كثيرة هي النقاشات التي تحدثت عن الحضور الهندي الدولي حتى إن بعض تلك النقاشات أكدت أن الهند في طريقها لتكون إحدى الدول العظمى في العالم خلال فترة ليست طويلة..
يدعمها في ذلك مقومات موضوعية منها النمو الاقتصادي والوجود الهندي في المنظمات الإقليمية والدولية.
واللافت في هذا الحضور الدولي أن الهند، الثابت في المتحولات الاستراتيجية العالمية، على علاقة مع كل المتنافسين على النفوذ العالمي، بما فيها الصين (العدو التقليدي لها) فهما تشتركان في منظمة "بريكس" ومنظمة شنغهاي. وفي هذا الحضور يمكن تسجيل ملاحظة مهمة أن دولة الإمارات كانت من أولى الدول التي استشعرت مبكراً ذلك الصعود الهندي، فبادرت إلى تعميق علاقاتها مع الهند وتطوير شراكات واسعة وتأسيس مجالات كثيرة للتعاون بمختلف الأشكال.
وقد لقيت تلك المبادرة الإماراتية استجابة فعالة منحت العلاقات بين البلدين قوة وحيوية. وبصفة خاصة بعد النقلة النوعية التي شهدتها السياسة الخارجية الهندية مع تولي رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في عام 2014، حيث مثلت زيارته الأولى للدولة عام 2015 انطلاقة كبيرة نحو تعزيز العلاقات وترسيخها وتوسيع نطاقها لتشمل كل المجالات. وسرعان ما ظهرت ثمار تلك الانطلاقة بتوقيع اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة بين البلدين، خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي للدولة في أغسطس/آب 2017.
أما الجديد في الشراكة أنه تم خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي للدولة، السبت الماضي، الاتفاق بين الدولتين على تسوية المعاملات المالية الثنائية بينهما بالروبية الهندية بدلاً من الدولار الأمريكي. وهو ما يؤسس لنقلة نوعية في العلاقات الاقتصادية وبالتبعية في مجمل العلاقات الثنائية، سواءً الاقتصادية أو في مجالات أخرى مثل السياحة وتحويلات العاملين وغير ذلك من الأوجه ذات الصلة.
في الحقيقة أن التقدير لحجم دور الهند القادم في النظام الدولي يعكس إدراك الدبلوماسية الإماراتية المبكر لأهمية الهند كدولة كبيرة قادمة.
وما يؤكد صحة الرؤية الإماراتية، أن دولاً كثيرة في العالم بدأت تولي للهند ما تستحقه من اهتمام، بما فيها دول كبرى في العالم مثل فرنسا الآخذة في التوجه نحو الهند بقوة وسرعة في مختلف المجالات، بما فيها التعاون العسكري والتسليحي خصوصاً، حيث حرصت باريس على تنمية صادراتها من الأسلحة إلى الهند، حتى صارت بالفعل ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى الهند بعد روسيا.
وفرنسا ليست وحدها التي أدركت أهمية ومحورية الهند في المشهد العالمي الراهن، وتوجد أسباب متعددة لاهتمام كثير من الدول بتوطيد علاقاتها مع الهند، منها على سبيل المثال رغبة بعض الدول مثل مصر وإيران في الانضمام إلى تجمع "بريكس" الذي يكاد يكون نواة ربما يتشكل حولها نظام عالمي جديد.
وتمثل الهند حجر زاوية من هذا المنظور، فبخلاف عضويتها في هذا التكتل الواعد "بريكس"، تقدم الهند نموذجاً للدولة القوية غير المنحازة بشكل مطلق لأي من القوى العظمى في العالم، التي تحافظ على علاقات متوازنة وسياسات محسوبة بدقة في مختلف الاتجاهات العالمية والإقليمية، سواء في منطقتها أو في المناطق الأخرى بالعالم.
في المقابل، أمام الهند مثل أي دولة في العالم، تحديات واستحقاقات داخلية وخارجية تستقطب من مواردها وجهودها، غير أن تلك الدولة الكبيرة التي توشك على حمل لقب "قوة عظمى" تدرك أبعاد التحديات وأهمية التعاطي معها بواقعية، خاصة ما يتعلق منها بالداخل، فالهند التي تجاوزت الصين وأصبحت الأكثر سكاناً على مستوى العالم، لا تزال تحتاج إلى إجراءات لتأكيد العلمانية التي وحدت الهند عند استقلالها عام 1947، وهو ما يتطلب بالضرورة تعزيز المواطنة والاندماج المجتمعي وتثبيت ضمانات للمساواة وتشجيع التسامح بين طوائف المجتمع الهندي شديد التنوع دينياً وعرقياً ولغوياً.
كما أن اللامركزية السياسية التي تطبقها الهند، بحاجة إلى مظلة رقابية مركزية تقلل فرص الفساد والمعايير غير الموضوعية في الدوائر الحكومية وإدارة الأنشطة والسياسات المحلية.
إن العمل بجدية على هذه الجوانب من شأنه أن يعزز مصادر القوة الشاملة للهند ويجعل وضعية الهند كقوة عظمى أقرب وأسرع من المتوقع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة