كيف نحقق التوازن بين الطاقة التقليدية والمتجددة؟.. رؤية إماراتية ملهمة
أكد الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة المبعوث الخاص لدولة الإمارات للتغير المناخي، ضرورة تحقيق التوازن عند الانتقال من الطاقة التقليدية للطاقة المتجددة.
خطوات الانتقال الجريء
وقال في مقال له نشرته صحيفة "بروجكت سنديكيت" الدولية بعنوان "انتقال جريء وواقعي للطاقة"، إن الأحداث العالمية الأخيرة أوضحت أن التخلي الفوري عن منظومة الطاقة الحالية قبل بناء منظومة جديدة قادرة على تلبية الاحتياجات العالمية، يعرّض للخطر كلاً من النمو الاقتصادي والتقدم في العمل المناخي، كما أنه يثير تساؤلات حول قدرتنا على تحقيق تحوّل عادلٍ ومنصفٍ للجميع.
وأضاف أن مساهمة الطاقة المتجددة بلغت أكثر من 80% من إجمالي القدرة الإنتاجية الجديدة للكهرباء خلال العام الماضي، بما يعد مؤشراً واضحاً على أن التحوّل في قطاع الطاقة يمضي بخطوات حثيثة.
وأضاف "من وجهة نظرنا، فإن نجاح التحول في قطاع الطاقة يتطلب تحقيق تقدم في كل من النمو الاقتصادي والعمل المناخي، وأن يكون هذا التحول مستنداً إلى حقائق علمية واقتصادية وهندسية، والتنفيذ السريع للحلول، إضافة إلى إدراكٍ واضح للتحديات التي تواجه عملية التحوّل، ولتحقيق ذلك نحتاج إلى نهج شامل يستفيد من خبرات جميع القطاعات وشرائح المجتمع، بما فيها الخبرات والقدرات والإمكانيات المتوفرة لدى منظومة الطاقة الحالية " .
ويأتي حديث الجابر عن تحقيق التوازن متسقا مع سياسة منظمة أوبك حيث قال الأمين العام الجديد للمنظمة هيثم الغيص، إن "أوبك" ليست ضد الطاقة المتجددة، وبعض دول الخليج الأعضاء في المنظمة لديها مشاريع طاقة متجددة.
وأضاف الغيص: هناك الآن مشاريع ومبادرات ضخمة في الإمارات والسعودية والكويت وكلها مبادرات بيئية للمساهمة في تخفيض الانبعاثات.
وأوضح الغيص، في مقابلة نشرت بداية الشهر الحالي، أن العالم بحاجة لاستثمارات نفطية تقدّر بـ12 تريليون دولار خلال الـ25 عاماً المقبلة بخلاف الطاقات الأخرى، مؤكداً أن النفط والغاز سيظلان ركيزة أساسية للطاقة، فيما نحتاج للطاقة البديلة لتعزيز دور النفط لا لاستبداله.
وأيضا كان سهيل المزروعي وزير الطاقة الإماراتي قد أكد في تصريحات سابقة على أهمية زيادة الاستثمارات في مجال الطاقة ومواصلة استمرار الشركات العالمية بالاستثمار في هذا المجال الاستراتيجي حيث شهدنا عزوفا من الجهات الممولة لمشاريع النفط والغاز عالميا وذلك بعد "كوب 26" فيما تطالب دول العالم اليوم بزيادة الإنتاج والذي يتطلب تمكين المستثمرين من الموارد المالية للاستثمار في مجال النفط والغاز.
نفس رؤية السعودية
والرؤية المتعلقة بتحقيق التوازن عند الانتقال من الطاقة التقليدية إلى الطاقة المتجددة أكدها أيضا الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، حينما شدد على ضرورة تبني بلاده لنهج متوازن في الحياد الصفري في انبعاثات الكربون عبر خطط تتفق مع خططها التنموية والتنويع الاقتصادي دون التأثير في النمو وسلاسل الإنتاج.
كما أكد على أهمية ضخ استثمارات في الطاقة الأحفورية وتشجيع ذلك على مدى العقدين القادمين لتلبية الطلب المتنامي عالميا.
وقال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أمام قمة جدة للأمن والتنمية التي عقدت الشهر الماضي إن الاقتصاد العالمي مرتبط باستقرار أسعار الطاقة، ومن هذا المنطلق فإنه يجب طمأنة المستثمرين بقطاع الوقود التقليدي بأن السياسات التي يتم تبنيها فيما يتعلق بمكافحة التغير المناخي لا تشكل تهديدا لاستثماراتها لتلافي الامتناع عن الاستثمار ومنع عدم حدوث نقص في إمدادات الطاقة من شأنها أن يؤثر على الاقتصاد العالمي.
إعادة التقييم لضمان أمن الطاقة
من جهته قال الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة المبعوث الخاص لدولة الإمارات للتغير المناخي، إنه "مع بدء التعافي الاقتصادي من جائحة كوفيد 19 واجه العالم أزمة عميقة في إمدادات الطاقة، والتي ازدادت حدتها بسبب النزاع الروسي الأوكراني، مما دفع مختلف الدول حول العالم إلى إعادة تقييم احتياجاتها الاستراتيجية من الطاقة".
وأشار إلى أن الدرس المستفاد من هذه الأزمة هو أنه من السابق لأوانه تبّني الحكومات لسياساتٍ تؤدي إلى سحب الاستثمارات من قطاع النفط والغاز، قبل تأمين بدائل مناسبة وقابلة للتطبيق، إذ إن هذه الخطوة ستؤدي إلى نتائج عكسية تقوّض أمن الطاقة وتؤثر سلباً على استقرار الاقتصاد العالمي، كما أنها تخفض حجم التمويل الذي يمكن استثماره لتمكين تحوّلٍ منطقي ومدروس في قطاع الطاقة.
ولفت إلى أننا بحاجة إلى استراتيجية واقعية وخطة عملية تحقق منافع للنمو الاقتصادي والعمل المناخي في آن واحد، ويجب أن تراعي هذه الاستراتيجية الترابط الوثيق بين الطاقة والأنظمة الصناعية، خاصةً أن حجم التحول المطلوب في قطاع الطاقة ضخم جداً، وأنه يتطلب الكثير من التنسيق والمواءمة والتعاون في جميع الجوانب، بدءاً من تخصيص رأس المال، إلى تصميم المُنتج، وصياغة السياسات العامة، وتغيير سلوكيات المجتمعات حول العالم.
وأوضح أنه نظراً لهذا الترابط علينا البدء بدراسة هيكل الطلب الحالي في نظام الطاقة، حيث نرى أن توليد الكهرباء من طاقة الرياح والطاقة الشمسية يحقق تقدماً كبيراً، إلا أن غالبية استهلاك الطاقة يتم في الصناعات الثقيلة، والتصنيع، والإنشاءات، والنقل والزراعة، وهي قطاعات يصعب خفض الانبعاثات فيها، ولها تأثير كبير على المناخ مما يعني ضرورة توجيه المزيد من الاستثمار إليها.
هذا الكلام أشار إليه الأمين العام لمنظمة أوبك حينما قال أن أهم تحدٍ يواجه العالم وليس "أوبك" فقط هو ضرورة عودة الاستثمارات وضخ المزيد من الأموال في الصناعة النفطية كي نتمكن من مواكبة زيادة الطلب خلال السنوات الـ20 أو 30 سنة المقبلة، ومن دون هذه الزيادة في تدفق الاستثمارات سيواجه العالم مشكلة أكبر.
وأوضح حينها أن رسالة "أوبك" الدائمة للعالم على مدى سنوات أن أي تخفيض في هذه الاستثمارات سيؤدي لمشكلة نفطية تنعكس ارتفاعاً بالأسعار، وبالتالي سيكون لها تبعات اقتصادية، وهذا ما بدأ العالم يشعر به الآن.
365 مليار دولار
نقطة أخرى أشار إليها الدكتور سلطان الجابر في مقاله وهو أنه خلال العام الماضي تجاوزت قيمة الاستثمارات العالمية في مصادر الطاقة المتجددة نحو 365 مليار دولار، في حين أن إجمالي الاستثمار في تكنولوجيا تخزين الطاقة والتقاط الكربون وسلسلة القيمة لقطاع الهيدروجين كان 12 مليار دولار.
