"|لعين الإخبارية" تكشف ملاحظات "العسكري" السوداني على وثيقة الدستور
المجلس العسكري الانتقالي أبدى ملاحظات على مجمل بنود الوثيقة الدستورية التي وضعتها قوى الاحتجاجات.
بعد مضي حوالي أسبوع من الدراسة، أصدر المجلس العسكري الانتقالي في السودان، رده على الوثيقة الدستورية المقدمة من قوى إعلان الحرية والتغيير الخاصة بهياكل الحكم وإدارة المرحلة الانتقالية في البلاد.
وأبدى المجلس العسكري الانتقالي، ملاحظات على مجمل بنود الوثيقة الدستورية التي وضعتها قوى الاحتجاجات، تنوعت ما بين أمور متعلقة بالصياغة وأخرى تتصل ببنود جوهرية أغلبها يدور حول المجلس السيادي المقترح وسلطاته.
4 سنوات للفترة الانتقالية
ومن واقع رد "العسكري الانتقالي"، الذي اطلعت عليه "العين الإخبارية"، يتلخص الخلاف في مدة الفترة الانتقالية التي ترى قوى الحرية والتغيير أن تكون 4 سنوات ويريدها المجلس العسكري سنتين، بجانب تكوين المجلس السيادي وصلاحياته، وسلطات إعلان الحرب وحالة الطوارئ، وتبعية الأجهزة النظامية وتحالفات السودان العسكرية مع الدول الصديقة والشقيقة ومشاركة القوى السياسية الأخرى في الفترة الانتقالية.
ويتضح من رد المجلس العسكري أن الطرفين يتفقان على هياكل مستويات الحكم المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية، والتي تشمل ثلاثة مستويات (مجلس سيادة ومجلس وزراء ومجلس تشريعي وعدد أعضائه وكيفية تعيينه).
ولم تتبين الرؤية بعد فيما يخص مسألة التمثيل في المجلس السيادي، والذي من المرجح أن يكون مختلطاً بين العسكريين والمدنيين.
إغفال قوات الدعم السريع
وفي رده، أكد المجلس العسكري، أن الوثيقة الدستورية في بندها الخامس، المتعلق بالقوات النظامية أغفلت قوات الدعم السريع، وهي قوات منشأة بقانون واستخدمت عبارة الأجهزة الأمنية، دون الإشارة، إلى جهاز الأمن والمخابرات الوطني، كما أغفلت إضافة كلمة "الموحدة" إلى قوات الشرطة ليشمل المعنى الشرطة بكافة هيئاتها.
وأشار إلى أنه في البند نفسه، جعلت الوثيقة القوات المسلحة وقوات الشرطة، والأجهزة الأمنية الأخرى، خاضعة لقرارات السلطتين السيادية والتنفيذية، في حين أن هذه الأجهزة تخضع للسلطة السيادية، مما يوحي برفضه لهذه الجزئية التي ترغبها قوى الاحتجاجات.
وتحدث المجلس العسكري عن أن الوثيقة الدستورية حددت الفترة الانتقالية بـ 4 سنوات، تبدأ من دخول الدستور الانتقالي حيز التنفيذ، علما بأن البيان العسكري الأول، صدر يوم 11 أبريل/نيسان 2019، وحدد الفترة الانتقالية لمدة سنتين، كما أن النص يربط الفترة الانتقالية بدخول الدستور الانتقالي حيز التنفيذ، ما يجعل تاريخ بداية الفترة الانتقالية مبهما وغير معلوم.
ونبه إلى أن الوثيقة أشارت إلى كلمة "مؤسسات"، وهي غير مستخدمة في صياغة الدساتير؛ لأن الكلمة الصحيحة هي هياكل الحكم، موضحاً أن الوثيقة في بندها السابع، أوكلت أمر المفوضيات ومهامها للقانون، ومن المفترض أن ينص على إنشاء هذه المفوضيات بالدستور، مثل مفوضية حقوق الإنسان ومفوضية الانتخابات باعتبارهما مفوضيتين مرتبطتين بترتيبات دستورية تتطلبها المرحلة الانتقالية وما بعدها من ترتيبات.
لمن سلطات تعيين القضاة؟
وعلق المجلس العسكري الانتقالي على الوثيقة الدستورية بتأكيده أن المقدمة أغفلت فيما يلي تشكيل مجلس السيادة مشاركة بقية القوى المشاركة في التغيير.
وفيما يتعلق بسلطات مجلس السيادة، أغفلت الوثيقة، سلطات تعيين القضاة والمستشارين القانونيين وأعضاء النيابة العامة والمراجع العام، وإعلان حالة الطوارئ، والمصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والإقليمية، وإبرام الاتفاقيات والتحالفات العسكرية مع الدول الصديقة والشقيقة، وإصدار العفو وإسقاط العقوبة والإدانة وفق القانون، وتعيين رئيس الوزراء القومي واعتماد وتعيين الوزراء وأعضاء المجلس التشريعي وتبني قضايا السلام والحوار مع حملة السلاح.
وذكر المجلس العسكري أن الوثيقة الدستورية جعلت سلطة إعلان الحرب بالتشاور مع رئيس مجلس الوزراء، وهي سلطة سيادية، كما جعلت سلطة تعيين حكام الأقاليم مرتبطة بتوصية من مجلس الوزراء القومي، وهي سلطة سيادية يمارسها مجلس السيادة.
واعترض المجلس العسكري على إعطاء مجلس الوزراء، سلطة إعلان حالة الطوارئ، وهي سلطة لمجلس السيادة، مشيراً إلى أن الوثيقة نصت على سلطة المحافظة على أمن وسلامة الدولة، وهي سلطة سيادة تضطلع بها الأجهزة السيادية، وأغفلت الجهة التي تقوم بالتعيين.
وأشار إلى أن الوثيقة أقفلت النص على مصادر التشريع واللغة الرسمية للدولة، كما أقفلت مبدأ جوهريا وهو النص على تحقيق السلامة ونبذ العنف وتحقيق المصالحة الوطنية.
ورأى المجلس العسكري أن كلمة "يوقف" في المادة (1) من الوثيقة والخاصة بوقف العمل بالدستور لا تتسق والنهج التشريعي المتبع، واستخدمت الدستور الانتقالي، وكان يفترض أن تذكر الاسم الصحيح "دستور جمهورية السودان الانتقالي"، وأغفلت الإشارة إلى إلغاء دساتير الولايات، كما أغفلت الإشارة لسريان القوانين الصادرة بموجب هذه الدساتير إلى أن تلغى أو تُعدل.
وثيقة حقوق الإنسان
المجلس أكد في رده أن وثيقة قوى الاحتجاجات نصت في المادة (2) على اعتبار وثيقة الحقوق بدستور جمهورية السودان الانتقالي جزءا لا يتجزأ من هذا الدستور، في حين أنه ما كان ينبغي أن توضع وثيقة الحقوق بالدستور في الوثيقة الدستورية طالما أوقف العمل بالدستور الانتقالي لسنة 2005.
ورأى المجلس العسكري في ملاحظاته، أن الوثيقة الدستورية أشارت إلى أن تكون وثيقة الحقوق جزءا من هذا "الدستور" وهذه الوثيقة لا تعتبر دستورا في هذه المرحلة، وكان الصحيح أن يشار إلى أنها جزءا من هذه الوثيقة.
كما أغفلت الوثيقة التعديلات التي أدخلت على وثيقة الحقوق 2017 وهي تعديلات جوهرية، إذ أن الوثيقة استخدمت كلمة "مدنية" وهي كلمة لم ترد في أي من دساتير السودان السابقة، وهي مبهمة تحمل الكثير من المعاني في تفسيرها وتأويلها.
وذكر المجلس العسكري أن الوثيقة نصت على الأقاليم بدلا عن الولايات، وهذا يعني عودة الحكم الإقليمي، دون الإشارة لكيفية معالجة الوضع الراهن، ونصت فيما يختص بمستويات الحكم على أن السودان دولة لا مركزية بأقاليم متعددة، في إشارة إلى إلغاء نظام الولايات المتبع حاليا، لكنها أغفلت الإشارة إلى عدد الأقاليم وحدودها وعواصمها وسلطاتها ومواردها.
كما أغفلت الإشارة إلى الخطوات الانتقالية من نظام الولايات إلى الحكم الإقليمي، وكذلك وضع العاصمة القومية في ظل نظام الأقاليم المقترح، وهنا تساءل المجلس العسكري عن إمكانية الانتقال إلى النظام الجديد (الأقاليم)، خلال الفترة الانتقالية.
وقال إن الوثيقة أغفلت هياكل مهمة في باب "هياكل الحكم" كالمحكمة الدستورية، والنيابة العامة والمستشارين القانونين للدولة، والمحاماة.
موقف قوى "الحرية والتغيير"
واليوم، تعهدت قوى الحرية والتغيير في السودان، بألا تكون طرفاً في أي أفعال تجر البلاد إلى العنف، وذلك في رد منها على ملاحظات المجلس العسكري الانتقالي الخاصة بالوثيقة الدستورية.
وقالت قوى إعلان الحرية والتغيير، في مؤتمر صحفي لها: "نتحدث عن فعل جاد لتحقيق مطالب الشعب السوداني ولا وقت لدينا لمناورات المجلس العسكري السياسية، نريد وثيقة مشتركة مع المجلس تحافظ على مطالب الثورة".
ومنذ السادس من أبريل/نيسان الماضي، يعتصم الآلاف من المحتجين أمام مقر القيادة العامة للجيش السوداني بالخرطوم، في تتويج لمظاهرات استمرت نحو 4 أشهر داخل الأحياء والأسواق ومواقف المواصلات العامة.
وفي 11 أبريل/نيسان الماضي، انحاز الجيش السوداني للشعب، بينما تواصل اعتصام المتظاهرين خارج مقر القيادة العامة للقوات المسلحة لتحقيق مطالب الثورة في نقل السلطة لحكومة مدنية، وتقديم رموز نظام البشير للعدالة.
وتسارعت الأحداث منذ 11 أبريل/نيسان الجاري، حيث أعلن الجيش عزل الرئيس عمر البشير واعتقاله في مكان آمن وتعطيل العمل بالدستور، وحل البرلمان والحكومة المركزية وحكومات الولايات، وتشكيل لجنة أمنية لإدارة البلاد لمدة انتقالية مدتها عامان، يتم خلالها تهيئة البلاد للانتقال نحو نظام سياسي جديد، مع فرض حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر.