نار القتال ومرارة النزوح.. «العين الإخبارية» ترصد مآسي سودانية في رمضان
بين شقي رحى القتال والنزوح، يتجرع السودانيون مرارة جوع لا يكسره إفطار بعد ساعات الصيام ليضيع فرحة شهر كانوا ينتظرونه فباتت مأساتهم فيه مضاعفة.
«العين الإخبارية» رصدت تلك المآسي في مدن السودان، على لسان أصحابها الذين عايشوها، في ظل حرب تتوسع دائرتها، دون حل سياسي يلوح في الأفق، وأوضاع إنسانية معقدة، وموجة نزوح وجوع تتزايد في صفوف المدنيين خاصة في شهر رمضان.
- السودانيون في رمضان.. بين نيران المعارك وخطر المجاعة
- أزمة السودان.. معارك طاحنة بأم درمان والجيش يستعيد «التلفزيون»
ظروف معيشية صعبة
«مع صيام شهر رمضان، نعاني ظروفاً إنسانية معقدة، بسبب انعدام المواد الغذائية».. هكذا يحكي المواطن السوداني، عبد اللطيف محمد مأساته التي تمثل الغالبية العظمى من السودانيين.
ويقول محمد في حديثه لـ"العين الإخبارية": "أسكن مع عائلتي بحي الأزهري جنوبي العاصمة الخرطوم، ولكن الظروف المعيشية سيئة للغاية بسبب استمرار الحرب."
وأضاف: "أسعار المواد الغذائية مرتفعة للغاية، ولا نستطيع توفير الأكل اليومي للكبار والأطفال في ظل توقف خدمة التحويلات البنكية."
وتشهد معسكرات النزوح بمدينة كسلا شرقي السودان، أوضاعا إنسانية صعبة بسبب الازدحام، وشح المواد الغذائية والمياه الصالحة للشرب.
وتقول النازحة، آمنة مصطفى: "كما ترى البيئة غير صالحة للسكن، والمياه مالحة وغير صالحة للشرب، والطعام لا يكفي، ومع ذلك نصوم شهر رمضان".
وأشارت مصطفى في حديثها لـ"العين الإخبارية"، "نأمل دعم المنظمات الإنسانية، خاصة وأن الأوضاع داخل معسكرات النزوح معقد للغاية."
من جهته يقول النازح، أمير عبد القادر، "وصلت إلى كسلا منذ حوالي 4 أشهر قادما من ولاية الجزيرة (وسط)، لكن الأوضاع ليست جيدة في ظل شح الغذاء والدواء.
وأوضح عبد القادر في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن معسكرات النزوح داخل مدينة كسلا تحتاج إلى الدعم من المنظمات الإنسانية."
اشتباكات جنوب الخرطوم
وأفادت مصادر عسكرية لـ"العين الإخبارية"، بتجدد القصف المدفعي بين الجيش السوداني، وقوات "الدعم السريع"، بمنطقة جنوب الحزام، جنوبي العاصمة الخرطوم، وسماع أصوات الانفجارات والقذائف المدفعية بمنطقة حي "النهضة" وما جاورها من أحياء جنوب الحزام.
وطبقا للمصادر العسكرية، فإن أحياء "الأزهري"، و"السلمة"، "وعد حسين" و"مايو" بالقرب من تمركز قوات الدعم السريع نواحي المدينة الرياضية وأرض المعسكرات في سوبا، تشهد أيضا اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة والخفيفة.
العنف بأم درمان
ومع تصاعد العنف، لا تزال مدينة أم درمان غربي العاصمة الخرطوم، تشهد اشتباكات مسلحة، بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، في عدد من المحاور العسكرية.
وحسب المصادر العسكرية، فإن مدينة أم درمان لا تزال، تشهد معارك دون توقف، خاصة في الأحياء القديمة، وسوق أم درمان، والسوق الكبير.
وقالت المصادر إن "الجيش السوداني واصل التقدم في محيط (سلاح المهندسين)، وشارع (الشهيد عبد العظيم)، بينما تتواجد قوات الدعم السريع في الأجزاء الشمالية من المنطقة، وشارع (العرضة)"، وعدد من المناطق والشوارع الحيوية بالمدينة.
وأكدت المصادر أن "الجيش السوداني، واصل الاستخدام المكثف للمسيرات الحربية لاستهداف قوات الدعم السريع، ما أحدث خسائر بشرية ومادية في الأحياء المدنية".
ويقول المواطن، عمار يوسف، إن "مدينة أم درمان، تعاني انقطاع الكهرباء والمياه، وشح المواد الغذائية في شهر رمضان."
