الصادق المهدي.. كورونا يخطف "الإمام" ويترك للسودانيين "هداه"
الصادق الصديق المهدي.. سوداني له نصيب من اسمه، لا يختلف عليه اثنان من أبناء وطنه، لكن كورونا أصر على خطف أعز الرجال.
منح القدر الإمام المهدي (85 عاما) من العمر فرصة ليشهد حلم سقوط الإخوان يتحقق؛ بل وجراح السودان تلتئم باتفاقيات سلام ترمم البيت من الداخل، قبل أن يغيبه الموت الخميس متأثرا بإصابته بـ"الفيروس الأعمى".
كان المهدي آخر رئيس وزراء ينتخب ديمقراطيا وأطيح به في عام 1989 في الانقلاب العسكري الذي أتي بالرئيس السابق عمر البشير إلى السلطة.
على مدار الساعات الماضية، كثف السودانيون دعواتهم علها تنقذ الصادق في معركته مع كورونا، غير أن القدر غلب الحذر ورحل رئيس حزب الأمة القومي.
هنا الخرطوم
في مدينة أم درمان، كبرى مدن العاصمة السودانية، أبصرت عينا الصادق المهدي لأول مرة في ديسمبر/كانون الأول من العام 1935، لأب يتولى إمامة الأنصار الجبهة القومية المتحدة.
حين توفي الأب الصديق المهدي عام 1961، كان الابن قد بلغ من العمر 26 عاماً، متحصنا بماجستير في الاقتصاد من جامعة أوكسفورد عام 1957، ليصبح الطريق مفروشا له بالانتخاب رئيسا لوزراء السودان بين عامي 1966 و1967 ثم عامي 1986 و1989.
وتعرض رئيس حزب الأمة القومي للاعتقال لعدة مرات خلال الأعوام 1969 و1973 و1983 و1989.
صرخ المهدي بأشهر (لا) في وجه نظام الإخوان البائد، فدفع ثمن ذلك الخروج من السودان مطلع تسعينيات القرن الماضي، عقب وصول عمر البشير إلى السلطة ولكنه عاد في عام 2002.
وخلال وجوده في الخارج دخل المهدي في تحالف "نداء السودان" الذي ضم الحركات المسلحة التي تقاتل حكومة البشير في إقليم دارفور منذ عام 2003 والحركة الشعبية التي تقاتل حكومة البشير في ولايتي جنوب كردفان والنيل منذ عام 2011.
المنفى الاختياري
لم يجد البشير بدا سوى الزج بـ"المهدي" في سجونه إثر انتقاده لممارسات نظامه الإخواني في إقليم دارفور المضطرب عام 2014.
لكن بعد ضغوط على الخرطوم أطلق سراح الصادق بعد شهرين من الاعتقال ليحدد مصر أرضا للمنفى الاختياري.
من القاهرة ظل رئيس حزب الأمة القومي محافظا على علاقات دولية فكلما غادر العاصمة المصرية عاد إليها مجددا، قبل أن يستقر في الخرطوم مرة أخرى بعد 30 شهرا من المنفى.
ورغم موافقة البشير على عودة "الطائر المنفي"، قالت ابنته مريم المهدي ومساعد رئيس الحزب حينها للصحفيين إن والدها "وصل بالسلامة لكن السلطات لم تسمح بدخول 25 شخصا إلى المطار لاستقباله".
نفاد الفرص
بقراءته المعتادة للمستقبل السوداني، أدرك الصادق المهدي أن فرص عمر البشير قد نفدت ولم يتبق أمامه سوى الرحيل في 2019، وكان أول من يدعو لمليونية تشمل جميع طوائف الشعب السوداني.
بعين اقتصادية، صعد الراحل من تحذيراته انهيار مالي يدفع ثمنه بسطاء السودان، والذين خرجوا ضد النظام 6 مرات ماضية، ولكن المرة السابعة كانت الأوسع والتي خاضها شباب السودان والقوى السياسية والمهنية والأساتذة بصورة جعلت كل المجتمع متحركاً.
ومن نفس الزاوية، فتح رئيس وزراء السودان الأسبق ذراعيه لـ"الجبهة الثورية" ضمن كيان نداء السودان، ثم جاء اتفاق جوبا ليحقق حلمه في 2020 ويدخل أعضاء الحركة المسلحة الخرطوم مرة أخرى.
النهاية.. كورونا
وبعد ساعات طويلة من نفي وفاته، لم يستطع الصادق المهدي مقاومة فيروس كورونا لأكثر من شهر؛ حيث وافته المنية الخميس في أحد مستشفيات الإمارات.
وكان آخر بيان لحزب الأمة السوداني قد كذب تقارير تحدثت عن تدهور الحالة الصحية لرئيسه المصاب بكورونا.
وأوضحت أن مصادر عائلية أكدت لـ"رويترز" أن السياسي السوداني البارز ورئيس الوزراء السابق توفي في مستشفى بالإمارات.
والثلاثاء، أطلق حزب الأمة نداءً للسودانيين بأن يتضرعوا بالدعاء للامام المهدي حتى يمن الله عليه بالشفاء.
وحظيت المناشدة بتفاعل كبير من فئات الشعب السوداني ونشطاء الإنترنت، الذين تسابقوا إلى التضرع بالدعاء له.
لكن النداء الذي أطلقه الحزب آثار قلق السودانيين على صحته؛ حيث أعقبه كثير من الشائعات بتدهور الحالة الصحية له.
وتذخر المكتبة السودانية بعدة مؤلفات للإمام الصادق المهدي أبرزها (مستقبل الإسلام في السودان) و(السودان إلى أين).