يبذل الرئيس التركي أردوغان كل ما باستطاعته ليجعل عملية العدوان التي أطلقها على سوريا قادرةً على تحقيق أهدافه المرجوة منها بسلاسة
دون إدراكٍ منه للثمن الباهظ الذي سيدفعه إقليمياً وعالمياً، ولخطورة المغامرة غير محسوبة النتائج التي يخوضها داخلياً، يبذل الرئيس التركي أردوغان كل ما باستطاعته ليجعل عملية العدوان التي أطلقها على سوريا تحت اسم "نبع السلام" قادرةً على تحقيق أهدافه المرجوة منها بسلاسة لا تشير إليها طبيعة هذه العملية وطبيعة أهدافها العدوانية الاحتلالية لأرض عربية هي جزء من التراب الوطني لدولة عربية ذات سيادة.
وهذه العملية ذات وجهين، يرى منهما السلطان العثماني المريض وجهاً واحداً فقط يتمثل في محاولته استعادة بعض الالتفاف الشعبي التركي الداخلي حول حزبه حزب العدالة والتنمية الذي عانى في الفترة الأخيرة تراجعاً في التأييد الشعبي، وخسارات شنيعة في الانتخابات البلدية واستقالات جماعية من قياداته التاريخية، منهم وزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان، ورئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، وعرفان كاراتاش، عضو مجلس بلدية "بهجلي أفلار" التابعة لمدينة إسطنبول، وآخرون.
إذاً، إنه السلطان المريض بأوهام القوة، يغزو دولة عربية ليكسب أتراك الداخل ويشد العصب القومي بمعاداة العرب وإبادة الكرد، دون إدراك منه أنّ هذه الحرب ستؤدي إلى كارثة اقتصادية في تركيا مع الانهيار الاقتصادي الذي تشهده أصلاً، كما أنها ستُشعل جبهةً داخليةً في تركيا كانت دوماً ناراً تحت الرماد
وتأكيداً على قصر نظر النظام التركي الذي يقوده حزب العدالة والتنمية في مقاربة أمور السياسة، فإنّ هذه الحرب المعلنة ضد سوريا والجوار العربي كله، الآن في شرق الفرات، وقبلها في عفرين والإبادة التي شهدتها، أو في شمال العراق، أو ضد الداخل التركي نفسه، هذه الحرب هي الشعرة التي تقصم ظهر البعير، وتُعري أردوغان من ورقة التوت الأخيرة لتُظهره هارباً إلى الأمام على حافة السقوط الأخير، عاجزاً داخلياً أمام معارضة يمارس ضدها كل أنواع القمع والقهر والإلغاء، وتُظهره أمام الخارج، مبتزاً لأوروبا باللاجئين، ومعانداً لأمريكاً التي حذرته من مغبة هكذا خطوة، وهددته بانهيار اقتصاده وتفكك نظامه، ومعادياً للعرب متدخلاً في شؤونهم الداخلية من ليبيا وغيرها، ومتحالفاً مع إيران وأتباعها الذين يقبلون بسيطرة تركية على كامل شرق الفرات، مقابل سيطرتهم على الهلال الشيعي من طهران حتى بيروت.
وأمام كلّ ما سبق، نقرأ عدم اكتراث وجهلاً سياسيا عقيما في تصريح مستشار الحزب ياسين أقطاي حول الاستنكار العربي للعملية العسكرية التركية في مناطق شمال شرق سوريا، يقول: "لا نكترث لشيء، وسنفعل ما يحلو لنا، فالدول العربية لا تحاول حتى حلَّ المشاكل الموجودة في بعضها".
إذاً، إنه السلطان المريض بأوهام القوة، يغزو دولة عربية ليكسب أتراك الداخل ويشد العصب القومي بمعاداة العرب وإبادة الكرد، دون إدراك منه أنّ هذه الحرب ستؤدي إلى كارثة اقتصادية في تركيا مع الانهيار الاقتصادي الذي تشهده أصلاً، كما أنها ستُشعل جبهةً داخليةً في تركيا كانت دوماً ناراً تحت الرماد، تهدد بانفصال الكتلة السكانية الكردية والمناطق التي تسكنها شرق تركيا ووسطها عن جمهورية القمع الأردوغانية، وهذا أول الغيث في استعادة تركيا لوعيها السياسي المفقود في ظل حكم اللاعدالة واللاتنمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة