في الشهر الأخير من العام الميلادي ٢٠٢١، ومع غروب السنة، دائما ما يكون هذا الشهر مناسبا لحصاد أحداث العالم والإقليم.
وبرغم أن التاريخ يشهد كثيرا للحقب والفترات وتجمع الأحداث حتى يمكن الحكم عليها، فإن عاما واحدا يشكل في حد ذاته لبنة بناء لكل ذلك.
ورغم أن هناك حالة من الاستعجال لدى المراقبين والمحللين، على تبيان أن العالم ينقلب رأسا على عقب كلما جد جديد على العلاقات الدولية، حتى يرى حدثا ما باعتباره نقطة فاصلة ما بين مرحلة وأخرى.
المسألة فيها الكثير من الشوق إلى وجود تغيير جذري، أو هو انعكاس لحالة من الضجر من أن نجد في الصباح ما كان ساريا في المساء السابق، أو كلاهما معا.
الأمر هكذا يحتاج إلى درجة كبيرة من الرصانة، وهناك في عام ٢٠٢١ ثلاثة أنواع من الأمور باتت تأخذ شكلا معتادا جديدا، اعتاد الناس على التعايش معها، أولها: جائحة كورونا، وثانيها: التعايش مع الإرهاب، وثالثها: أن الصين أصبحت قوة عظمى صاعدة.
ورغم ظهور المتحور الجديد للفيروس التاجي تحت اسم "أوميكرون"، فإن الانزعاج ناشئ من حقيقة أن الناس استقروا على التعايش مع أوضاع جديدة، يعود فيها التلاميذ إلى المدارس، والعمال إلى المصانع، والموظفون إلى أعمالهم في الحكومة أو القطاع الخاص.
ولكن ذلك سوف يحدث بعد اتخاذ الإجراءات، واتباع الأساليب المرعية في زمن الوباء.. لم يعد العالم كما كان تماما، وإنما بات متغيرا في مكانه!
الأمر نفسه مع الإرهاب، وما حدث بالفعل هو أن الحرب ضد الإرهاب باتت نوعا من "الحرب الأبدية Forever War" مثل السرطان، لا تكف عن الانتقال والانتشار، واعتراض الحياة والتنمية والمسار الإنساني في العموم.
ما توصلت إليه دول العالم هو أنه لا بد من استمرار مسيرة البشر وكأنه لا يوجد إرهاب، ومقاومة الإرهاب كما تتم مقاومة الجريمة المنظمة، بحيث لا تشل قدرة الدول على التقدم.
ويحدث ذلك بالطبع بحيث تُتبع الإجراءات الاحترازية من المتابعة المخابراتية، وحماية المطارات والطائرات من الخطر، واختراع التكنولوجيات التي تكشف الأسلحة والمتفجرات، واتباع البشر قواعد الكشف والشفافية التي يتيحها الذكاء الاصطناعي، وأساليب أخرى كثيرة وكلها هامة.
الاعتياد على أن تكون الصين قوة عظمى ربما كان أكثر تعقيدا من معتاد الكورونا أو الإرهاب، ولكن ظهور دولة عظمى في النظام الدولي ليس من الأمور التي تجري كل يوم، وبالتأكيد ليس كل عام، ولكن العام الحالي الذي يأخذ طريقه إلى الأفول كان شاهدا.
بزغت الصين وهي مهتمة ولا تزال، باستمرار عملية البناء الداخلي فيها على مسار الدولة العظمى التي تصدر للعالم كل شيء، ومعه تصل إلى الفضاء الخارجي، وإذا كان الأمريكيون يعتقدون أن الصين ليس في إمكانها إنشاء شركات مثل آبل وأمازون أو تسلا، فإن الصين الآن لديها "علي بابا" والسيارات كهربائية، وأقمار صناعية وشركات عملاقة، ومشروع "الحزام والطريق".
وما يجعل الصعود الصيني الكبير أخاذا هو أنه مصاحَب بالخروج الأمريكي من اليابس إلى البحر، وبناء غواصات نووية على الطريقة التقليدية التي كان فيها العالم يعيش على معتاد سابق، قائم على سباق التسلح الذي أنهك في زمان سابق الاتحاد السوفييتي، ساعة إنتاج برنامج حرب النجوم.
المعتاد الجديد مختلف وأشكاله جديدة يحتاج اكتشافها إلى ما هو أكثر من الكسل، ويرفض اتباع قاعدة أن التاريخ يعيد نفسه، بينما هو جديد تماما.
ولكن الصين لم تكن لتتبوأ مكانة قوة عظمى في العالم ما لم يصاحبها عملية إعادة توزيع عناصر القوة في العالم، وإقرار أشكال جديدة من التوازن بين العمالقة.. وكان ذلك تحديدا مع مطلع عام ٢٠٢١ عندما خرج في مشهد مأزوم للدولة الأمريكية الرئيس دونالد ترامب من البيت الأبيض في ٢٠ يناير، وحل محله الرئيس جوزيف بايدن.. لم تعد أمريكا كما كانت، ولا العالم كما كان عليه.
المعتاد الجديد بدءا من عام ٢٠٢١ تغيرت فيه أمور كثيرة في خريطة الشرق الأوسط، ليس بتغيير حدود الدول، وإنما بتحولات عميقة تعيد ترتيب المصالح السياسية وسقوفها.
ولعل أكثر هذه التغيرات ظهوراً تلك الحالة من الانسحاب الذي نفذته الولايات المتحدة من أفغانستان، وما اتفقت عليه مع العراق أن يكون انسحابها قبل نهاية العام، وما هو جائز الحدوث خلال الفترة نفسها، من انسحاب ما تبقى من قوات في سوريا.. هذا الخروج من إقليم، تعودت واشنطن على البقاء فيه، وبالتحديد منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، يقلب كثيراً من موازين القوى في المنطقة، والمرجح في العالم.
ما يهمنا هو أن الدور الذي كانت تلعبه الدولة العظمى قد تراجع، وهي التي كان لها وجود وحضور في قضايا المنطقة كلها، من الصراع العربي الإسرائيلي، إلى قضية انتشار الأسلحة النووية، وآخرها التعامل مع سعي إيران لامتلاك السلاح النووي، ما قاد إلى اتفاق مع أمريكا، ومعها الدول الكبرى عام 2015.
والآن، رغم الانسحاب الأمريكي من الاتفاق تحت إدارة ترامب في عام 2018، فإنها حالياً تعود إلى المفاوضات من أجل إحياء الاتفاق النووي مرة أخرى.
تفاصيل ذلك ومستقبله سوف يظل رهن المتابعة والمراقبة، لكن ما يهمنا أن عودة الاتفاق مرة أخرى سوف يستكمل صورة الولايات المتحدة التي تتجنب المواجهات العسكرية، بينما تنظر إلى السياسة الدولية من زاوية الدبلوماسية والقدرات الاقتصادية.
نتيجة هذه التغيرات التي حصلت خلال عام ٢٠٢١ هي وضع البذور لعمليات للتقارب الإقليمي بالخروج من نزاعات جرى زرعها في أعوام سابقة، حيث جرى نزع فتيل معظمها، وتهدئة الأزمتين الليبية والسورية، وأخذ السلام الإبراهيمي اتجاهات إيجابية كثيرة.. وباتت هناك تحركات استراتيجية كبيرة ذات طبيعة تعاونية في الأمن والتكنولوجيا والطاقة.. نتائج ذلك كله سوف تظهر في العام القادم، ٢٠٢٢.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة