نساء سودانيات على خط النار.. دفاع عن النفس أم عسكرة إخوانية للنواعم؟
داخل ساحة مدرسية في ولاية بورتسودان، حيث كان الأطفال يدرسون ويلعبون، تحول الفناء والفصول إلى موقع تدريب قتالي للنساء والفتيات.
ففي قلب مدينة بورتسودان، المدينة التي كانت لفترة طويلة بوتقة للصراع والقدرة على الصمود، يحدث التحول في مسار الحرب، ما كان ذات يوم ساحة مدرسة مزدحمة، مليئة بضحكات الأطفال وأجراس الحصص الدراسية، أصبح الآن يردد صدى أقدام النساء والفتيات السودانيات.
في معسكر التدريب في بورتسودان، واحد من عديد المعسكرات التي أقيمت في جميع أنحاء السودان، بعد أن دعا قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، المدنيين إلى حمل السلاح، للاستنفار والتصدي لقواتِ الدعمِ السريع، يقوم ضباط الجيش بتعليم النساء التدريبات وكيفية استخدام الأسلحة مثل بنادق AK-47 الهجومية.
تقول بعض النسوة، ممن التقتهن شبكة "سكاي" البريطانية، إنهن هنا من منطلق الولاء لأبنائهن وآبائهن وأعمامهن وإخوانهن المجندين الذين تم نشرهم في جميع أنحاء البلاد، للقتال ضد قوات الدعم السريع، في الحرب المتواصلة منذ منتصف أبريل/نيسان العام الماضي.
وفي يونيو/حزيران الماضي، أعلن البرهان التعبئة العامة والاستنفار، ودعا الشباب القادرين على حمل السلاح إلى التوجه إلى أقرب وحدة عسكرية.
دعوات استنفار، حذر منها قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) في كلمة متلفزة سابقة، مؤكدا أن "قواته مصممة وقادرة على ملاحقة الانقلابيين المستنفرين الذين يدقون طبول الحرب".
وأضاف "عليهم التوقف عن الاستنفار والقتال وتدمير البلاد والتمهيد لإنهاء الحرب وبدء العملية السياسية".
وفي حديث سابق مع "العين الإخبارية" رأى الكاتب والمحلل السياسي الطيب زين العابدين أن "خطاب البرهان بشأن تسليح المواطنين، أمر خطير للغاية، وسيمزق البلاد إلى أشلاء، خاصة أن البلاد هشة وعاشت حروبا مستمرة في دارفور (غرب) وجنوب كردفان (جنوب) والنيل الأزرق (جنوب شرق)".
ووصف زين العابدين السودان بأنه "عبارة عن قنبلة موقوتة، والتسليح العشوائي من أجل قتال قوات الدعم السريع يعني الحريق الشامل".
أما الكاتب والمحلل السياسي محمد لطيف فاعتبر وقتها أن "الجيش السوداني ليس لديه خطة ورؤية واضحة، لتحرير المناطق الواسعة التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع، ليطالب الشعب السوداني بمساندته ودعمه فيما سماها معركة الكرامة".
وأوضح لطيف في تسجيل صوتي نشره عبر منصات التواصل الاجتماعي، في ذلك الوقت، أن "التحشيد والحديث عن المقاومة الشعبية وتوزيع السلاح وتصعيد لغة الحرب وخطاب الكراهية، يعني صب الزيت على النار المشتعلة".
شبح الإخوان
وبينما يحملن بنادقهن الرشاشة تتبادر إلى الأذهان صورة "الأخوات نسيبة"، وهي أول كتيبة سودانية مقاتلة تشكلت في عام 1990 من قبل الحزب الإسلامي الحاكم السابق بقيادة عمر البشير، بعد نحو عام فقط من انقلابه، الذي أنهى سنوات الديمقراطية الأربع التي أعقبت ثورة 1985.
واقتصرت مهام تلك الكتيبة على دعم الجيش خلال الحرب الأهلية ضد جنوب السودان، والتي مزقت البلاد في نهاية المطاف إلى قسمين.
وتم استحضار اسم "الأخوات نسيبة" عند افتتاح أول معسكر تدريبي للنساء والفتيات بولاية نهر النيل في أغسطس/آب الماضي.
إذ تم إنشاء المخيم من قبل جمعية الكرامة -التي تأسست بعد الحرب بتمويل حكومي- وتم ربطها ببقايا الإسلاميين من نظام عمر البشير، بحسب ما جاء في تقرير شبكة "سكاي" البريطانية.
وقد أثار هذا الانتماء مخاوف من أن تكون المعسكرات أرضا خصبة لتطرف النساء المصابات بصدمات نفسية.
تقول الصحفية ذكرى محيي الدين، التي تبحث في هذه الظاهرة منذ افتتاح المعسكر الأول العام الماضي: "على الرغم من الانتقادات والمخاوف المستمرة حول هذه المعسكرات التدريبية فإن عدد النساء المنضمات إليها يتزايد بسرعة".
وتشير أحدث البيانات إلى أن عدد المجندات يزيد على 5000، ويعتقد مراقبون أن تزايد حوادث الانتهاكات ضد المرأة في هذه الحرب يرتبط ارتباطا وثيقا بارتفاع عدد المجندات، خاصة بين النساء النازحات.
غضبة من عسكرة النساء
ولكن حتى مع انضمام المزيد من المدنيين إلى التدريب على السلاح، تواصل الجماعات النسوية شجب عسكرة النساء المستضعفات.
خديجة، متطوعة وناشطة تبلغ من العمر 23 عاما، ترفض بشكل أساسي الدولة العسكرية، سواء كان الجيش أم قوات الدعم السريع.
وتقول: "إنهم يشعرون أن هذا يمكن أن يكون شبكة أمان لهم والخيار الوحيد الذي يمكن أن ينقذهم من ظروف البلاد".
"أنا شخصياً لا أعتقد أن هذا هو الحل الوحيد أو الشيء الذي يمكن أن يوفر الأمان الكامل" تضيف خديجة.
وتدخل الحرب في السودان شهرها الـ11، وسط أزمة إنسانية متفاقمة في ظل ارتفاع أعداد القتلى، وكذلك النازحين الذين قاربوا على الـ10 ملايين.