بعد اندلاع الأزمة السودانية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي لعبت أدوارا عدة خلال فترة حكومة عمر البشير والحكومة الأخيرة التي يقودها المجلس السيادي، تطورت الأحداث لتصل إلى مراحل تدمير البلاد وتشريد العباد.
مراحل أدخلت السودان في تحدٍ كبير، لم يشاهد من قبل حتى في أحلك الأوقات، وصارت الأزمة الأكثر صعوبة في المنطقة بعد الحرب الإثيوبية-الإثيوبية.
إلا أنه خلال الأيام الماضية انطلقت قمم ومؤتمرات ولقاءات عدة لبحث الأزمة السودانية، وكيفية وضع حلول لها في ظل تفاقم الأوضاع بصورة سريعة يوما بعد الآخر، فكانت قمة الإيغاد الرباعية، التي استضافتها العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، والتي بدلا من أن تقدم حلولا خلقت فجوة كبيرة بين قيادات الإيغاد والحكومة السودانية، بسبب مطالب الأخيرة بإبعاد رئيس كينيا وليم روتو عن رئاسة الإيغاد.
طلب لم يجد قبولا أو حتى مناقشة مثمرة مع الطرف الحكومي الذي اعتبر مواقف الرئيس الكيني منحازة لقوات الدعم السريع، مما أدى إلى فشل القمة التي لم تقدم سوى مطالب ودعوات وآليات لم تجد قبولا لدى الأطراف السودانية.
وانتقد الوفد الحكومي تصريحات عدة لمسؤولين شاركوا فيها، مثل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الذي وصف حديثه بـ"غير المقبول"، خاصة فيما يخص الفراغ القيادي، ونشر قوات تتبع للواء شرق أفريقيا "مقره إثيوبيا".
أوضاع جعلت من قمة "الإيغاد" تحصيل حاصل دون أن تقدم أي خطوة، بل عملت على زيادة الخلاف بين الإيغاد والوفد الحكومي، الذي كسب تأييدا كبيرا داخليا في السودان، بعد هذه القمة.
وكان عدم مشاركة مسؤولين آخرين مثل رئيسي جنوب السودان وجيبوتي رئيس الدورة الحالية، والاكتفاء بإرسال ممثلين لهم فقط يوضح من أول وهلة أن هناك تحدياً وعدم التزام وجدية لمناقشة الأزمة السودانية والبحث عن حلول لها.
ومن أديس أبابا إلى العاصمة المصرية القاهرة، وقمة دول جوار السودان، التي اختلفت عن سابقتها "الإيغاد"، فهي أوضحت اتفاق الأطراف المشاركة حول العديد من الأطروحات والأجندات والمطالب، والتي تقبلها الطرفان المتحاربان في السودان، وخير دليل على ذلك ما صدر من بيانات عقب اختتام القمة، مما أكد أن هنالك ارتياحا كبيرا حول مخرجاتها، والتي قد تجد قبولا خلال الأيام المقبلة بصورة كبيرة، لدى بعض الأطراف الإقليمية والدولية.
ربما قد يكون للقاهرة دور قادم في استضافة لقاءات أخرى، وهو الشيء الذي فشلت فيه أديس أبابا وجيبوتي، فكانت نتيجة أغلب التحركات ابتعاد طرفي الصراع عن تلك العواصم.
عملت قمة القاهرة على جمع أطراف متعددة كانت يتوقع الجميع أن هنالك خلافات بينهما، مما يعد إنجازاً كبيراً، خاصة اللقاءات الجانبية التي جاءت على هامشها، مثل لقاء رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وتخطي العديد من العقبات فيما يخص بعض الملفات، والاتفاق على استئناف مفاوضات سد النهضة، بالإضافة إلى لقاء آبي أحمد بالرئيس الإريتري أسياس أفورقي، والذي أسكت جهات عدة وفند أي خلاف بين الطرفين.
نستطيع أن نقول إن قمة القاهرة إضافة إلى ما قدمته من مناقشة معمقة للأزمة السودانية، خلقت تقارباً بين أطراف أخرى في ملفات عديدة تهم المنطقة.
ليس هذا فحسب بل إنها ساعدت على وضع مخرجات قد تكون داعمة كبيرة لفرص السلام والاستقرار في السودان، وتبريد الأزمة السودانية، وقد نشاهد تحركات تلك الدول التي شاركت في القمة من خلال دعوة لعقد لقاءات بين ممثلي طرفي الصراع في الأزمة السودانية في أقرب وقت.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة