الإخوان لا يؤمنون بالوطن وكثيرًا ما يُناصبونه العداء ويستقوون عليه بالخارج؛ يعتبرون التنظيم بديل الوطن فيصرفون ولاءات الأتباع إليه.
حدود الوطن عندهم تتلاشى أمام تكليفات الأمير أو مرشد التنظيم، وهنا تفرض الجماعة عزلة إجبارية على أعضائها حتى يُصبح ولاؤهم لها دون الوطن.
فالتنظيم يفرض قوانينه على الأتباع والحواريين ويلزمهم بها، ويبقى الأمير أو النقيب أو المرشد، بمثابة ولي الأمر المطاع، وتبقى مصلحة الجماعة هي الهدف الذي يعمل من أجله الأعضاء ويهيئهم التنظيم لها حتى ولو تعارضت مع مصلحة الوطن وكثيرًا ما يكون، وهنا تبدو سيطرته على هؤلاء الأتباع على حساب الوطن.
من وقت انضمام العضو للتنظيم يتم خلق بيئة بديلة له تُعوضه عن تلك التي كان يعيش فيها، ويُعوض بوطن آخر لكن داخل التنظيم! حيث يتم اختيار زوجة له من داخل التنظيم بحيث تكون مؤمنة بنفس أفكاره، وتُصرف له إعانات مادية، وتُقدم له خدمات عينية ومعنوية، والهدف هو ربط انتماء العضو بالتنظيم، وتدريجيًا يفك التنظيم أي روابط تجمع هؤلاء الأعضاء بأوطانهم.
التنظيم الذي يتفاعل مع أعضائه المحتملين بهذه الصورة ينفق الأموال على الفقراء والمساكين وذوي الحاجة وربما الأرامل والمطلقات ليس بهدف الرعاية الاجتماعية، لكن حتى يكون ولاء هؤلاء للتنظيم لا للوطن؛ صورة هدفها نزع ولاءات الشارع لصالحهم، لكن من خلال الاحتياج المادي أو توظيف هذا الاحتياج لصالح التنظيم على حساب الوطن.
يُربي التنظيم أتباعه في سن الزهور على أن الطاعة للأمير داخل التنظيم وليس لولي الأمر داخل البيت ولا حتى للحاكم؛ وهنا يتم تنظيم رحلات خلوية هدفها زرع القيم التنظيمية المشار إليها في النشء الصغير، وفك العلاقة بين العضو ومجتمعه حتى يُصبح ولاؤه الكامل للتنظيم، ويتم استبدال المشاعر الإيجابية تجاه الوطن بأخرى سلبية.
تتم تربية عضو التنظيم منذ نعومة أظفاره على كراهية الوطن؛ من خلال برامج تربوية تأخذ وقتًا طويلًا ويتم ذلك بشكل تدريجي، يستخدم فيها الرحلة والمحاضرة والكتيبة، وهي وسائل الإخوان نحو التربية الروحية والتنظيمية؛ هذه الحالة تنطبق أيضًا على الإخوان الذين يعيشون في مجتمعات أوروبية، يستفيدون من العيش فيها، لكنهم يكفرون بها ويُعلمون أتباعهم ذلك، وهي بالتبعية تنطبق على الإخوان الذين يعيشون في مجتمعات عربية؛ فكلاهما يجتمع على خصومة الوطن.
كراهية الإخوان لأوطانهم ليست حالة استثنائية؛ وموقف التنظيم المنحاز دائماً لإسقاط الأنظمة السياسية لم يكن سببه خلافاً سياسياً دفع التنظيم لهذا السلوك، لكنه مبني على نظام التربية السياسية داخل التنظيم؛ فالمفرخة التي يخرج منها الإخوان يتم فيها تخليق ثقافة الكراهية والعداء للدولة الوطنية؛ فلا يمكن للعضو أن يكون عضوًا عاملًا منتميًا ومنتسبًا للتنظيم إلا إذا توافرت فيه شروط عدة؛ منها كراهية الوطن!
لعل هذه الحالة ترجمها مرشد الإخوان الأسبق محمد مهدي عاكف، الذي قال في تصريح سابق: إن المسلم الماليزي أفضل من غير المسلم المصري، وهنا يرى التنظيم الوطن بعيون عنصرية ويقدم المسلم أو عضو التنظيم حتى ولو كان أجنبيًا على أبناء وطنه؛ فهم لا يؤمنون بالوطن ولا يعتدّون بحقوق المواطنة.
هدف الإخوان قلب نظام الحكم في أي دولة؛ ابتعدوا عن فكرة الإحياء الروحي للأتباع وركزوا على فكرة الوصول للسلطة من خلال تشويه أي سلطة قائمة مع التخطيط لإسقاطها، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تربية الأتباع على كراهية الوطن، والخلط بين مفهوم الوطن ووجوب الانتماء إليه وبين النظام السياسي ومعارضته، وهذه الكراهية موزعة بالتساوي بين الوطن ونظام الحكم فيه.
يتعاون الإخوان في الدول التي يوجدون فيها مع نظرائهم في الدول الأخرى على هدف إسقاط الدولة التي يعيشون فيها من خلال نشر الفوضى، وكأن هذه هي "التيمة" التي تميز التنظيم والشارة التي يُعرفون بها؛ وهنا تبدو خطورة الإخوان على مفهوم الدولة الوطنية القوية المستقرة، التي يتمتع فيها المواطنون بكامل الحقوق بعيدًا عن الجنس أو الدين.
من مظاهر هذا التنسيق على سبيل المثال، أعضاء التنظيم الذين سافروا إلى دول أوروبية استفادوا من العمل فيها وفتحت لهم جامعاتها وأكلوا وشربوا من خيراتها ووفرت لهم الرعاية الصحية والاجتماعية والحماية أيضًا، ورغم ذلك كفروا بها أو كفّروا مواطنيها الأصليين عندما وجدوا وطنًا بديلًا، ليس ذلك فقط، ولكنهم حرضوا ضد هذه البلدان التي عاشوا فيها.
هناك تصريح شهير لمرشد الإخوان السابع محمد مهدي عاكف، في عام 2006، قال فيه: "طز في مصر.. وأبو مصر.. واللي في مصر"؛ هذا التصريح لم يكن سقطة ولم تعتذر عنه الجماعة، لكن كان يُعبر عن نظرة الجماعة للوطن، نظرة تحمل كل معاني الاحتقار والدونية، صحيح أن التصريح قديم، لكنه يُعبر عن حال التنظيم في كل زمان ومكان.
الجماعة لم تعتذر عن التصريح، لكنها دافعت عنه وكالت اتهامات ضد الصحيفة التي نشرته والصحفي الذي كتبه وفق تسجيل صوتي على خلفية حوار أجراه مع المرشد في مكتبه قبل 17 عاماً من الآن، ما يُدلل على نظرة التنظيم المتدنية للوطن.
قد لا تُدرك بعض الدول خطورة الإخوان، وقد تستخدمهم حكومات أخرى على اعتبار أنهم أكبر تنظيم متمرد في المنطقة والعالم، لكن كل هؤلاء أخطأوا في حق أوطانهم والعالم، لأن الإخوان يمثلون خطرًا حقيقيًا ينتقل من دولة لأخرى ويُهدد كل الأنظمة السياسية والبلدان التي ينتقلون إليها، لذلك من الواجب الاتفاق على مواجهته وفق آليات تتواءم مع حجم خطره.
الإخوان يُهددون الحياة بمواقفهم ضد أوطانهم، وهذا سبب عدائهم مع السياسيين والوطنيين وقادة الرأي؛ فالجماعة التي تعيش في قوقعة التنظيم تُهدد بقاء الدولة، التي لا يؤمنون بها بطبيعة الحال، لذلك من المهم قراءة التنظيم قراءة دقيقة وتوحيد جهود مواجهته مع كل من يؤمن بوجوب حب الوطن وضرورة بذل الغالي والنفيس من أجله.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة