عقوبات أمريكا ضد أذرع «إخوان» السودان.. خطوة جدية بمسار وقف الحرب

تحول نوعي في تعاطي واشنطن مع الملف السوداني، جاء عبر عقوبات مباشرة فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية على أذرع عسكرية ومالية مرتبطة بتنظيم الإخوان، شمل وزارة مالية السلطة في بورتسودان.
الخطوة اعتبرها مراقبون، «تحركا جديا» نحو تجفيف منابع الحرب وإضعاف شبكات التمويل والتأثير التي تغذيها، وتزامنت مع تصاعد القلق الدولي والإقليمي من استمرار الحرب رغم فشل مبادرات سابقة للتهدئة.
ويرى خبراء تحدثوا لـ«العين الإخبارية» أن العقوبات الأمريكية تحمل رمزية وأهمية كبيرة، لكنها في الوقت نفسه تثير تساؤلات حول فاعليتها وقدرتها على تغيير مسار الصراع المعقد داخلياً والمتشابك إقليمياً ودولياً.
أهمية العقوبات
رئيس دائرة الإعلام بحزب الأمة القومي، المصباح أحمد محمد، يرى أن العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية ضد الأذرع العسكرية للتنظيم الإخواني في السودان، تكتسب أهمية بالغة بالنسبة للسودانيين الباحثين عن استقرار الدولة وعودة الروح والأمل، بعدما عصفت الحرب "الهدَامة" بآمالهم وتطلعاتهم في حياة آمنة وكريمة.
وأوضح المصباح في حديث لـ"العين الإخبارية": "إن العقوبات الأمريكية التي فُرضت على كتائب الإخوان العسكرية مثل البراء بن مالك ووزارة مالية الإخوان التي يديرها جبريل إبراهيم، من شأنها أن تفتح الطريق نحو تصنيف هذه المجموعات المتطرفة كمجموعات إرهابية، بما يشكل إجراءً ضرورياً لكبح جماحها ووقف مساعيها الهدامة الرامية إلى تدمير السودان وتهديد أمنه الوطني والإقليمي".
وأضاف أن هذه العقوبات تزامنت بشكل مباشر مع جهود حثيثة تقودها دول الرباعية لإنهاء الحرب في السودان، ومما يعني – بحسب المصباح – دلالة واضحة على اقتراب الفاعلين الدوليين والإقليميين خطوات أكثر واقعية في "فهم" طبيعة الحرب التي أشعلها "إخوان" السودان لتصفية الثورة السودانية، وقطع الطريق أمام الانتقال المدني الديمقراطي.
وقال إن "البيان الصادر عن اجتماع الرباعية الدولية يوم الأمس الجمعة، يمثل خطوة بالغة الأهمية على طريق إنهاء الحرب في السودان، لا سيما وأن الرباعية تضم الولايات المتحدة الأمريكية وعدداً من الفاعلين الإقليميين المؤثرين".
وأشار إلى أن المبادئ التي وردت في بيان "الرباعية" تؤكد على مرتكزات أساسية تشكل "حجر الزاوية" في عملية بناء السلام المستدام بالبلاد.
ولفت إلى أن البيان حدد وبصورة واضحة لا لبس فيها – العناصر المتطرفة من واجهات حزب المؤتمر الوطني – ذراع تنظيم الإخوان في السودان – الذين ظلوا يعيقون جهود وقف الحرب، بعدما سبق لهم أن عرقلوا مسار الفترة الانتقالية".
وأكد أن هذه الخطوة تمهد لمزيد من الضغوط على طرفي الصراع في السودان للعودة إلى طاولة التفاوض، خصوصاً بعدما أضحى جلياً بأن "الإخوان" وكتائبهم العسكرية هم من يقفون وراء استمرار الحرب، وهم من يسعون إلى تخريب السودان وتقسيمه إلى دويلات متناحرة انتقاماً من السودانيين الذين أشعلوا الثورة في أبريل/نيسان 2019 وأسقطوا حكمهم الغاشم الذي جثم على صدورهم لأكثر من ثلاثين عاماً – على حد قوله.
تحذير من الاكتفاء بالعقوبات
من جانبه، شدد الناشط الحقوقي وعضو المكتب التنفيذي لمجموعة «محامو الطوارئ»، سامي الباقر، في حديث لـ«العين الإخبارية»، على أن العقوبات ضد الأذرع العسكرية للتنظيم الإخواني في السودان، رغم أنها «تعكس فهماً جدياً من واشنطن لطبيعة الصراع في السودان، وتهدف إلى "تقليم" أظافر هذه الكتائب الإرهابية التي تلعب دوراً بارزاً في تأجيج فتيل الحرب واستمرارها، إلا أنها ليست كافية
وشدد على «ضرورة أن يتبع ذلك مزيد من الضغوطات على طرفي النزاع، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لأجل العودة إلى مسار التفاوض المُفضي لوقف إطلاق نار دائم، وتفكيك البنية العسكرية والأمنية للإخوان التي تختطف قرار وقف الحرب حالياً".
ويرى الباقر أن «هذه التحركات الدولية والإقليمية تجاه حل الأزمة السودانية، يعتبر بارقة أمل قوية لإنهاء معاناة السودانيين، ووضع حد نهائي للكارثة الإنسانية التي تسببت فيها الحرب المشتعلة منذ أبريل/نيسان 2023».
وأضاف أن هناك كثيرا من التحديات والعقبات الداخلية والخارجية التي ينبغي وضعها في الحسبان، حتى يتحقق السلام الشامل في السودان.
وقال: "إن أذرع الإخوان العسكرية في السودان، تمتلك غرفا إعلامية نشطة في تضليل الرأي العام في السودان، وتعمل هذه الغرف جنباً إلى جنب مع نشاط هذه الكتائب العسكرية في الميدان لتصوير الحرب في السودان على أنها حرب وجودية ضد مؤامرة دولية وإقليمية تهدف إلى تقسيم السودان ونهب موارده".
وأضاف أن «مواجهة الدعاية المضادة التي تنشط فيها واجهات الإخوان في السودان، يعتبر تحدياً داخلياً كبيراً يقف أمام تتويج الجهود الدولية والإقليمية لتحقيق السلام في السودان». داعياً القوى المدنية الديمقراطية في السودان إلى «الاصطفاف والتوحد مُجدداً في خانة ضرورة وقف الحرب، ومواجهة الخطاب الإعلامي الداعي لاستمرار الحرب».
ولفت الناشط الحقوقي إلى أنهم بذلوا مجهودات جبَارة عبر مجموعة "محامو الطوارئ" لفضح الانتهاكات التي تقوم بها كتائب الإخوان مثل "البراء بن مالك" وغيرها، حتى يتم "تعرية" الخطاب الحربي الذي يريد أن يمنح حرب الإخوان في السودان "قداسة" ومشروعية لاستمرارها مهما كانت كُلفتها الإنسانية".
وأشار الباقر إلى أن مدى "جدية" ومصداقية الإرادة الدولية والإقليمية في المُضي في إنهاء الحرب السودانية، يظل تحدياً خارجياً ينبغي أن يستمر دون التوقف أمام عقبة من العقبات الداخلية التي تفرضها نوعية التعقيدات الأمنية والسياسية والمناطقية في مسار تطور الحرب في السودان"
هدف العقوبات
وبحسب واشنطن، تهدف هذه العقوبات إلى الحد من نفوذ الإخوان داخل السودان، وكبح أنشطة إيران الإقليمية، التي ساهمت في زعزعة الاستقرار الإقليمي، والصراع، ومعاناة المدنيين، بحسب البيان الأمريكي، الذي أكد التزام واشنطن بالعمل مع شركائها الإقليميين لتحقيق السلام والاستقرار في الخرطوم.
وقال جون ك. هيرلي، وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية: "شكّلت الجماعات الإسلامية السودانية تحالفات خطيرة مع النظام الإيراني. لن نقف مكتوفي الأيدي ونسمح لهم بتهديد الأمن الإقليمي والعالمي".
وأضاف: "تستخدم وزارة الخزانة أدواتها العقابية القوية لتعطيل هذا النشاط وحماية الأمن القومي الأمريكي".
ولعب تنظيم الإخوان مؤخرا، «دورًا رئيسيًا في عرقلة تقدم السودان نحو التحول الديمقراطي، بما في ذلك تقويض الحكومة الانتقالية السابقة بقيادة المدنيين وعملية الاتفاق السياسي الإطاري»، بحسب البيان الأمريكي.
وأشارت وزارة الخزانة إلى أن تنظيم الإخوان في السودان «يواصل عرقلة جهود التوصل إلى وقف إطلاق نار لإنهاء الحرب الدائرة، ويبنون علاقات مع الحكومة الإيرانية، بما في ذلك الحرس الثوري، ويتلقون منها الدعم الفني.
ترحيب ببيان الرباعية
وفي سياق جهود وقف الحرب، رحب التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة «صمود» بالبيان الصادر من وزراء خارجية المجموعة الرباعية (الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة العربية السعودية، دولة الإمارات العربية المتحدة، ومصر ).
التحالف قال إن البيان طرح خارطة طريق وخطة عمل لإنهاء النزاع في السودان، وأكد "صمود" كامل تأييده لها ودعوته لأطراف النزاع للالتزام بها بصورة فورية.
وأشاد تحالف صمود بموقف الرباعية واصفاً إياه بالقوي، ودعا أطراف الصراع والأسرة الإقليمية والدولية للتنسيق المحكم لضمان تنفيذ هذه الرؤية، بما يقود لإنهاء المعاناة التي يعيشها الشعب السوداني، والوصول لسلام دائم وعادل يجعل من هذه الحرب آخر حروب السودان، ويقود لأمن واستقرار البلاد ومحيطها الإقليمي والدولي.
من جانبه رحّب حزب «الأمة القومي» بالبيان الصادر عن اجتماع وزراء الرباعية بشأن النزاع في السودان، ووصف الحزب البيان بأنه «مدخل عملي لإنهاء الحرب» وتحقيق سلام عادل ومستدام.
في السياق ذاته، رحّب «التجمع الاتحادي» في السودان ببيان الرباعية، مشيراً إلى أن تأكيد «الرباعية» على سيادة ووحدة السودان يمثل أساسًا سليمًا لحل الأزمة.
كما اعتبر أن إقرار البيان بعدم وجود حل عسكري، وضرورة الامتناع عن دعم الأطراف المتحاربة، يمثل أساسًا صحيحًا للضغط عليهما للانخراط في مفاوضات.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTI0IA== جزيرة ام اند امز