وأكد الجابر أنه هذا الرقم غير كاف لدعم عملية التحوّل في قطاع الطاقة، حيث يُقدر إجمالي الاستثمار المطلوب بأكثر من 250 تريليون دولار على مدى الثلاثين عاماً القادمة، ومن الواضح أنه لا يمكن لدولة أو شركة أن تؤمّن هذا الحجم من التمويل بمفردها.
وتابع "وإلى جانب تأمين التمويل اللازم يجب أن نتذكر أن عملية التحوّل في قطاع الطاقة تستغرق وقتاً، ولا يمكنها أن تحصل بلمسة زر، وبالرغم من أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية شكّلت غالبية إجمالي القدرة الجديدة لتوليد الكهرباء في عام 2021، إلا أنها لا تزال تشكل 4% فقط من مزيج الطاقة الحالي في العالم، ومع نمو الطلب على الطاقة بشكل أكبر من أي وقت مضى، فإن ضمان أمنها يتطلب استمرار دور النفط والغاز مكوّناً مهماً وأساسياً في منظومة الطاقة لعقود قادمة".
ولفت إلى أنه يجب أن نركز على بذل المزيد من الجهود لخفض تأثير النفط والغاز على المناخ، وهذا يتطلب تكثيف التعاون والتنسيق والعمل عن قرب بين المنتجين، والحكومات، والقطاع الخاص بهدف أن يكون الإنتاج الجديد من الطاقة أقل كثافةً في الانبعاثات من السابق، وهذا يعني ضرورة صياغة سياسات مالية داعمة تشمل الحوافز الضريبية، ورفع الكفاءة التشغيلية من خلال تعزيز استخدام التكنولوجيا، والالتزام بخفض انبعاثات الميثان وحرق الغاز، وتوفير استثمارات إضافية في تقنيات التقاط الكربون.
وأكد أن هذا هو باختصار النهج الذي تتبعه دولة الإمارات للتحول في قطاع الطاقة والذي يضمن استمرارها في تلبية احتياجات العالم الحالية، مع الاستثمار في أنظمة الطاقة المستقبلية.
وقال : " تمتلك دولة الإمارات 3 من كبرى محطات الطاقة الشمسية في موقع واحد في العالم، واستثمرت في مشاريع للطاقة المتجددة في أكثر من 40 دولة متقدمة ونامية، وتخطط لتوسيع محفظة مشاريعها من الطاقة المتجددة لتصل طاقتها الإنتاجية إلى 100 جيجاواط بحلول عام 2030. واستثمرنا في الطاقة النووية السلمية ونركز على إرساء أسس صلبة لسلسلة قيمة متكاملة للهيدروجين كعاملٍ ضروري لتحقيق الحياد المناخي".
وأضاف: "بينما تواصل دولة الإمارات دورها كمورّد موثوق لأقل أنواع النفط والغاز في العالم من حيث كثافة الانبعاثات، فإننا نعمل على خفضها بنسبة 25% إضافية قبل نهاية عام 2030".
مبادرة استراتيجية لتحقيق الحياد المناخي
وأشار إلى أنه باعتبار دولة الإمارات أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعلن عن مبادرة استراتيجية سعياً لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، فإنها مستمرة بالعمل على الحد من الانبعاثات في جميع الأنشطة الاقتصادية في دولة الإمارات، قائلا: "أنشأنا أول برنامج في المنطقة لالتقاط الكربون واستخدامه وتخزينه على نطاق صناعي، وتعمل شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك" لتأمين احتياجات عملياتها من الكهرباء من المصادر النووية السلمية والشمسية الخالية من الانبعاثات".
وأكد أنه مع اقتراب انعقاد الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف هذا العام، وبينما تستعد دولة الإمارات لاستضافة الدورة الثامنة والعشرين من المؤتمر العام المقبل، فإننا بحاجة للتركيز على حلول عمليّة تسهم في تعزيز أمن الطاقة من خلال ضمان إمكانية الحصول على إمدادات مستدامة بأسعار مناسبة.
وشدد على أن ضمان تحقيق أهداف دولة الإمارات بتسريع التقدم في العمل المناخي جنباً إلى جنب مع استمرار النمو والازدهار الاقتصادي، يتطلب بدء العمل الفعلي من الآن. قائلا "علينا دائماً أن نتذكر أن هدفنا النهائي هو خفض الانبعاثات، وليس خفض معدلات النمو والتقدم والتطور".