رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.. مكاسب واشتراطات
رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب يٌعَد أولى الخطوات لبرنامج إسعافي اقتصادي عاجل للسودان الجديد
لم تكد تمضي سوى بضعة أيام على أداء عبدالله حمدوك اليمين الدستورية رئيسا للحكومة الانتقالية حتى أعلن عن بدء الاتصالات مع الإدارة الأمريكية لبحث إمكانية رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
واستطاعت حكومة حمدوك أن تحشد دعمًا إقليميًا ودوليًا واسع النطاق بغية حفز الولايات المتحدة على الإسراع بوتيرة إجراءات رفع السودان من قائمة الإرهاب. ولا أدل على ذلك من تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 30 سبتمبر/أيلول المنقضي، الذي أكَّد خلاله مواصلة دعوة الولايات المتحدة لرفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب كونها خطوة ضرورية على طريق إعادة هيكلة الديون السودانية، وجذب الاستثمارات الأجنبية فضلًا عن إعلان اعتزامه عقد مؤتمر دولي لجذب الاستثمارات للسودان الجديد.
مكاسب متحققة
جرى إدراج السودان على القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب خلال عهد الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في عام 1993، أي ما يناهز ربع القرن، لاستضافته زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، كما فرضت واشنطن مجموعة من العقوبات الاقتصادية على السودان بدءا من عام 1997. وقد استمرت هذه العقوبات قرابة عقديْن من الزمن، تمَّ بموجبها تجميد الأصول المالية السودانية، ومنع تصدير التكنولوجيا الأمريكية إلى السودان فضلًا عن إلزام المستثمرين الأمريكيين، شركات وأفرادا، بوقف سبل التعاون الاقتصادي مع السودان باعتباره يمثِّل مصدرًا لتهديد الأمن القومي للولايات المتحدة ولسياستها الخارجية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017 صدر قرار رفع العقوبات، وعزت الولايات المتحدة هذا القرار إلى الجهود السودانية الملموسة في مجالات عدة منها مكافحة الإرهاب وتحسين حالة حقوق الإنسان ومعالجة المخاوف الأمريكية المتعلقة بانتهاكها خصوصًا في إقليم دارفور وتعزيز وقف إطلاق النار في مناطق النزاع، لكن الولايات المتحدة أبقت على السودان مُدْرجًا على قائمة الإرهاب، ما قلَّل كثيرًا من التداعيات الإيجابية المترتبة على قرار رفع العقوبات؛ ولذا وضعت حكومة حمدوك رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ضمن أولويات سياستها الخارجية، وتدعمها في ذلك دول عربية وأجنبية عدة.
ولمعرفة المكاسب المتحققة حال رفع السودان من قائمة الإرهاب لا بد من إيضاح نقطتيْن غاية في الأهمية؛ أولاهما أبرز المؤشرات الاقتصادية التي تشير إلى تردي الوضع الاقتصادي السوداني الراهن، ثانيتهما: الإجابة عن تساؤل مهم ألا وهو: ماذا يعني إدراج دولة على قائمة الدول الراعية للإرهاب؟ ذلك لأن انتفاء عواقب ذلك الإجراء يعني مكاسب متحققة للجانب السوداني.
وفيما يتصل بالوضع الاقتصادي المتردي بالسودان يمكن تبيانه من مؤشرات عدة، أبرزها معدل التضخم؛ إذ أعلن الجهاز المركزي للإحصاء في السودان ارتفاع معدل التضخم إلى 53.13% خلال شهر أغسطس/آب الماضي مقارنةً بنسبة 52.59% في يوليو/تموز الماضي. ولا تزال أزمة ارتفاع أسعار الخبز، التي كانت الشرارة التي أفضت لاندلاع الثورة الشعبية، والمحروقات والسلع الاستهلاكية الرئيسية مهيمنة على المشهد الاقتصادي السوداني، ناهيك بأزمة الديون الخارجية السودانية التي تراكمت على مدار العقود الماضية، إذ بلغ حجم دين السودان الخارجي نحو 58 مليار دولار، بينما يتراوح أصل الدين من 17 إلى 18 مليار دولار فقط والمتبقي من هذا الرقم هو عبارة عن فوائد وجزاءات أصبحت تساوي ما يربو على ثلاثة أضعاف المبلغ الأصلي، إذ تعثَّر السودان في سداد ديونه الخارجية لتبدأ عملية تراكم تلك الديون منذ عام 1958.
وفي معرض الإجابة عن التساؤل المطروح بشأن الإجراءات المترتبة على إدراج السودان على قائمة الإرهاب نلقي الضوء على أبرز مثل هذه الإجراءات، التي يأتي في مقدمتها حظر المساعدات الاقتصادية الأمريكية، ومعارضة الولايات المتحدة لأي قرض يُمْنح للسودان من قِبل البنك الدولي وغيره من المؤسسات المالية الدولية، بالإضافة إلى حرمان السودان من أي معاملة تجارية تفضيلية أو أي إعفاءات جمركية للواردات السودانية وحرمان المستثمرين الأمريكيين في السودان، شركات وأفرادا، من أي إعفاءات ضريبية.
وبالتالي، هناك جملة من المكاسب يُتَوقَّع تحقيقها حال رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لعل من بينها تدفُّق الاستثمارات والمساعدات الأمريكية فضلًا عن القروض من قِبل المؤسسات المالية الدولية، بالإضافة إلى إنعاش القطاعات الاقتصادية المتمثِّلة في الزراعة والصناعة والتعدين والتجارة وكذا الخطوط الجوية السودانية Sudan Airways والخطوط البحرية والنقل النهري بتوفير التمويل وتصدير التقنيات التكنولوجية. وكلها أمور تصب في صالح تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية الراهنة التي يعانيها السودان .
