزيف الدم وتخفف من المأساة الإنسانية".
وأشار إلى أن استمرار الحرب يعني مزيدًا من النزوح والمجاعة، مع تفاقم الانهيار الاقتصادي وانقسام البنية السياسية، موضحا أن القوى المدنية السودانية التي كانت تعول على دعم الرباعية، تجد نفسها اليوم أمام جدار مسدود، بينما تسعى بعض الأحزاب والمكونات السياسية التي ساندت انقلاب عبدالفتاح البرهان قائد الجيش السوداني في أكتوبر/تشرين الأول 2021 وتم تهميشها لاحقا، الفرصة للتقارب مع حكومة بورتسودان مرة أخرى بدافع الخوف من الاقصاء الكلي أو بحثًا عن مظلة تحميها.
وتوقع طه أن تحاول حكومة بورتسودان الالتفاف على الضغوط عبر استخدام أدواتها الإقليمية، بهدف ممارسة الضغط على الرباعية، لإعادة النظر في نقطتين أساسيتين: عدم استبعاد التيار الإخواني من المعادلة، وعدم تهميش الجيش السوداني في المرحلة الانتقالية، بدعوى أن ذلك قد يجر البلاد إلى فوضى أوسع.
وأوضح طه بأن هذا النهج الذي تتبعه سلطة بورتسودان يعني عمليًا القبول بحرب استنزاف طويلة تحت شعار "نحن أو الفوضى".
وأضاف أن "استمرار الحرب لا يضمن بقاء سلطة بورتسودان في موقعها، بل قد يدفع القوى الدولية إلى دعم خصومها بقوة أكبر، ومما يضاعف الكلفة الإنسانية والسياسية ويعمّق عزلة السودان عن المجتمع الدولي ويزيد احتمالات تفكك الدولة".