وأشار يوسف في حديثه لـ"العين الإخبارية"، "الأوضاع داخل المدينة كارثية، خاصة في شهر رمضان الذي يحتاج إلى تجهيزات خاصة من المأكولات والمشروبات."
ولاية نهر النيل
كما يواجه النازحون في مراكز الإيواء بولاية نهر النيل شمالي السودان، أوضاعا صعبة مع نقص حاد في الغذاء والدواء دخول شهر رمضان.
ووفق السلطات المحلية فإن الولاية استقبلت وافدين بسبب الحرب، قدرت عددهم بنحو مليون و980 ألف أسرة جرى توزيعهم على 288 مركز إيواء بالمحليات الست.
وتضم الولاية 11% من جملة النازحين داخلياً في السودان الموجودين في 6,771 موقعا – في جميع الولايات الـ 18.
وتوجد أعلى نسب النازحين في إقليم دارفور بواقع 37%، وفقا لمصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة، في لوحة متابعة النزوح الأسبوعية الصادرة رقم 21 الصادرة في الثالث والعشرين من فبراير/شباط الماضي.
وتقول النازحة، آمنة الفكي، إن ولاية نهر النيل، تضم أعدادا كبيرة من النازحين خاصة في مدينة عطبرة، موزعة بين الأحياء المختلفة.
وأوضحت الفكي في حديثها لـ"العين الإخبارية"، أن الأوضاع الإنسانية، في بالغة التعقيد بسبب انعدام المواد الغذائية.
وأبلغت مصادر حكومية "العين الإخبارية"، أن الولاية تضم نحو 288 مركزا للإيواء بينها، بينها 95 مركزا في مدينة عطبرة موزعة بين الأحياء المختلفة وفي 52 جمعية، و4 أندية رياضية، و39 مدرسة، فيما يبلغ عدد النازحين في المدنية أكثر من 15 ألف شخص.
معارك بابنوسة
ولا تزال المعارك مستمرة في مدينة بابنوسة، بولاية جنوب كردفان، خاصة في محيط الفرقة العسكرية 22 مشاة بالمدينة، التي تسعى قوات "الدعم السريع" لاستلامها.
وأفادت مصادر عسكرية لـ"العين الإخبارية"، أن الجيش السوداني، أوقع خسائر في صفوف "الدعم السريع"، ودمر 4 عربات قتالية تتبعها بالمنطقة.
وطبقا للمصادر، فإن "قوات الجيش السوداني، لا تزال تحكم سيطرتها على الفرقة العسكرية، وحفرت الخنادق الكبيرة، وزرعت الألغام، تفاديا لأي هجوم كبير مباغت".
وقالت المواطنة عفاف مصطفى، إن "مدينة بابنوسة أصبحت خالية تماما من السكان في ظل العنف المستمر، وانعدام الغذاء والدواء وكل الخدمات الضرورية".
وأضافت مصطفى في حديثها لـ"العين الإخبارية": "نعيش أوضاعا معقدة في شهر رمضان، لانعدام الغذاء."
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023 يخوض الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان و"الدعم السريع" بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، حربا خلفت أكثر من 13 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.
القتال مستمر
ودون أمد لوقف القتال أو أمل بهدنة قريبة جاء تأكيد البرهان، بحسب بيان صدر الأربعاء، أن "الجيش سيواصل قتال قوات الدعم السريع في أجزاء أخرى من العاصمة وفي منطقة دارفور بغرب السودان وولاية الجزيرة جنوبي الخرطوم، وهي مناطق حققت فيها قوات الدعم السريع تقدما سريعا أواخر العام الماضي حتى تحقيق النصر الكامل".
وأشار الجيش إلى أنه لن يأخذ في الاعتبار المناشدات الدولية لوقف إطلاق النار في شهر رمضان ما لم توافق قوات الدعم السريع على انسحاب عسكري كبير.
واندلعت الحرب بعد خلاف بين الجيش وقوات الدعم السريع حول خطة للانتقال السياسي وتسببت في فرار أكثر من 8 ملايين شخص من منازلهم لتظهر أكبر أزمة نزوح في العالم.
وتزايد عدد السودانيين الذين يواجهون مستويات أزمة جوع، وهي مرحلة تسبق المجاعة، أكثر من ثلاثة أمثال في غضون عام واحد ليصل إلى نحو خمسة ملايين.
وتعرقلت جهود الإغاثة كثيرا بسبب منع الوصول ونهب إمدادات المساعدات.
وأدى القتال إلى انهيار سلسلة التوريد داخل السودان للأغذية المستخدمة في علاج الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية حاد، وفقا لمنظمة إنقاذ الطفولة.
aXA6IDMuMTQ0LjgyLjEyOCA= جزيرة ام اند امز