اشتراطات أمريكية
شهد نوفمبر/تشرين الثاني لعام 2018 تفاهمات في واشنطن بين الجانبيْن السوداني والأمريكي بغية حفز الإدارة الأمريكية لرفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وتمثَّلت أبرز مخرجات تلك التفاهمات في إصدار بيان أوضح نية واشنطن رفع السودان من قائمة الإرهاب، شريطة تحقيق تقدم ملموس في ستة ملفات رئيسية ألا وهي: مكافحة الإرهاب، وتعزيز حماية حقوق الإنسان وممارساتها بما في ذلك حرية الدين والصحافة، وتحسين وصول المساعدات الإنسانية، ووقف الأعمال العدائية الداخلية، وخلق بيئة أكثر ملاءمة للتقدم في عملية السلام في السودان، واتخاذ خطوات لمعالجة بعض الأعمال الإرهابية البارزة، والالتزام بقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في شأن كوريا الشمالية. وانتهى البيان إلى القول بأنَّ الولايات المتحدة مستعدة للبدء في إجراءات شطب السودان من القائمة حال وفاء الدولة بالمعايير المتعارف عليها في المجالات الستة سالفة الذكر، وإحراز تقدم في معالجتها.
وعقب الإطاحة بنظام البشير في أبريل/نيسان المنقضي، تناقلت وكالة رويترز تصريحات نُسِبت إلى أحد المسؤولين بوزارة الخارجية الأمريكية، والتي تمحورت حول نية واشنطن رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وأفادت هذه التصريحات بأنَّ قرار الولايات المتحدة رفع السودان من قائمة الإرهاب مرتهن بتغيير جوهري في قيادة وسياسات الدولة السودانية وتسليم المجلس العسكري الانتقالي السلطة إلى المدنيين. فإذا أبدى السودان احتراما لإرادة الشعب وتداولا سلميا للسلطة ستنظر واشنطن في قرار الرفع من قائمة الإرهاب. وإبان زيارة وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية ديفيد هيل للعاصمة السودانية الخرطوم في 7 أغسطس/آب الماضي، أكد أن واشنطن ترهن رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بالتحوُّل إلى حكومة مدنية والاستجابة إلى المطالب الأمريكية المتعلقة بمكافحة الإرهاب وحماية واحترام حقوق الإنسان.
ورغم أن اشتراط تسليم السلطة إلى المدنيين قد تحقَّق بأداء عبدالله حمدوك اليمين الدستورية لرئاسة الحكومة الانتقالية في 21 أغسطس/آب الماضي، أضف إلى ذلك تعُّهدات حمدوك بحماية حرية الصحفيين، وتأكيده على ألا يتعرض أي صحفي في السودان الجديد للقمع أو السجن، بالإضافة إلى تأكيدات حمدوك أن غاية حكومته تتمحور حول إجراء انتخابات حرة ونزيهة وتسليم السلطة إلى حكومة منتخبة بعد نهاية المرحلة الانتقالية، بالإضافة إلى ذلك، وقَّع السودان ممثَّلًا في وزيرة الخارجية أسماء محمد عبدالله والمفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليت في 25 سبتمبر/أيلول الماضي اتفاقية تقضي بتأسيس مكتب للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بالخرطوم؛ فإن كلها خطوات محمودة تُظْهِر حرص الحكومة المدنية على حماية حقوق وحريات المواطنين وتعزيزها.
بيْدَ أن هذه الخطوات بالإضافة إلى الدعم الدولي لم تفلح في دفع واشنطن لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، إذ صرَّح وزير المالية السوداني إبراهيم البدوي في مؤتمر صحفي في 24 سبتمبر/أيلول الماضي بأن الإدارة الأمريكية قد أبلغت حكومته بصعوبة اتخاذ إجراءات إيجابية بشأن رفع السودان من قائمة الإرهاب في الوقت الحالي، ذلك لأن ثمة تعقيدات مرتبطة بهذا الملف، وأبرزها عرضه ومناقشته في الكونجرس قبيْل اتخاذ إدارة ترامب قرارًا حاسمًا في هذا الصدد. وهذه الإجراءات قد تحتاج إلى مدى زمني يمتد من 9 أشهر إلى عام. ولم يتضح من هذا الموقف الأمريكي أي اشتراطات جديدة قد باتت تفرضها واشنطن على السودان مقابل رفعه من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وختامًا، يرتئي البعض أنَّ تأخر الولايات المتحدة فيما يتصل برفع السودان من قائمة الإرهاب، رغم المساندة الإقليمية والدولية، قد يكون مرتبطًا باشتراطات أخرى "غير معلنة" لعل من بينها التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية وتسليم المطلوبين، وإلغاء بعض القوانين والمواد، مثل قانون حد الردة وقانون الزي الفاضح وغيرهما.
وأخيرًا بقي التأكيد على أنَّ رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب يٌعَد أولى الخطوات لبرنامج إسعافي اقتصادي عاجل للسودان الجديد، لكن لا بد أن تكون هناك إجراءات جادة تستهدف التعاطي بفاعلية مع المشكلات والأزمات الهيكلية التي يعاني منها السودان، والتي لا تكفي لعلاجها قروض أو منح ومساعدات خارجية .
aXA6IDE4LjIyMy4yMTAuMjQ5IA== جزيرة ام اند امز