الأهمية التاريخية لموقف القوات المسلحة السودانية في أنها فوّتت الفرصة على ما كان البشير يعد العدة له بالتصدي ببطش القوة للاعتصامات
بداية علينا توجيه تحية التقدير والإعزاز لأشقائنا السودانيين الذين أدهشوا العالم بتمسكهم بالسلمية في انتفاضتهم، وحرصهم على صون مؤسسات الدولة؛ ما جعل رئيس فرنسا يطالب ذوي السترات الصفراء بالاقتداء بهم في سلميتهم وتحضرهم.
ويستحق التقدير الموقف الذي اتخذته القوات المسلحة السودانية حين قررت، في لحظة حاسمة، أن تنحاز إلى شعبها المطالب بالتغيير الديمقراطي والرافض لفساد وتسلط عمر البشير الذي حكم البلاد بالقمع خلال ثلاثة عقود، جعل من السودان خلالها قاعدة خلفية للتنظيم الدولي لـ«الإخوان المسلمين»، بعد أن انقض تنظيمه الإخواني الإرهابي، على السلطة بانقلاب عسكري أطاح بالحكومة المنتخبة.
رغم أنه لا تزال أمام المتفاوضين تفاصيل مهمة أخرى قيد البحث والتداول، فإن ثقتنا كبيرة في أن يتمكن السودانيون، شعباً وجيشاً، من تذليل الصعاب، وفتح طريق التحول الديمقراطي السلمي للسودان
وتبرز الأهمية التاريخية لموقف القوات المسلحة السودانية خاصة في أنها فوّتت الفرصة على ما كان البشير يعد العدة له بالتصدي ببطش القوة للاعتصامات الشعبية المطالبة برحيله، على نحو ما رجح من أقوال رئيس المجلس العسكري، فانتهى الأمر بالبشير في السجن، هو وزمرة من كبار الفاسدين المحيطين به.
كما يسجل للقوات المسلحة أيضاً استجابتها لمطالبات المحتجين بإزاحة ثلاث وجوه من المجلس العسكري، عرفت بكونها من الحلقة المقربة للبشير، والمتورطة في الفساد وفي البطش بالمحتجين في الأسابيع الأولى للانتفاضة.
وبالمثل قوبل بارتياح كبير من السودانيين وأشقائهم ما أعلن عنه مؤخراً من التوصل بين قوى التغيير والمجلس العسكري على تشكيل مجلس مدني - عسكري مشترك، قوامه ممثلون عن المحتجين وعن القوات المسلحة لإدارة المرحلة الانتقالية، وهي مرحلة مملوءة بالمهام المهمة، كوضع إعلان دستوري مؤقت ينظم صلاحيات المجلس الانتقالي نفسه ومهام الدولة عامة خلال هذه المرحلة، ريثما يصار إلى وضع دستور ديمقراطي جديد، بعد تعليق دستور البشير، وتشكيل مجلس تشريعي وحكومة مدنية منتخبة.
كان التجاذب الذي شهدته المرحلة السابقة بين المجلس العسكري وممثلي المعتصمين أمام مبنى القوات المسلحة مصدر قلق وترقب، ليس داخل السودان وحدها، وإنما لدى أشقائه الذين يعنيهم استقراره ووحدة أراضيه وتجنيبه الفوضى التي اجتاحت بلداناً عربية أخرى، على قاعدة تحقيق الأهداف التي من أجلها خرج السودانيون إلى الشوارع، وعدم تكرار التجارب المريرة في تاريخ السودان الحديث، حيث جرى أكثر من مرة الالتفاف على مطالب التغيير الديمقراطي، إثر كل انتفاضة شعبية.
لذلك أثار غبطتنا جميعاً ما أعلن عنه من اتفاق تمّ التوصل إليه، ورغم أنه لا تزال أمام المتفاوضين تفاصيل مهمة أخرى قيد البحث والتداول، فإن ثقتنا كبيرة في أن يتمكن السودانيون، شعباً وجيشاً، من تذليل الصعاب، وفتح طريق التحول الديمقراطي السلمي للسودان العزيز على قلوبنا.
نقلاً عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة