قناة السويس.. تاريخ ونشأة الرمز الحيوي للتجارة البحرية

طالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمرور السفن العسكرية والتجارية الأمريكية عبر قناة السويس وقناة بنما "دون دفع أي رسوم".
ووفقا لما نشره ترامب على موقع التواصل الاجتماعي الذي يمتلكه تروث سوشيال: "لقد طلبت من وزير الخارجية ماركو روبيو أن يتولى هذا الموقف على الفور، وأن يوجه مذكرة حوله"، بحسب ترامب.
كذلك جادل ترامب قائلا بإنه "لولا الولايات المتحدة ما كانت القناتان موجودتين" — وهو ادعاء غير مفهوم لا سيما بالنسبة لقناة السويس.
قد تكون هذه الخطوة ذات ارتباط بمواجهة النفوذ الصيني، أكثر من كونها تتعلق بالرسوم التي تدفعها السفن الأمريكية لعبور قناة السويس. فقد احتج ترامب على وجود الصين حول قناة بنما بالتهديد "باستعادتها"، مما أدى إلى الضغط على شركة مقرها هونغ كونغ لبيع ميناءين في بنما وأصول أخرى إلى تحالف بقيادة شركة بلاك روك الأمريكية في صفقة لم توضع بعد اللمسات الأخيرة عليها، وقد تصل قيمتها إلى 18 مليار دولار.
ووفقا لتقرير سابق نشرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، فإن السفن الأمريكية تشكل نسبة كبيرة من حركة المرور في قناة بنما. ووفقًا لسلطات القناة، في عام 2024، كانت 52% من عمليات العبور عبر الممر المائي تتعلق بسفن ذات موانئ منشأ أو وجهة في الولايات المتحدة.
ويستخدم ما يصل إلى 14,000 سفينة القناة سنويًا لتجنب رحلة طويلة ومكلفة حول طرف أمريكا الجنوبية.
وفي عام 2024، سجلت قناة بنما 9,944 عملية عبور، بانخفاض بنسبة 29% مقارنة بالعام السابق، بسبب الجفاف الشديد الذي أثر على مستويات المياه اللازمة للتشغيل.
وبينما تشهد القناة حركة مكثفة للسفن الأمريكية، فإن الوضع مختلف بالنسبة لقناة السويس المصرية. وكانت محادثات عبر تطبيق سيغنال للتراسل بين كبار أعضاء الإدارة الأمريكية كشفت أن استفادة الولايات المتحدة من القناة لا تتعدى ٣% من الشحنات التجارية.
لكن تصريحات ترامب تلقي الضوء على أهمية هذه القناة من الناحية الاستراتيجية لحركة الملاحة البحرية العالمية.
تاريخ القناة
وتاريخ قناة السويس يمتد لآلاف السنين، حيث يُعتقد أن أول محاولات حفر قناة بحرية صالحة للملاحة تعود إلى حوالي 1850 قبل الميلاد. كانت الجهود المبكرة تركز على الري، حيث تم إنشاء قناة في وادي التُميلات، وهو وادٍ جاف يقع شرق دلتا النيل. وعُرفت هذه القناة بقناة الفراعنة، وكان يتم استخدامها لربط النيل بالبحر الأحمر خلال فترة الفيضانات. قام البطالمة في وقت لاحق بتوسيع القناة، وتضمنت بحيرات البردي وصولًا إلى البحر الأحمر. وكان هناك فرع شمالي للقناة يصل إلى فرع قديم للنيل، وواصل الرومان توسيعها تحت اسم "قناة تراجان". رغم إهمال البيزنطيين للقناة، فإن العرب الأوائل قاموا بإعادة فتحها، لكن الخلافة العباسية عمدت إلى سدها في عام 775 ميلاديا لأسباب عسكرية.
وطوال تاريخها، كان الهدف الرئيسي لتلك التغييرات هو تسهيل التجارة بين الأراضي الواقعة في الدلتا والبحر الأحمر بدلاً من توفير ممر إلى البحر الأبيض المتوسط.
وبدأت عملية البناء في عام 1859، ولكنها واجهت العديد من التأخيرات، حيث استغرقت 10 سنوات بدلاً من الست سنوات التي كانت مخططة. واجه المشروع تحديات مثل صعوبات المناخ، ووباء الكوليرا في عام 1865، ومشاكل العمل. كان المشروع الأول هو حفر قناة صغيرة، وهي قناة الإسماعيلية، على طول وادي التُميلات. وهذه القناة كانت توفر المياه الصالحة للشرب للمنطقة وتم الانتهاء منها في عام 1863. في البداية، كانت أعمال الحفر تتم يدويًا باستخدام الفؤوس والسلال، وكان الفلاحون يُجندون كعمال قسريين. في وقت لاحق، تولى الحفارات البخارية والعمال الأوروبيون مهمة الحفر، وكان من الأرخص والأسرع استخدام التجريف بدلاً من الحفر الجاف، وبالتالي تم إغراق الأرض بشكل صناعي وتجريفها حيثما أمكن. تم حفر القناة بالكامل عبر الرمال أو الرواسب الطينية، باستثناء المناطق التي واجهت صخورًا.
وبحلول أغسطس/ آب 1869، تم الانتهاء من قناة السويس، وتم افتتاحها رسميًا في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني من نفس العام. تم تأسيس شركة قناة السويس كشركة مصرية مساهمة، حيث سعى دي لسبس لجذب المشاركة الدولية. رغم البداية الباردة، وحتى العدائية من بريطانيا، كان الفرنسيون هم الأكثر استجابة، حيث اشتروا 52% من الأسهم. بينما امتلك سعيد باشا 44% من الأسهم، وكان أول مجلس إدارة يضم ممثلين من 14 دولة.
وفي عام 1875، أجبرت المشاكل المالية الوالي الجديد، إسماعيل باشا، على بيع حصته، والتي تم شراؤها على الفور من قبل الحكومة البريطانية بناءً على اقتراح من رئيس الوزراء البريطاني بنيامين دزرائيلي. تم شراء الأسهم بسعر 568 فرنكًا للسهم، مما أدى إلى ارتفاع مستمر في قيمتها حتى تجاوزت 3600 فرنك في عام 1900. في البداية كانت مصر تحصل على 15% من الأرباح الصافية من القناة، ولكن بعد بيع حصص إسماعيل، فقدت مصر تمثيلها في مجلس الإدارة حتى عام 1949، حين تم إعادة تمثيلها مع تخصيص 7% من الأرباح الإجمالية. كما تم الاتفاق على تخصيص 90% من الوظائف الإدارية و80% من المناصب الفنية للمصريين.
وفي عام 1956، قامت الحكومة المصرية، تحت قيادة الرئيس جمال عبدالناصر، بتأميم القناة، مما أدى إلى أزمة السويس. ومنذ ذلك الحين، أصبحت القناة تحت السيطرة الكاملة لمصر من خلال هيئة قناة السويس، على الرغم من أن الشركة الأصلية (التي تُعرف الآن باسم GDF سويز) تواصل عملها كشركة متعددة الجنسيات.
اقتصادات القناة
وتظل قناة السويس ممرًا حيويًا للتجارة العالمية، يربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، ويوفر طريقًا حيويًا بين أوروبا وآسيا. وبلغ دخل الحكومة المصرية من إيرادات قناة السويس خلال العام المالي الماضي 2023-2024 نحو 146.4 مليار جنيه، مقابل 168.45 مليار جنيه كانت مستهدفة في الموازنة.
وفي وقت سابق، قالت دراسة أعدها "المجلس الأطلسي"، وهو مركز بحثي مقره واشنطن، إن القناة تستقطب حوالي 12% إلى 15% من إجمالي التجارة العالمية، وما يقارب 30% من حركة الحاويات العالمية، حيث تمر عبرها بضائع تتجاوز قيمتها تريليون دولار سنويًا.
كما تشمل حوالي 9% من تدفقات النفط البحرية العالمية، أي ما يعادل 9.2 مليون برميل يوميًا في أوائل عام 2023، بالإضافة إلى 8% من حجم الغاز الطبيعي المسال (LNG) عالميًا.
ويمر عبرها يوميًا 50 إلى 60 سفينة تحمل بضائع تُقدر قيمتها بين 3 مليارات و9 مليارات دولار. وتحقق إيرادات من الرسوم تشكل شريانًا اقتصاديًا رئيسيًا لمصر، حيث سجلت القناة 9.4 مليار دولار كرقم قياسي في 2022-2023.
aXA6IDE4LjIxOC4yMDkuMTA5IA== جزيرة ام اند امز