مهندس التلفزيون السوداني يروي لـ"العين الإخبارية".. كيف فشل الانقلاب في دقيقة
أخرج مهندس البث المباشر بالتلفزيون الرسمي السوداني، علي عمر، من جعبته بعضا من مغامرات رفضه بث المارشات العسكرية للانقلابيين.
خيبات جديدة سُجلت على صفحات تنظيم الإخوان المعزول بعدما فشل في تولي مقاليد الحكم بانقلاب عسكري، يروي المهندس علي عمر الشهير بـ"حجو" جانبا منها لـ"العين الإخبارية".
وقفة "عمر" بصلابة في وجه الانقلابيين ومنعهم من تقويض عملية الانتقال الديمقراطي ببلاده، جعلته يتصدر المشهد السوداني كبطل وطني، وسط احتفاء منقطع النظير به وصار أيقونة لنشطاء وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن حجو بتواضع جم، لا يعتقد أن ما فعله يعكس بطولة تجعله في مصاف الرعيل الأول الذي أخرج المستعمر مثال علي عبداللطيف وإسماعيل الأزهري.
هنا يقول مهندس البث المباشر بالتلفزيون السوداني: "غير أن ما قمت به ربما يعكس شجاعتي في مواجهة مهدد حقيقي للوطن، وأنا سعيد بهذا الاحتفاء من الشعب السوداني الذي أحبه، حتى الساخرين من موقفي عفوت عنهم".
فالمهندس الذي رفض بث مارشات الانقلاب العسكري من مواليد ضاحية شمبات بمدينة بحري شمالي العاصمة في العام 1958، ويعمل في التلفزيون الرسمي منذ 2002، وكان قبلها معلماً بوزارة التربية والتعليم حيث جرى تعيينه بها سنة 1983.
وعند الساعة السادسة والنصف صباحا بتوقيت السودان يوم الثلاثاء، كان مهندس البث المباشر علي عمر، قد فرغ لتوه من صلاة الفجر ويستعد لتناول إفطاره، سرعان ما تسلل إلى مكتبه ضابط ومعه 3 أشخاص يرتدون زيا مدنيا لم يكن جميع الأشخاص يحوزون سلاح ساعتها.
يروي حجو لـ"العين الإخبارية": "أبلغني زميلي ناصر النور أن ضابطا برتبة عقيد و3 مدنيين يرغبون في مقابلتي فرحبت بهم واستفسرت عما يطلبونه".
وأضاف: "تعاملوا معي بلطف في بادي الأمر وبدأ الضابط يتحدث عن الوضع العام في السودان من تردي اقتصادي وأمني وغيره وهي مسائل معلومة لكافة السودانيين، لكنه ذكر هذه القضايا بطريقة تشنيف (تقليل) من الحكومة".
وتابع: "كان الضابط يرتدي فل سوت (جاكيت) عسكري وليس على لبسته ديباجة تعريفية تحمل اسمه كما تجري العادة وسط منسوبي القوات المسلحة ولم يكن لديه كاب أيضاً وغير مسلح، وأبلغني بأنهم تبع الجيش السوداني وقد تسلموا كافة الوحدات العسكرية وطلب مني بث مارشات (موسيقى عسكرية)".
واعتاد السودانيون على المارشات وهي موسيقى عسكرية تبث بشكل موحد بكافة وسائل الإعلام المحلية، كإشارة حدوث انقلاب عسكري في البلاد أو انحياز الجيش لخيار المواطنين في الثورات الشعبية.
وقال: "رفضت طلب الضابط ببث مارشات عسكرية وأبلغته أني أعمل وفق برمجة محددة مسبقاً وأي تعديل لابد أن يكون بتوجيه مباشر من المدير العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون".
ومضى في روايته: "عندما رفضت.. لم يحدث أي مقاومة، وكان أحد أعضاء المجموعة يرتدي زيا مدنيا فأجرى مكالمة هاتفية وطلب من رفاقه الانسحاب، فغادروا المكان فوراً، ولم نستطع التعرف على أي واحد منهم".
وتابع: "لم يكن ما فعلته بطولة كما يتم تصويره على مواقع التواصل الاجتماعي، لأن المجموعة التي اقتحمت غرفة البث المباشر انسحب بطوعها ولم تمارس معي القوة ولم تكن مدججة بالسلاح كما حدث مع زملائنا سابقا أذاعوا بيانات لانقلابات عسكرية".
يشير حجو إلى أنه "عند المقاومة واستخدام القوة من جانب الانقلابيين، إما أن نستشهد لأجل وطن نؤمن به، أو نستسلم وهذا ما لم يحدث معي صبيحة الثلاثاء 21 سبتمبر/أيلول الجاري".
وفور مغادرة المجموعة أبلغ المهندس علي عمر إدارته العليا بالواقعة وهو مليء بالفخر والسعادة، لكن اللغز الذي أثار حيرته وكافة السودانيين يتمثل في كيفية وصول الانقلابيين إلى غرفة البث المباشر بالتلفزيون القومي رغم وجود كل الحراسات.
وأكد أنه كان مؤمناً بعمله وإخلاصه للوطن والثورة التي شارك فيها بفعالية، في حين كان مطمئنا بأنه لن يصيبه أي مكروه لأن أي قادة انقلاب عسكري سيكونون بحاجة إلى مهندس البث المباشر لإيصال صوته ولن يقتلوه مهما وصل معهم من درجات اللؤم والمخالفة.
ويحكي "حجو" أنه من عائلة ومناطق مشهود لها بالنضال ومهد الثورات الشعبية مثل شمبات وبري وعطبرة التي تعود امتداداته وجذوره إليها.
وشارك في انتفاضة ديسمبر/كانون الأول وتعرض للاعتقال هو ابنته، وقاد اعتصام من داخل المعهد العالي للموسيقى والمسرح الذي التحق به عام 1990، ضد حكم الرئيس المعزول عمر البشير.
الاعتصام الذي أدى إلى فصله من المعهد العالي ضمن 58 طالباً قبل أن يعاد اليه مجدد، وبقى فيها إلى أن تغير اسمه إلى كلية الموسيقى والدراما ونال منها درج البكالوريوس عام 2000.
وقال: "تم تعييني معلما بوزارة التربية والتعليم عام 1983، والتقت بالتلفزيون كمتعاون عام 2005، وقد قدنا حراكا بداخله من وقفات احتجاجية واعتصامات، كانت معينة على تعصين السودانيين من آفة الخوف".
والثلاثاء، أعلن الجيش السوداني، توقيف 21 ضابطا وعدد من الجنود الذين شاركوا في المحاولة الانقلابية الفاشلة.
كان مصدر حكومي سوداني قال إن الضباط الضالعين في المحاولة الانقلابية الفاشلة والذين تم القبض عليهم ينتمون لتنظيم الإخوان المعزول.