يرى بعض المراقبين أن زيارات صاحب السمو رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حفظه الله إلى روسيا يمكن أن تثير حفيظة العواصم الغربية، التي تسعى لعزل موسكو دولياً.
إلا أن دولة الإمارات تدرك تماماً أن هذه التحركات هي جزء من "مخاطرة محسوبة" وهي على استعداد لتحملها باعتبارها ضرورة لتطبيق نهج خفض التوتر والبحث عن مخارج من الأزمة الأوكرانية والحد من الاستقطاب السائد في العلاقات الدولية.
وفي ذلك كان الدكتور أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس دولة الإمارات قد قال: "يجب كسر هذا الاستقطاب"، وأضاف: "يلتقي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات بالكثير من القادة الغربيين، ومن المهم أيضا أن يسمع من الرئيس بوتين، ليكون قادرا على دعم الجهود الجماعية للمجتمع الدولي، من أجل تجاوز الاستقطاب الحالي"، وتابع: "نحاول أن نسمع كل الأطراف"، ووصف قرقاش زيارة رئيس دولة الإمارات لروسيا بأنها جزء من تلك السياسة "مخاطر إيجابية محسوبة" لضمان بقاء القنوات مفتوحة مع الرئيس بوتين.
ورغم أن البعض يرى أن دولة الإمارات لا تستطيع لعب دور فاعل في تسوية الأزمة الأوكرانية، إلا هذا الاستنتاج أو التصور بعيد تماماً عن واقع الأمور لاعتبارات وحسابات عدة؛ أهمها أن الأزمة لا تحتاج لتدخلات قوى كبرى بقدر ما تحتاج إلى وسطاء محايدين يمتلكون علاقات قوية مع الأطراف جميعها، ويحظون بالقبول من الجميع، وفي الوقت ذاته يمتلكون نوايا جادة وإرادة قوية وعزيمة لا تلين للبحث عن السلام والاستقرار، فضلاً عن توافر خبرات دبلوماسية متراكمة تتيح لهم رأب الفجوات وبناء الجسور وطرح الحلول والتسويات التي تحفظ ماء وجه، وهذه الشروط والمواصفات تحديداً لا تكاد تتوافر في التوقيت والظروف الراهنة سوى في قادة معدودين عالمياً، في مقدمتهم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات -حفظه الله- الذي يمتلك موروثاً كبيراً من الخبرات الدبلوماسية والسياسية وتسوية الصراعات والنزاعات مدعومة برصيد هائل من علاقات الصداقة القوية مع رؤساء وزعماء العالم شرقاً وغرباً، وهو ما تحتاجه هذه الأزمة المعقدة في هذا التوقيت تحديداً.
فالأمور تصاعدت وازدادت تعقيداً وسخونة لدرجة التهديد باستخدام السلاح النووي، الأمر الذي يحتاج إلى قائد عالمي حقيقي يمتلك من الحكمة، والحياد والقناعة بخطورة الأزمة الأوكرانية، ما يدفعه إلى بذل جهود مخلصة وصادقة ومتواصلة لتبريد الأجواء، وطرح مقترحات ونقل الرسائل عبر قنوات دبلوماسية متعارف عليها من أجل الاسهام الجاد في البحث عن مخارج، لاسيما أن الأزمة لم تعد تتحمل الحسابات الصفرية التي يراهن عليها البعض في الغرب، بل تتطلب البحث عن مخارج تحفظ ماء وجه الجميع وتتضمن تنازلات من الأطراف جميعها لإنقاذ اقتصادات العالم وشعوبه من المعاناة المتزايدة جراء استمرار هذه الحرب التي يصعب بناء توقعات متماسكة بشأن مالآتها في ظل التصعيد الراهن المتبادل.
ومن الضروري التأكيد هنا على أن أدوار الوساطة في مثل هذه الأزمات المعقدة لا تنتهي بزيارة أو اثنتين بل تستغرق وقتاً طويلاً يتم فيها التباحث والمناقشات عبر قنوات دبلوماسية مباشرة وغير مباشرة، ويقوم فيها الوسيط بالتشاور مع وسطاء آخرين ومناقشة البدائل والحلول والمقترحات مع الأطراف المعنية كافة.
وبالتالي فإنه من المتصور أن تبدأ جهود الوساطة في مثل هذه الظروف بتبريد الأجواء وتهيئة الظروف للنقاشات والبحث عن حلول ومخارج من الأزمة، ويلي ذلك مراحل تالية وهكذا، كون الوضع معقداً بدرجة تحتاج إلى جهود وطاقات دبلوماسية كبيرة لبناء المشتركات والتوصل إلى ما يمكن البناء عليه في مراحل لاحقة.
لاشك أن الأزمة الأوكرانية بما تتسم به من تعقيدات تحتاج إلى وسطاء يتمتعون بسمات خاصة، كالتي تمتلكها الدبلوماسية الإماراتية الفاعلة والهادئة في آن معاً، وهو مايفسر تصريح الرئيس بوتين خلال مؤتمر صحفي عقب قمة "رابطة الدول المستقلة" في كازاخستان، بقوله إنه "منفتح" على المفاوضات مع كييف وعلى وساطة دول مثل الإمارات العربية المتحدة، وهذا الحديث المهم يعني قبول روسياً صريحاً بدور إماراتي للبحث عن حلول.
ودعا الرئيس بوتين، صاحب السمو رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لاستخدام نفوذه من أجل التحرك نحو تسوية الوضع في أوكرانيا، وهذا الأمر يعكس تقدير روسيا للدبلوماسية الإماراتية، وشخص رئيس دولة الإمارات -حفظه الله- وما يتمتع به من حكمة وبعد نظر وقبول من جميع الأطراف، بما يؤهله للقيام بدور وساطة مؤثر في أزمة باتت من التعقيد والتداخل بحيث تحتاج إلى تضافر جهود حكماء العالم جميعهم من أجل إيجاد مخرج آمن يحول دون تحقق السيناريوهات المتشائمة التي تنذر بدمار عالمي. ولا شك أن الوساطة الإماراتية ترتكز ليس فقط على علاقات الصداقة والتعاون القوية بين دولة الإمارات وروسيا الاتحادية، لكن أيضاً على العلاقات الشخصية القوية بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات والرئيس فلاديمير بوتين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة