"فلامنجو" روسيا في السودان.. هل حان موسم الهجرة إلى الغرب؟
طرحت تصريحات رئيس الأركان السوداني مؤخرا حول مراجعة الاتفاقية العسكرية مع روسيا، تساؤلات عدة، حول توجه الخرطوم لضبط علاقاتها الخارجية.
فتصريحات الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين، بشأن مصير القاعدة الروسية على البحر الأحمر، كانت في جوانب منها صريحة، في رغبة السودان الخروج من سياسة المحاور، والانفتاح على دول الشرق والغرب، بما يضمن مصالح الخرطوم.
رئيس الأركان أعلن عزم السودان مراجعة اتفاقية التعاون العسكري التي أبرمها نظام الرئيس المعزول عمر البشير مع روسيا، في أول حديث للجيش عن هذا الملف.
ويتناغم تصريح قائد الجيش مع تأكيدات مسؤولين في الجناح المدني، خلال الأيام القليلة الماضية، حول توجه السلطة الانتقالية لاتخاذ قرار بتجميد القاعدة الروسية.
وفي مقابلة سابقة مع "العين الإخبارية"، قال وزير شؤون مجلس الوزراء السوداني خالد عمر، إن الحكومة أبلغت نظيرتها الروسية بعدم رغبتها في الاستمرار بتلك الاتفاقية.
إرضاء واشنطن
ولم تخرج خطوة السودان هذه، وفق خبراء، عن كونها توجه لإعادة ترتيب لعلاقات السودان الدولية؛ خصوصا مع الولايات المتحدة وبقية القوى الغربية بوجه عام.
وأوضح الخبراء أن انفراد روسيا بالحضور في منطقة استراتيجية والتمدد بسواحل البحر الأحمر، سيشكل مصدر قلق مستمرا لدى واشنطن والدول الأوروبية، وهو ما لا يرغب فيه "السودان الجديد" الساعي لتوازن علاقاته بجميع أطراف المجتمع الدولي.
هذا التحليل يتناغم مع إشارات الجانب الرسمي في الخرطوم؛ الذي يعزي خطوة مراجعة الاتفاقية مع روسيا، إلى رغبته في بحث المصالح والمكاسب التي سيحققها السودان من إنشاء مركز للدعم اللوجستي لموسكو في سواحل البحر الأحمر.
بل كان رئيس الأركان السوداني أكثر صراحة في هذا الاتجاه حين ذكر أن "بلاده سابقا كانت محصورة في التعاون العسكري مع دول روسيا والصين، لكن في الحقبة الحالية، وعقب رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب الأمريكية، يمكنها التعاون مع أمريكا ودول الغرب"، في تلويح إلى عزم الخرطوم الانفتاح على القطب الغربي.
تركة البشير
ويرى خبراء أن اتفاق التعاون العسكري الذي أبرمه البشير مع روسيا كان تركة ثقيلة على السلطة الانتقالية، التي سعت للتقارب مع أمريكا، لأجل الخروج من قوائم الدول الراعية للإرهاب، والحظر التجاري والاقتصادي الذي أضر بالبلاد كثيراً، وهو ما يدفعها الآن لمحاولة خلق نوع من التوازن لعبور تناقضات القوى الدولية.
لكن الخبير بشؤون القرن الأفريقي الدكتور حاج حمد محمد خير، يرى أن السودان أمام مهمة صعبة، في تحويل علاقاته العسكرية نحو الغرب وأمريكا؛ فهو يحتاج إلى قرن من الزمان لإكمال هذا الانتقال، حسب قوله.
وقال حاج حمد في حديثه لـ"العين الإخبارية" إن الجيش السوداني منذ العام 1957، ظل يتسلح من المحور الشرقي، فلديه أسطول بحري وأسلحة وذخائر روسية صينية، فحتى خططه وتدريباته العسكرية، مستمدة من موسكو، وذلك بسبب فرض أمريكا سابقا العقوبات على الخرطوم، ومحاصرة القيادات العسكرية في البلاد في عهد البشير.
"فلامنجو" الروسية
وفسر حاج حمد خطوة السودان تجاه اتفاقية التعاون العسكري مع روسيا، بأنها محاولة لتخفيف وامتصاص الضغط الأمريكي، لأن واقع الحال يشير إلى أن موسكو ماضية في إنشاء قاعدة "فلامنجو" على البحر الأحمر، وهناك العديد من السفن قد رست بالفعل بميناء بورتسودان وأن التوافد الروسي مستمر.
ويحصر الخبير علاقة السودان والولايات المتحدة برغبة واشنطن في استخدام الخرطوم كواحدة من أدواتها لمكافحة الإرهاب في المنطقة، في إطار صراع الأشواق بين أمريكا والدول الأوروبية القائم على خلق جبهات.
وأشار الخبير السوداني إلى أن أمريكا الآن تدفع ثمن قصور نظرتها الأمنية للخرطوم، مسشهدا بتأخر تعيين سفير لها حتى اللحظة في البلاد.
أفريكوم أولوية
وذهب حاج حمد إلى القول إن "واشنطن لا تسعى إلى وقف القاعدة الروسية على البحر الأحمر وإنما ترمي بهذه التحركات إلى الحفاظ على تواجد أفريكوم في الخرطوم".
وبالنسبة للخبير العسكري، الفريق خليل محمد الصادق فإنه ليس من السهل أن تتراجع الخرطوم وتقوم بإلغاء اتفاق التعاون مع روسيا فهذا سيكون له تأثيرات سالبة كبيرة على العلاقات الدولية والثنائية بين البلدين.
وأوضح الصادق في حديثٍ لـ"العين الإخبارية" أن أي اتفاق عسكري يكون قد بُنيت عليه استراتيجيات كبرى في المسائل العسكرية الهجومية والدفاعية، ومن الصعب إلغاؤه بالكامل، ولكن يمكن أن يُراجع ويضاف إليه ويحذف منه بما يحقق مصالح السودان.
ونبه الخبير العسكري إلى أن الانفتاح على أمريكا والتعاون معها، لا يمنع وجود قاعدة روسية على البحر الأحمر.
علاقات متوازنة
فمن الأفضل للسودان -حسب محمد الصادق- أن يمضي في علاقات خارجية متوازنة، دون التحيز إلى محور دولي بعينه؛ فسياسة المحاور لها تأثيرات كبرى وأضرار في كثير من الحالات.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، نشر موقع الحكومة الروسية وثيقة اتفاق أولية مع السودان لإنشاء قاعدة بحرية في البحر الأحمر، لتزويد أسطولها بالوقود.
وتنص الوثيقة الأولية على إنشاء "مركز دعم لوجستي" في السودان يمكن من خلاله تأمين "تصليحات وعمليات التزويد بالوقود واستراحة أفراد طواقم البحرية الروسية".
ويمكن أن تستقبل هذه القاعدة 300 عسكري وموظف مدني كحدّ أقصى، وأربع سفن، بما في ذلك مركبات تعمل بالطاقة النووية، وفق مشروع الاتفاق.
وكان مقررا أن يتم إنشاء القاعدة في الضاحية الشمالية لمدينة بورتسودان، بحسب الإحداثيات الجغرافية المذكورة في هذه الوثيقة المفصلة والمؤلفة من ثلاثين صفحة.
وسعت روسيا في السنوات الأخيرة لعودة جيوسياسية إلى أفريقيا، عبر السودان، خاصة في المجال العسكري، ومن خلال مشاريع في المجال النووي المدني.
ومنذ مايو/أيار 2019، يربط بين البلدين اتفاق تعاون عسكري مدّته سبع سنوات.
وفي أواخر يناير/كانون الثاني 2019، في خضم أزمة سياسية في السودان، اعترف الكرملين بأن مدربين روسًا يتواجدون "منذ بعض الوقت" إلى جانب القوات الحكومية السودانية.
وأثناء زيارة إلى روسيا أواخر العام 2017، طلب الرئيس السوداني المعزول من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "حماية" السودان من الولايات المتحدة، ودعا إلى تعزيز التعاون العسكري مع موسكو بهدف "إعادة تجهيز قواتها المسلحة".